الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تذكير للمحتجين ضد الخمور في المغرب

محمد الرازقي

2012 / 3 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


كثرت الوقفات مؤخرا ضدا على الرخص التي تمنح لحانات الخمور او المطاعم التي تقدمها في خدماتها، بدعوى احترام هوية المغاربة، وبدعوى موقف الدين من هذه المشروبات الروحية، ليطالبوا بذلك السلطات للتدخل من اجل القضاء على هذه المشروبات وحضرها، وكأنها شئ استجد في تاريخ المسلمين، أو لم يعرفه قط إلا هذا العصر، لكن عند عودتك لأيام مجد المسلمين، سترى أن العكس كان يحدث، وقد يثير هذا الأمر تعجب البعض، لكن وقائع التاريخ لا تأتي حسب رغباتنا، أو كما نريدها أن تكون، واليك بعض منها.
فهذا يزيد بن عبد الملك احد خلفاء بني أمية، والذي جاء في أعقاب عمر بن عبد العزيز الذي ملأ الأرض عدلا طوال عامين، فإذا بيزيد عاشق حبابة وسلامة، يأتي بعده لكي يملأها مغاني وشراب ومجونا وخلاعة ، وقصصه في العشق كثيرة،كما جاء في كتاب تاريخ الخلفاء، فعل هذا أميرا للمؤمنين، وخادم الحرمين، والملتزم بأحكام القرآن، وبسنة نبي الرحمان، ولقد عاصر يزيد أئمة كبارا، وفقهاء عظاما، من أمثال الحسن البصري وواصل بن عطاء وغيرهم، الذين كانوا يوصلون بالعطايا، ويتكلمون بالموعظة، فيستمع لهم خليفة المسلمين، بقلب خاشع، وعين دامعة.
ويزيد لم يكن فلتة في هذا، فقد روي عن الخليفة المتوكل-العباسي- أنه كان منهمكا في اللذات والشراب، وكان له أربعة آلاف سرية، ووطئ الجميع.
وهذا الوليد بن يزيد، الذي أوصى له يزيد بعد أخيه هشام بالخلافة، رغم ما كان يسمعه ويأتيه، من أخبار فسق الوليد ومجونه، لكن الذهبي يقول عنه:" لم يصح عن الوليد كفر ولا زندقة، بل اشتهر بالخمر والتلوط"، كم حدثنا السيوطي في كتابه، فالواضح أن شهوة الغناء والشراب غلبت على عصره من الخاصة والعامة، كما يذكر المسعودي، وهم الحكام هم الذين فتحو الثغور، وعمرو البلدان،وكانت لحكمهم هيبة.
كما لا يخفى علينا أن الشعر والأدب فن العمارة والغناء ومذاهب الفقه واجتهادات الفقهاء، بدأت بالظهور بعد أن انحسرت قيود الدولة الدينية، مع نهاية الدولة الأموية، وفي العصر العباسي الأول، امتلأت عاصمة الخلافة بالحانات، وانتشر شرب الخمور والغناء في مجالس الرعية، ووجدوا مخرجا بفتوى أبي حنيفة بإباحة الشراب، وفتوى فقهاء الحجاز بإباحة الغناء، كما لخص مذهبهم شاعر قائلا: رأيه في السماع وأي حجاز وفي الشراب رأي أهل العراق.
ورأي أبو حنيفة في الخمر معروف، بل وأهل العراق،فقد كان أهل ذاك الزمان أكثر تسامحا، ربما لان الحياة كانت معطاءة، وكان اتساع أبواب الاجتهاد احد عطاياها.
ونعثر على بيت هو الآخر يفيد ما نحن بصدد الحديث عنه، وهو بيت لأبي نواس يقول فيه أبو نواس "ألا فاسقني خمرا وقل لي هي الخمر.. ولا تسقني سرا إذا أمكن الجهر" فأبو نواس من خلال قوله هذا حسب النقاد، لم يكن يجهل معنى شرب الخمر المباشر، خصوصا في مجتمع مسلم كالذي عاش فيه.
