الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بشير القمري يحول مسرحية -فوا أوف- إلى -فوا أون- بلعبه غير المتقن على كل الحبال

ليلى الشافعي

2012 / 3 / 30
الادب والفن



عندما كنت جالسة في مقر جمعية الأكواريوم أشاهد مقطعا من مسرحية "فوا أوف" ذات مساء من بدايات شهر مارس الجاري، لم يخطر على بالي أن تلك المرأة الشرسة الهستيرية التي تقوم ببعض الحركات الخرقاء، قد تكون صورة لي. فأنا لم يسبق لي أن رأيت المسرحية التي كنت أعرف أنها اقتباس لروايتي عبد القادر الشاوي: "كان وأخواتها" و"من قال أنا". كانت المخرجة نعيمة زيطان قد أخبرتني بأن دوري يقتصر على تصويب بعض الانزلاقات التي ترتبط بالمرحلة، وتوضيح المشهد للممثلين حتى يتمكنوا من تقمص الشخصيات. وكأية غرة، حملت قلما وورقة وجلست أدون كل ما بدا لي انزلاقات خطيرة، وعند الانتهاء، ذهبت بنية خالصة عند نعيمة وأخبرتها أن النص يبدو هزيلا، وأنه لكي ينجح فعليها إعادة النظر في عدد من المعطيات. لكنني لم أكن أعرف أن نعيمة كانت مرتبطة بالوقت، وأنها ربما أرادت تمرير موقف علي بالقول أنني شاهدت العرض ولم أعترض عليه، مع أنني لم أشاهد كما أسلفت إلا جزءا منه، بل الأدهى والأمر أنني سأكتشف عند عرض النص كاملا، أن أكبر انزلاق كان يتعلق بدوري السلبي في حياة عبد القادر الشاوي، خاصة في فترة استشفائه.
وتماما كما قال المثل العربي القديم، "إذا عرف السبب بطل العجب". فقد كان كاتب نص المسرحية هو بشير القمري. ولم تعرف اقتباسا من نصوص عبد القادر الشاوي كما ادعى، اللهم بعض المعطيات من كان وأخواتها فيما يتعلق بدرب مولاي الشريف، والمحاكمة. فيما عدا ذلك، كتب بشير القمري نصا جديدا صفى فيه حساباته مع عدد من الأشخاص والأوضاع، كما أنه حرف التاريخ، بحديث أحدهم أثناء المحاكمة عن دفاعه على الديموقراطية والحرية والعدالة، وهي شعارات لا تمت بصلة إلى سنوات السبعينات وإلى سنة 1977 وهي السنة التي حوكم فيها معتقلوا الحركة الماركسية اللينينية. ففي بداية السبعينات كان اليسار الجديد يتبنى الإيديولوجية الماركسية اللينينية، وينادي بالقواعد الحمراء والاستيلاء على السلطة، ومفهوم حقوق الإنسان نفسه، لم يصبح متداولا في الأدبيات السياسية المغربية إلا سنة 1979 مع ظهور الجمعية المغربية لحقوق الإنسان.
إن بشير القمري ناقد في الرواية وناقد مسرحي وناقد سينمائي، ويبدد طاقته في كل المجالات النقدية، لكنه يعطي الدليل القاطع على أن النقد لا ينجب الإبداع. كل تجاربه الإبداعية فاشلة. جرب القصة القصيرة ففشل وجرب المسرح ففشل. مشكلته في هذا العرض أنه ظن أن بإمكانه أن يركب على إبداع مبدع آخر لكي يصنع لنفسه إسما، فإذا به يسيء للمبدع الأصلي الذي هو عبد القادر الشاوي كما أساء لكل من نص "كان وأخواتها" و"من قال أنا". فالقيمة الأدبية لهذين النصين ليست موضع نقاش، لكن الدراماتورجيا الخالية من الذكاء والمتكلسة التي اقترحها القمري بشير شوشت على النصوص الأصلية لعبد القادر الشاوي تماما كما شوشت على فنانة بحجم نعيمة زيطان.
