الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قمة بغداد .. تغيّب زعماء قُدامى وحضور فاعل لزعماء جدد

محيي المسعودي

2012 / 3 / 30
الثورات والانتفاضات الجماهيرية



لا شك ان ترأس الرئيس العراقي جلال طلباني للقمة العربية الأخيرة في بغداد وادارتها من قبل وزير الخارجية هوشيار زيباري هي الرسالة العراقية الابلغ الى الزعماء العرب في مؤتمر قمتهم الـ 23 ومفاد هذه الرسالة ان الديمقراطية في البلاد العربية عندما تتعامل مع الشعوب على اساس المواطنة فهي تقوي الانتماء الوطني للاقليات وتجعل منها مصدرا للعطاء الوطني المتميز, فالرجلان كرديان عراقيان ولكنهما في مؤتمر القمة كانا عربيين " مع كرديتهم" اكثر بكثير من عروبة بعض الساسة العراقيين العرب وبعض الزعماء العرب, وخاصة الخليجيين .
لقد عودتنا القمم العربية المتتالية على انها ظاهرة صوتية " زعاماتية" بامتياز , وانها ظاهرة صوتية انفعالية في احسن حالاتها , اذ لم يكن الزعماء العرب – يوما - عربا وطنيين حقيقيين بانتمائهم وعملهم , وان كانت لغتهم وتصريحاتهم عربية , ولم يكونوا ديمقراطيين ابدا , ربما كان البعض القليل منهم " ايام المد القومي العربي " عربي الهوى, ولكن هذا البعض القليل لم يكن متزنا ولا حاذقا ولا محنكا ولا عادلا بل كان دكتاتورا متهورا حد الحماقة . وقد جاءت القمة العربية بدورتها 23 في بغداد مختلفة عن كل القمم العربية السابقة - الظاهرة الصوتية - وجاء هذا الاختلاف بفضل التغيرات التي شهدها العراق منذ عشر سنوات عندما سقط نظام صدام حسين "اعتى دكتاتور في المنطقة" ليلتحق به مؤخرا زعماء عرب اخرون مثل القذافي ومبارك وبن علي وصالح , وقد ظهر الاختلاف في هذه القمة عن سابقاتها من خلال الحديث الصريح عن حقوق وحريات وتطلعات الانسان العربي وحقه المشروع في اختيار شكل نظام الحكم وحكوماته . هذا الحديث الذي كان غائبا عن مؤتمرات القمم السابقة , ما يعني ان مؤتمر بغداد - ولاول مرة في تاريخ العرب - استطاع ان يستبدل بعض اصوات وارادات الحكام الدكتاتورين " النشاز" باصوات وارادات شعوبهم . بدءا بالعراق ووصولا الى تونس ومرورا بليبيا ومصر واليمن . وقد عبر عن هذه الحال رئيس تونس المنصف المرزوقي بكل وضوح وقوة وشجاعة, وبشر بولادة فريق الدول العربية التي تحررت من انظمتها الدكتاتورية وكانه يقول للحكام العرب: انتم فريق قديم بغيض ونحن المتحررون من الدكتاتاوريات العربية فريق آخر جديد , له المسقبل ولكم انتم الزوال , وان يومكم قريب, وقادم لا محال وعلى الشعوب العربية التخلص من انظمتكم الدكتاتورية والالتحاق بفريقنا الذي يمثل الارادة الحرة للشعوب العربية .
وكشفت القمة العربية في بغداد الفزع الكبير الذي يعيشه الحكام العرب من المد الجماهيري المتصاعد . وقد ترجم هذا الفزع تغيّيبُ الحكام المستبدين, عن مؤتمر القمة , اذ لم تكن اعذار تغيبهم مقنعة لاي متابع للساحة السياسية العربية , ولكن يبدو انهم كانوا يدركون ان رجلا مثل المنصف المرزوقي سوف لن يجاملهم , وان العالم سوف يطالبهم في هذه القمة بان يحرروا ارادة شعوبهم من قبضة دكتاتوريتهم وتسلط واستغلال عائلاتهم للشعوب التي يحكمون . وكشف حديث مَنْ مثلوا الحكام المتغيبين وخاصة الخليجيين, كشف مدى التناقض الفاضح ما بين اقوالهم وافعالهم . فقد سمعنا ممثلي قطر والبحرين والسعودية , يطالبون نظام الاسد بحريات وحقوق الشعب السوري , ويصبون جام غضبهم على هذا النظام ويدعونه وغيره الى منح الشعوب الحريات والحقوق . ان مطالباتهم هذه وحديثهم هذا يفضح التناقض الذي هم عليه, فدولة مثل البحريين حينما يتحدث زعماؤها عن بشاعة قمع ارادة الشعوب وخاصة في سوريا, انما يرتكبوا مفارقة مضحكة تبعث على السخرية , لان النظام في البحرين قمع ويقمع يوميا الشعب البحريني بابشع اساليب القمع . وعندما يتحدث زعماء قطر والسعودية عن الحريات في سوريا فانهما يرتكبا نفس المفارقة المضحكة, اذ كيف يطالب هؤلاء بحريات وحقوق الشعوب وهم اكثر من يسلب حريات وحقوق وارداة شعوبهم , كيف يتحدث عن الديمقراطية وحقوق الانسان نظام عائلاتي ملكي دكتاتوري قمعي طائفي سلفي متطرف, يحرم على المرأة حتى قيادة السيارة ويعتبر صوتها ووجها عورة . وكيف يتحدث عن الديمقراطية والحرية من لم يعرف الانتخابات يوما طوال فترة حكمه الممتدة لعقود من الزمن , وكيف يتكلم عن الاخلاق من فقد الاخلاق حتى في العلاقة مع اسرته الحاكمة . نعم ان عدم حضور بعض الحكام الخليجيين وبعض الحكام العرب الى قمة بغداد كان خوفا من اصوات الربيع العربي التي حضرت بقوة في بغداد , وخوفا من الصوت العالمي الحر, وليس لاسباب امنية او نتيجة خلاف مع حكومة العراق كما يُشاع .
