الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سورية: لو انتصر الجلاد!

عصام الخفاجي

2012 / 3 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


تراجعت أخبار التظاهرات التي كانت تشهدها المدن والبلدات السورية يومياً منذ اندلاع ثورتها. لم نعد نسمع غير أخبار أكثر دموية لا تتعلق بقمع المتظاهرين ومقتل أو إصابة بعضهم، بل صار المشهد أكثر بشاعة وإثارة للقلق على مصير الثورة: قصف عنيف لمدن وأحياء بل تدمير بعضها بالكامل، يليه إعلان النظام «تحرير» سكان تلك المناطق من «الإرهابيين» وإعادة النظام إليها. وليس من باب المصادفة أن المحافظات التي تم احتلالها حتى الآن محاذية لدول الجوار: درعا وحمص وإدلب وقد جاء دور دير الزور الآن.

في المقابل، تطغى أخبار عشرات ألوف اللاجئين العابرين للحدود فضلاً عن الهاربين من محافظاتهم إلى أخرى داخل سورية نفسها. هكذا حولت السلطة السورية ما بدأ ثورة شعبية سلمية إلى حرب حقيقية يخوضها جيشها في مواجهة جماهير عزلاء تسندها قوى مسلحة تبحث يائسة عن مصادر تسليح وتمويل تمكنها من خوض حرب عصابات مشكوك في نتائجها وتتطلب، إن حافظت على استمراريتها، زمناً طويلاً حتى تحقق بعضاً من أهدافها في إركاع النظام وإجبار المتحكمين به على التنحي عن سدة الحكم.

يبدأ مقال نشرته «الواشنطن بوست» قبل أيام برسم صورة قاتمة. «يوماً بعد يوم، يتابع الجيش السوري الحر عملياته القتالية ضد النظام، ولكن يوماً بعد آخر، تشح ذخيرتنا فنضطر إلى ترك مواقعنا»، يقول جندي لجأ إلى تركيا مع خمسة من رفاقه بعد أن استنفدوا ما لديهم من رصاص.

تتبادر إلى الذهن فوراً الحالة الثورية الليبية: نظام حافظ على درجة من الاستقرار عبر القمع الشرس وإغداق المنافع على أنصاره بالطبع، لكنّه جيّش حشداً من المضللين بادّعاءاته العقائدية كذلك، ما دفع الثورة السلمية المنطلقة من بنغازي إلى رفع السلاح ومواجهة ماكنة عسكرية وحشية تعلل التدمير بمواجهة عملاء الاستعمار والقاعدة.

لكن ثمة مثالاً أكثر إيلاماً ترددت في طرحه خوفاً من أن يثير التباساً يوحي بأني أشير إلى حتمية ما، هو عراق 1991، فيما أدعو إلى استحضاره وسيلة لاستخلاص الدروس.

في ذلك العام الكئيب تعرض النظام البعثي إلى أكبر هزائمه وذهب ممثلوه صاغرين ليوقعوا وثيقة استسلام في خيمة صفوان الشهيرة. تتالت الأحداث العاصفة المعروفة لمراقبي الشأن العراقي واندلعت ثورة عفوية أفرغ فيها الشعب كل مظالمه المختزنة طوال أكثر من عقدين وحرر أربع عشرة من ثماني عشرة محافظة خلال أقل من شهر. ودخلت إيران على خط الثـورة داعمة قـوات بـدر المؤتمرة بـأمرها. وبرغم ذلك لم تستطع الأخيرة التمدد إلى أبعد من البصرة.

أما الغرب، وقوات التحالف التي خاضت الحرب لتحرير الكويت فكان دورها مشيناً. كانت تحتل سدس أراضي العراق، لكن اتفاقية الاستسلام سمحت للنظام المهزوم باستخدام أكثر الأسلحة فتكاً في مواجهة الانتفاضات الداخلية وهي طائرات الهيلكوبتر.

انهارت الثورة وغرق الشعب، لا الثوار وحدهم، بالدماء ونزح عشرات الألوف لاجئين إلى إيران والعربية السعودية. ولأن مفردة «إرهابي» لم تكن قد دخلت بعد في قاموس التهم العقائدية، اختار إعلام صدام حسين تسمية الثورة «صفحة الغدر والخيانة».

