الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنا أنتخب..إذا أنا موجود

نجيب المدفعي

2005 / 1 / 20
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


من (الفعاليات) التي تقوم بها العشائر (القبائل) العراقية، مغتنمتا المناسبات الاجتماعية و الدينية لتقديمها، ما يـُعرف بـ(العَـرَاضه). و لأداء العراضة يتم تجميع أكبر عدد من رجال العشيرة مع التركيز على المسلحين منهم، و يقوم هؤلاء بترديد (الهوسات) الأهازيج التي تتغنى بعشيرتهم و برؤسائها (شيوخها)، و تـُنشر (البيارغ) البيارق و يُـلوّح بها. و البيرغ هو راية للعشيرة يـُبالـَغ في حجمها قدر المستطاع، و لزيادة وقعها في النفوس يـُوضع في قمة ساريتها ما يشبه الجرس يـُصدر صوتا مجلجلا عند هزها من قبل حاملها.

و العراضة هي استعراض لقوة العشيرة من خلال عدد رجالها و ما تمتلكه من سلاح، الذي يتم إطلاقه في الهواء لردع من يفكر في الاعتداء على هذه العشيرة أو أحد من أفرادها، و لإظهار مدى قوة العشيرة و سطوتها و تأثيرها في محيطها.

و ما جرى و يجري في العراق منذ التاسع من نيسان 2003 لا يكاد يختلف في منطلقاته عن العراضة. فتدني الثقافة السياسية لدى قطاعات واسعة من النخب الاجتماعية و الدينية و العشائرية، لا بل حتى تلك التي تدّعي إنها سياسية، يجعلها تلجأ إلى وسائل لا تمت للعمل السياسي و تـُسخّرها لغرض التأثير على الجمهور.

ففكرة العراضة (و القدرة على الإيذاء) طـُورت إلى أحداث مثل التي جرت في النجف و الفلوجة، و مثل أعمال التخريب التي ما زالت تجري. ففي مجتمعاتنا الشرقية لا يمكن أن تـُلفت مجموعة ما الأنظار إليها على طريقة حزب الخضر في ألمانيا مثلا. فالعمل السياسي في مجتمعنا يقوم على مبدأ (أنا أؤذي..إذا أنا موجود..و أحكم)، بعكس مجتمعات أكثر تطورا في الثقافة السياسية حيث المبدأ هو (أنا أخـدم..إذا أنا موجود..و ـ قـد ـ أحكم).

و ضعف ثقافتنا السياسية هو ما يقود إلى عدم القدرة على إجتراح أفكار جديدة تـُسخّر ما هو متاح من آليات حضارية سلمية لتحقيق أهدافنا. إن الطروحات التي تقدمها الأطراف المناهضة للانتخابات قد عفا عليها الزمن. فعلى سبيل المثال لم يتمكن المناهضون لإجراء الأنتخابات من تسخير آلية الأنتخابات لتحقيق أهدافهم بشكل سلمي.

فمن الأفكار التي تطرأ على البال، دعوة كل المناهضين للعملية الأنتخابية ـ ممن حسُـنت نواياهم ـ للمشاركة في الأنتخابات و بكثافة، و أن يضعوا أوراق التصويت بيضاء في صناديق الانتخاب، أي عدم إعطاء أصواتهم لأي كيان سياسي. ما سينتج عن ذلك متعدد الجوانب و يوجه العديد من الرسائل، منها:

1) إن مناهضي إجراء الأنتخابات في العراق ـ مهما كانت أسبابهم ـ هم ليسوا ضد فكرة الأنتخابات بحد ذاتها كأسلوب متحضر و إنهم ضد كل أشكال العنف. و هذه رسالة ذات بـُعد سياسي مهم.
2) إن زيادة عدد المشاركين في الأنتخابات بأوراق تصويت بيضاء سيؤدي إلى زيادة العدد المطلوب من الأصوات لحصول أي كيان سياسي على أحد كراسي المجلس الوطني.

و لتقريب الصورة، تـُقدِّر التوقعات إن عدد الذين يمكنهم الإدلاء بأصواتهم من العراقيين بما يناهز الأربعة عشر مليونا. و بافتراض أن المشاركين من محافظات الأنبار، صلاح الدين، نينوى، و ديالى يشكلون نصف هذا العدد نصل إلى ما يلي:

بافتراض أن جميع الأربعة عشر مليونا شاركوا في التصويت، عندها يكون عدد الأصوات اللازمة للحصول على كرسي في المجلس الوطني يساوي تقريبا خمسين ألف صوت. أي إن المشاركين ـ ممن يناهضون الأنتخابات ـ من المحافظات أعلاه يمكنهم حجب الأصوات عن:

سبعة ملايين مقسومة على خمسين ألف يكون الناتج (140) مقعدا من مقاعد المجلس الوطني.

و هي ـ في رأيي ـ صيغة متطورة لعراضة حضارية تؤكد صحة ما ينادي به مناهضو الأنتخابات بأنهم يشكلون الثقل الأساسي ـ حسب ادعائهم ـ في العراق. و هو يكسبهم شرعية أكبر في طروحاتهم السياسية، كونهم حصدوا أصواتا ـ بالبطاقات البيضاء ـ عن طريق آلية مقبولة من قبل بقية أطراف العملية السياسية.

و ليكن شعارنا جميعا، شعارا حضاريا يقول (أنا أنتخب..إذا أنا موجود) و ليكن الاحتكام لصوت الشعب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جيك سوليفان: -قرار تجميد شحنة الأسلحة، لا يعني أننا سنتخلى ع


.. اتساع رقعة العمليات العسكرية في غزة رغم الدعوات الدولية لوقف




.. معارك ضارية في الفاشر والجيش يشن قصفا جويا على مواقع في الخر


.. -منذ شهور وأنا أبحث عن أخي-.. وسيم سالم من غزة يروي قصة بحثه




.. بلينكن: إذا قررت إسرائيل الذهاب لعملية واسعة في رفح فلن نكون