نستطيع القول ان القمة العربية في بغداد قد نجحت بشكل عام من حيث الاعداد, والادارة, والرئاسة, وموعد الانعقاد, والتنظيم, والحضور العربي الشامل, والانسجام الشكلي بين الوفود المشاركة , وتوفر الامن, والتغطية الاعلامية الواسعة والموضوعية , ونجحت القمة ايضا الى حد مقبول في درجة التمثيل العربي , والموضوعات التي ناقشتها والقرارات التي اخذتها, والجديد الذي طرحته وخاصة الحديث عن حقوق وحريات الشعوب العربية . لقد نجحت القمة بفضل وعزم واصرار الحكومة العراقية التي تجاوزت عقبات كبيرة " ما كان لغيرها ان يتجاوزها " فقد تعرضت الحكومة العراقية في داخل العراق وخارجه طوال الشهور الماضية الى حرب شعواء من اجل الحيلولة دون انعقاد القمة في بغداد وقد قاد هذه الحرب زعماء سياسيون في القائمة العراقية مرتبطون بانظمة دكتاتورية عربية وكان على رئسهم اياد علاوي صاحب الامتياز بعلاقاته مع السعودية وصالح المطلك "والمطلوب رقم 1 للقضاء" طارق الهاشمي وغيرهم الكثير .. وفي كردستان حاول مسعود برزاني بكل الاشكال والوسائل منع انعقاد القمة في بغداد , متحالفا مع بعض قادة القائمة العراقية , وهدد برزاني قُبيل انعقاد القمة بايام بانه سوف يعلن انفصال كردستان عن العراق في محاولة اخيرة منه لارباك الحكومة العراقية ومنعها من التحضير للقمة, ولكنه عندما شعر بالعجز هو وحلفاؤه عن تحقيق هدفه هذا وتأكدت لديه رغبة شركائه الكرد (مثل جلال طلباني وهوشيار زيباري) في انعقاد القمة في بغداد لم يستطع تحمل رؤية العرب في بغداد فغادر البلاد الى امريكا واوروبا .
في وضع صعب ومعقد جدا استطاعت الحكومة العراقية السيطرة بشكل تام على الامن في محيط انعقاد القمة وان كان هذا الامن على حساب حرية المواطن العراقي . ولكنها أي الحكومة لم تستطع فعل شيء غير هذا في ظل ظروف حرجة وخطيرة جدا .
لقد كشف نجاح القمة حقيقة بعض الساسة العراقيين , فتبيّن ان المعارضين لانعقادها في بغداد انما عارضوها لمصالحهم الشخصية, وهم بهذا الفعل يؤكدون عدائهم للشعب العراقي وللشعوب العربية وذلك من خلال تحالفهم وتوافقهم مع حكّام عرب خليجيين يحكمون بلدانهم بالقوة ويصادرون ارادة وحريات وحقوق وتطلعات شعوبهم . لقد وضع نجاح قمة بغداد اعداء الديمقراطية من العراقيين والعرب في خانة اعداء الشعوب ووضع الزعماء العرب – خاصة الجدد - الذين يؤمنون بالديمقراطية في خانة الوطنيين الديمقراطيين , وباتت حقيقة كل حاكم عربي او سياسي عراقي او عربي معروفة لدى شعبه ولدى الشعوب العربية وشعوب العالم , وقد تكون حكومة الكويت مختلفة عن فريقي القمة . اذ ان من يحكم الكويت هي اسرة آل صباح وهي مثلية للانظمة الخليجية من حيث الحاكم ولكنها تختلف من حيث الحكم فالكويت من بين الدول العربية القلية التي تجري فيها انتخابات وفيها فسحة كبيرة لحرية الرأي والاعلام وانتقاد الحكومة بل واسقاطها احيانا من قبل ممثلي الشعب , ربما هذه الحال الديمقراطية هي التي منحت امير دولة الكويت القوة والثقة لحضور مؤتمر القمة في بغداد . واخطر ما كشفته قمة بغداد هو: ان السعي المحموم الذي تقوم به بعض دول الخليج في دعم ثورات الربيع العربي انما يهدف الى سرقة ثمرات هذا الربيع واجهاض جنين الديمقراطية العربية الذي ترى فيه الانظمة المستبدة انه العدو الاخطر الذي يهدد وجودها وينذر بسقوط عروشها, ومقاضاتها على الجرائم التي ارتكبتها بحق الشعوب . والفساد الذي مارسته في سرقة المال العام او هدره ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العقلانية والتاريخ في خطاب الياس مرقص - د. محمد الشياب.


.. بمشاركة آلاف المتظاهرين.. مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين في صنعاء




.. تركيا تعلن مقتل 17 مسلحا من حزب العمال الكردستاني شمال العرا


.. كرّ وفرّ بين الشرطة الألمانية ومتظاهرين حاولوا اقتحام مصنع ت




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مناهضين للحرب الإسرائيلية على غزة في ج