درس أول: لم تصل الثورة إلى المركز العصبي للنظام، أي العاصمة، بحكم القبضة الحديدية التي أحاطها بها ولأن العاصمة كانت مقطّعة الأوصال بعد أن تمزقت وسائل الاتصال والنقل بين مناطقها الشاسعة بفضل الحرب التي دمّرت تلك الوسائل.

ودرس ثان: إن الثورة لم تنجح، برغم كل التطمينات التي قدمتها في كسب العرب السنّة، وبعض المساهمين فيها يرفعون شعارات استفزازية مثل «نريد حاكم جعفري».

ودرس ثالث: إن المعارضة تظاهرت بالحفاظ على وحدتها، لكن ثمة فرقاً شاسعاً بين التظاهر وبين الواقع الذي يدركه الناس بالغريزة. لا أزال أذكر الصورة الفوتوغرافية الملتقطة لثلاثة وجوه باسمة في مؤتمر بيروت للمعارضة حين كانت الثورة في أوجها. كان «مام» جلال الطالباني يتوسط السيدين باقر الحكيم إلى يمينه وعزيز محمد سكرتير الحزب الشيوعي إلى يساره: معارضة تضم الأكراد والدينيين والعلمانيين بوصفهم القوى الرئيسة فيها. واستباقاً لأي استنتاج متسرع، لم يكن ميلان ميزان القوى لمصلحة الدينيين الشيعة محسوماً بعد لأن أي قوة سياسية لم تستطع الادعاء بأنها لعبت دوراً قيادياً في الثورة العفوية بما فيها الأكراد. وأذكر أنني سألت الصديق فلك الدين كاكائي القيادي في الحزب الديموقراطي الكردستاني آنذاك، وكنا معاً في مؤتمر بيروت، عن سبب إحجام الحزبين الكرديين عن قيادة الانتفاضة ففسّر لي الأمر بخوفهما من أن يتحملا أمام شعبهما مسؤولية التسبب في قصف جديد لكردستان بالأسلحة الكيماوية. ومع ذلك سرعان ما تحولت تلك الصورة إلى كاريكاتير.

هنا يصبّ درس رابع، هو الأهم في رأيي، من حيث علاقته المباشرة بمجريات الثورة السورية: دور العالم في إحباط أو دعم الثورة.

اتخذت دول العالم العربي موقفاً شديد العداء من الانتفاضة مفترضة أن الأخيرة ستحيل العراق إلى بلد تابع لإيران في حال انتصر الشعب على نظام كانوا يريدون إزاحته، ولكن عبر انقلاب عسكري لا يقلب موازين القوى جذرياً. واحتدم صراع داخل الإدارة الأميركية حول الموقف مما يجرى انتصر فيه الرأي المساند لرأي دول الجوار على أساس أن عدواً تعرفه خير من صديق لا تعرفه.

ودفع العراقيون ثمناً باهظاً لم يتمثل في تحمّل ثلاث عشرة سنة أخرى من جوع الحصار ووحشية النظام فحسب، بل في النتائج التي حصدوا إثر سقوط صدام حسين. انتقل جل المعارضة التي أرادت، وكان بوسعها، البقاء فاعلة، إلى إيران. وما كان للعلمانيين بالطبع القيام بذلك. وتزايد دورها حتى كاد يمحو الأخيرين ويغدو تعبير المعارضة مرادفاً لحركة الإسلام الشيعي.

وسقط صدام فاندفعت قوى الإسلام السياسي الشيعي إلى ساحة فرغت من غيرها، ومعها اندفع نفوذ من آزروها وقدموا الدعم لها طوال السنوات السابقة وحصد العرب وأميركا الثمن المر. لم يطلب ثوار 1991 من الآخرين القتال بالنيابة عنهم، ولا طالبوا بتحويل العراق إلى ساحة يتصارعون فيها على النفوذ مع إيران.

كان المطلوب أن تسمح لهم قوات التحالف بالاستيلاء على أسلحة غنموها من أجهزة النظام عوض تدميرها لئلا تسقط في أيديهم، وكان مطلوباً بالدرجة الأولى إرسال رسالة واضحة للنظام بأن سحق المدنيين واحتلال المدن بعد تدميرها سيجابه بردع عسكري سريع. لكن الخوف من نفوذ إيراني كان محدوداً حينذاك، أدى إلى تحول البلد مرتعاً للأخيرة بعد 2003.