ماذا نقرأ في كل هذا؟
نستنتج ان المجتمع حينما يكون في أوج ازدهاره، فانه يكون أكثر إقبالا على الحياة، وأكثر تسامحا، يميل إلى التيسير لا إلى التشديد والغلو، وهذا هو حال المسلمين، لما ازدهرت مدينتهم، وسيطروا على الأمم الأخرى وأخضعوها، واستقر الملك، وانتشر الإسلام، نجدهم قد اقبلوا على الحياة، بكل ملذاتها، ومحاسنها، فان وجد ما يمنع، أولوه ولينوه، وان وجد ما يدعم حياتهم ويتماشى مع عصرهم، عضدوه وطوروه.
لكن عندما انكسرت شوكتهم، وتخلفوا في الركب، وأصبحوا خارج التاريخ، رجعوا إلى التضييق، والى تغليب المنع على الرخصة، وتناس وان الإسلام بالمقاصد، وان جوهره اليسر لا العسر، وان توافر الاختيار بين اجتهادات العلماء يجب ان يكون لمن يرفع الحرج، ويخف الوطء على الناس لا على من يقحم الناس فيما لا يستطيعون، وفيما لا يطيقون.
واليك قصة الخليفة المهتدي بالله الذي أراد ان يحذو حذو عمر بن عبد العزيز، فزهد في الدنيا، ونهى عن المنكر، وأمر بالمعروف، قرب العلماء، ورفع منازل الفقهاء....الخ، فثقلت وطأته على العامة والخاصة بحمله إياهم على الطريقة الواضحة فاستطالوا خلافته، وسئموا أيامه وعملوا الحيلة حتى قتلوه، ولما قبضوه عليه قالوا له أتريد أن تحمل الناس على سيرة لم يعرفوها.
قتلوه بعد اقل من أحد عشر شهرا من خلافته ،ويقال أن القتلة شربوا من دمه حتى رووا منه، كل هذا يبين لنا كيف أن الناس لا تستحمل التضييق، ولا الغلو في الدين، وان الفاعل اما جاهل بأحوال الناس أو معاند، وان الثمن يكون غاليا لا محالة
إذن فلا حاجة لان نكرر أخطائنا، ولنوسع على أنفسنا، فمن أراد لنفسه شرابا فلا يسعنا إلا أن ندعو له بالصحة والهناء، ومن رفضه فلا يسعنا هو الآخر إلا أن نفعل إزاءه المثل، مادام الإنسان راشدا، يتحمل مسؤولية أفعاله، ويؤدي ضرائبه وما عليه في الوطن مثله مثل باقي المواطنين.
ومادامت قصص الخلفاء وهم لاشك اعرف بكتاب الله وسنة رسوله من هاؤلاء المحتجين اليوم، كيف لا وهم من كان يحمل لواء الجهاد، لإعلاء كلمة الله، فان كان هذا لا يمنعهم من الشراب ولا من التمتع بالحياة، فكيف يفعل بعض المتأسلمين اليوم وهم في قرن غير القرون التي فضلها الرسول، لذلك فالمسلمين مجدوا الحياة في عز انتصاراتهم ومجدهم، وانصرفوا عنها لما دخلوا عصر الظلام والانحطاط ليبدأوا في التنظير للموت ولكل ما يعاكس التمتع بالحياة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. علماء يضعون كاميرات على أسماك قرش النمر في جزر البهاما.. شاه


.. حماس تعلن عودة وفدها إلى القاهرة لاستكمال مباحثات التهدئة بـ




.. مكتب نتنياهو يصيغ خطة بشأن مستقبل غزة بعد الحرب


.. رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي: الجيش يخوض حربا طويلة وهو عازم




.. مقتل 48 شخصاً على الأقل في انهيار أرضي بطريق سريع في الصين