إن الدرس الذي يجب أن يتعلمه القمري بشير، هو أن الدور الذي يلعبه الدراماتورج حينما يريد تقديم نص أدبي على الخشبة، دور أساسي، إما أن يرفع من قيمة النص الأدبي ويعلي من شأن كاتبه ويعطي للمخرج مساحات للتألق ولملء الفضاء الركحي وتأثيثه بشكل جيد كما حصل في مجموعة من الأعمال التي شاهدناها في السنوات الأخيرة والتي لعبت فيها الدراماتورجيا دورا مهما في تقريب الأدب من المسرح، كما تم في نص عبد اللطيف اللعبي "تمارين في التسامح" الذي أجادت فرقة "نلعب للفنون" تقديمه للمسرح، وكما حصل مع ديوان الشاعر المغربي ياسين عدنان "رصيف القيامة"، الذي أعدت له الدراماتورجيا الفنانة المقتدرة والمتألقة لطيفة أحرار.
في الدراماتورجيا، الدور الحقيقي الذي يقوم به معد النص الأدبي يتجلى في الحذف والانتقاء وليس في الإضافة، وإلا فاكتب أيها البشير هذيانك وما شئت وأنت حر في ذلك، لكن مع الإعلان أن النص نصك وليس اقتباسا من نص آخر تريد جلب الاعتراف من ادعائك الانتماء إليه، وتسرق به الضوء إلى نفسك كما تسرق الجماهير، وهي لا تعدو عن كونها سرقة موصوفة مع سبق الإصرار والترصد.
هناك معطيات كثيرة في المسرحية لا علاقة لها بتلك الفترة. لكن هناك تصفية حساب مع أشخاص منهم من يريد بشير تبرير تاريخ علاقته به وربما اعتبره تاريخا أسود ندم عليه، ثم هناك من اعتبره "حائطا قصيرا"، حاول تجاوزه بتحريف الوقائع وإظهار صورة مناقضة لواقع الحال.
تصفية الحساب الأول تبدو من خلال الحديث عن معمر القذافي الذي اتهمت الصحافة المغربية بشير ومن معه بممارسة الارتزاق مع هذا الديكتاتور إبان تقلده الحكم، والثاني يتعلق بشخصي من خلال إبراز جانب بشع لتعاملي مع عبد القادر الشاوي الذي خدمته بنكران ذات كبير خلال مرضه.
أستطيع أن أقبل كل شيء، إلا الإحساس بالتجني والحكرة. وهذا بالضبط هو الإحساس الذي انتابني وأنا أشاهد مسرحية "فوا أوف" لنعيمة زيطان. إن المرأة (وقد لعبت الدور هاجر اكريكع) التي تتحدث بهستيرية، وتحكي بين الفينة والأخرى متجهة صوب صديقتها رشيدة لتأكيد ما تقول، متحدثة بشكل سلبي عن حبيبها الذي رفض رؤيتها. (وعلى فكرة، فقد حذف من المشهد حوار مسرحي كنت شاهدته في مقر الجمعية يقول فيه شين إنه رفض مقابلتها لأنه لا يريدها أن تراه بهذا الشكل وإشفاقا منه عليها). إن هذه المرأة لا تمت لي بصلة. وقد اضطرني المقام إلى قول ما سأقول الآن:
عندما ذهب الشاوي إلى العيادة، كان يتصور أن الموضوع يتعلق بتسمم غذائي، وكان أخبرني بأنه أكل شيئا خارج البيت، ربما كان بطيخا، هو ما جعله يشعر بالقبط. فهزل بشكل مثير، ولم تعد لديه شهية الأكل. أخبرني بذلك وهو يحمل سترته ليتجه نحو العيادة. وعندما طلبت منه الانتظار حتى أرافقه قال: الأمر لا يستدعي ذلك، سأذهب فقط لإجراء بعض التحاليل وأعود، إذهبي إلى روبورطاجك. وذهب هو إلى العيادة وأنا إلى روبورطاجي. وبعد ساعتين اتصلت بي الصديقة فريدة الخمليشي لتخبرني أن حالة الشاوي سيئة، وأن علي المجيء إلى العيادة. ومن يومها لم أفارق الشاوي. شعرت بجميع الأحاسيس تمتزج داخل صدري. بكيت عدة مرات، وكنت كلما دخلت إلى غرفته أرسم ابتسامة على محياي. لم أره يوما بهذا الشكل، لا حول ولا قوة له، ومع ذلك كان قويا في عناده ومواجهته للمعاناة والألم. وكان لديه بعض "الأعداء" وكثير من الأحباب، جاؤوا كلهم لزيارته إلا بشير القمري. كما أن الطبيب سلم لي شهادة طبية مدتها 15 يوما لأبيت معه في غرفته، وكنت أنام على الكنبة، وأعتني به في كل شيء، من الاستحمام إلى مساعدته في قضاء حاجياته الحميمة. وشعرت أن دعمي ومساندتي له ضروريين ليخرج من محنته. وكنت، وأنا المريضة دائما، أمراضا مزمنة لا يمكن لأحد تخيل حجمها ومدى تأثيرها على حياتي، قد نسيت نفسي ولم يعد يهمني إلا هو. وأنا متأكدة أنه يذكر ذلك جيدا، ولا أدل على ذلك، أنه بمجرد خروجه من المستشفى، حملنا أنا وابنتنا رانية، في رحلة إلى مدينة "بين المدينة" الإسبانية حيث قضينا حفل رأس السنة.
وقد كانت علاقتي بعبد القادر جد طيبة. كنا نختلف في بعض الأشياء مثلنا مثل جميع الأزواج، لكننا كنا نعرف كيف ندبر أمورنا، وكانت الحياة بيننا هادئة في أغلبها الأعم، خاصة في السنوات الأخيرة. لكن بشير القمري، الذي حاول مراودتي عن نفسي في سنة 1988، وكان عبد القادر الشاوي آنذاك ما يزال في السجن، والذي حاولت التهرب منه بطريقة دبلوماسية، بقي يكن لي الضغينة، رغم أنني كنت دائما أواجهها بالابتسام والمجاملة وكثير من التسامح.
شخصيا لا أحمل أية ضغينة على أحد، وأعتبر مسرحية "فوا أوف"، من حيث الإخراج والتشخيص والتأليف الموسيقي مسرحية ناجحة بامتياز، لكن النص رديء. ولم يسيء النص للثنائي عبد القادر الشاوي وليلى الشافعي فقط، بل لمرحلة بأكملها، برموزها وتضحياتها الجسام. كما أنها أساءت إلى "الربيع الديمقراطي"، بإبراز مناضلين ومثقفين مستهترين في إحدى الحانات يتحدثون بطريقة فجة عن الربيع الذي ربطه أحدهم بزقزقة العصافير وخرير المياه وما إلى ذلك...إن أهم ما دفع بشير إلى الحديث عن الربيع العربي، هو تبرئة ذمته من العلاقة بالقذافي معلنا على لسان أحد الممثلين أن "القذافي خرج من القادوس بحال الجرد". لم أكن أعرف أن الحقارة قد تصل بالشخص إلى درجة تزوير التاريخ من أجل أهداف ذاتية تافهة ووضيعة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ذكرى وفاة الشاعر أمل دنقل.. محطات فى حياة -أمير شعراء الرفض-


.. محمد محمود: فيلم «بنقدر ظروفك» له رسالة للمجتمع.. وأحمد الفي




.. الممثلة كايت بلانشيت تظهر بفستان يحمل ألوان العلم الفلسطيني


.. فريق الرئيس الأميركي السابق الانتخابي يعلن مقاضاة صناع فيلم




.. الممثلة الأسترالية كايت بلانشيت تظهر بفستان يتزين بألوان الع