سيقال إن الفيتو الروسي والصيني يعيقان رداً كهذا في حالة سورية. وهو قول محق. وسيقال إن تدخلاً كهذا سيزعزع الاستقرار في المنطقة، وهو قول غير محق لأن استقرار المنطقة تزعزع منذ الآن. لكن بوسع الناتو، وتركيا المجاورة لسورية والمساندة للثورة عضو فيه، أن توجه إنذاراً كهذا قد يدفع روسيا إلى أخذ الأمر بعين الجد. لن تنتصر سورية من غير دعم كهذا قد يتطلب توجيه ضربات موجعة إلى المراكز العصبية لنظام يعوّل العالم فيه عبثاً على العزّل وحدهم لإسقاطه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الى فهمي القيسي
سعد الماجدي ( 2012 / 3 / 31 - 19:33 )
اخي فهمي كان كل يوم عمل مع الاميركان وبرنامج اعمار العراق الوهمي يتقاضون عنه الف دولار اي بمعدل ثلاثون دولار شهريا فضلا عن العقود من الباطن والتحكم بمنح المشاريع لجهات محددة مقابل كومشن او مشاركة من الباطن ناهيك عن اموال العراق التي وضعها صديقهم السابق صدام في القصور التي نهبوها ونهبوا كل محتوياتها الثمينة


2 - بعدالضربة الشعب السوري سيعيش بنبات وتبات
ماهر ابو الوفاء ( 2012 / 3 / 31 - 20:58 )
والله صدقت اذ بعد الضربة العسكرية المقترحة من حضرتك يافندم فان الشعب السوري سيعيش بنبات وتبات ويخلف صبيان وبنات زي العراق


3 - تحية للدكتور عصام الخفاجي-1
اسماعيل الجبوري ( 2012 / 3 / 31 - 21:43 )
في اليوم الاول من انتماء الشخص في مدرسة الاجرام البعثي يتحول الى سفاح وقاتل وسادي.فالبعثين هم ورثة النازية والفاشية التي صدرتها لنا المخابرات الغربية لقطع الطريق امام القوى الديمقراطية واليسارية وادوا دورهم القذر في تخريب سوريا والعراق.لايمكن مقارنة انظمة البعث مع الانظمة العربية الاخرى فلولا التدخل الدولي في العراق من المستحيل اسقاط المقبور صدام ونظامه البعثي.لان صدام قالها لم اخرج من السلطة الاباحراق العراق واليوم يعاد نفس السيناريو في سوريا ونشاهد قوات الاحتلال البعثي كيف تقوم بتهديم المدن وحرب ابادة تشبه حروب النازية في اوربا .فالبعثين في سوريا لن يتزحزحون عن السلطة الا بالقوة المسلحة وكما يقول المثل لايفل الحيد الا الحديد فاما بدعم الجيش السوري الحر بالسلاح والمال والخبراء وتوفير حماية جوية لمنطقة عازلة او بالتدخل العسكري كما جرى بتحرير العراق وليبيا والا فهؤلاء البعثين السفلة سيبيدون كل الشعب السوري.


4 - تحية للدكتور عصام الخفاجي-2
اسماعيل الجبوري ( 2012 / 3 / 31 - 21:57 )
اجدد التحية للمناضل والكاتب والاكاديمي عصام الخفاجي اما هذولة خفافيش الظلام الصدامية والهاربة في سوريا من امثال القيسي فلن تنفعكم هذه التلفيقات ضد شخص له تاريخ نضالي مشرف كالدكتور عصام الخفاجي في حين تبقى صفحتكم سوداء وتبقى لعنة الشعب العراقي والسوري تطاردكم اينما هربتم. شعب سوريا البطل مصمم على اقتلاع البعث من ارضه كما تم اقتلاعه من ارض الرافدين.فالسؤال اين الهروب؟؟تحية للشعب السوري الشقيق والنصر قادم لامحال لتنظيف سوريا من سرطان وجراثيم البعث

اخر الافلام

.. تفاصيل قانون الجنسية الجديد في ألمانيا| الأخبار


.. صحيفة العرب: -المغرب، المسعف الصامت الذي يتحرك لمساعدة غزة ب




.. المغرب.. هل يمكن التنزه دون إشعال النار لطهو الطعام؟ • فرانس


.. ما طبيعة الأجسام الطائرة المجهولة التي تم رصدها في أجواء الي




.. فرنسا: مزدوجو جنسية يشغلون مناصب عليا في الدولة يردون على با