الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انتصاران عربيان للديمقراطية والسلام والتنمية

جورج كتن

2005 / 1 / 20
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


شيء ما تغير في الأيام الأولى من العام الجديد، فقد القي حجران في مستنقع الركود والتخلف الذي يلف البلدان العربية، وللصدفة العجيبة في نفس اليوم 9/1: ظهور نتائج الانتخابات الفلسطينية، والتوقيع النهائي على اتفاقية السلام السودانية. الحدثان برأينا انتصاران للديمقراطية والسلام وبالتالي للتنمية، سيكون لهما تأثيراً يتخطى فلسطين والسودان.
1- الحدث الأول انتصار للديمقراطية الفلسطينية التي أعيد إحياؤها بعد موت عرفات، فالانتخابات رغم وجود الاحتلال، كانت الأكثر حرية ونزاهة بالمقارنة مع انتخابات المرشح الواحد ونتائج ال99% في دول المنطقة الاستبدادية، مع توفر اهتمام دولي لم تشهده المنطقة من قبل، بمشاركة آلاف المراقبين الدوليين، والمراقبين المحليين من ناشطي هيئات المجتمع المدني وممثلي الأحزاب، فالدور الأهم في إنجاحها مجتمع مدني فلسطيني فعال رغم المعاناة من أوضاع كارثية في المجالات الأمنية والمعيشية والثقافية والصحية والاقتصادية نتيجة للعنف المتبادل، مما جعل الغالبية تصوت لبرنامج يدعو لوقف العسكرة وتحسين شروط الحياة.
يعود فوز محمود عباس بالأغلبية لبرنامجه الواضح: الأولوية لرفع المعاناة عن الشعب وتحقيق الأمن له، وإنهاء العمل المسلح وفوضى السلاح الذي ألحق الأذى بمصالحه، وحصره في السلاح الشرعي للسلطة المنتخبة، وتطوير الحوار الفلسطيني وتحريم الاقتتال الداخلي، وإصلاح المؤسسات التشريعية والأمنية والقضائية والمالية، وإحياء الاقتصاد المتردي ومكافحة الفساد والبطالة، وإعادة إطلاق عملية السلام بالعودة لطاولة المفاوضات للتوصل لحل سلمي يقيم الدولة الفلسطينية المستقلة على أراضي 67 وعاصمتها القدس، ولحل عادل لمشكلة اللاجئين حسب قرارات الشرعية الدولية، واعتماد الكفاح الشعبي السلمي والسياسي الدولي والإقليمي لتحقيق التقدم في المفاوضات.
ألقت النتائج على الرئيس الجديد حملاً ثقيلاً، لكنه يمكن أن يمضي فيه بلا تردد أو إضاعة للفرصة السانحة، متسلحاً بشرعية غالبية فوضته تنفيذ برنامجه، ومستنداً للدعم الدولي والإقليمي المهتم بإنهاء الصراع الذي استنفذ طاقات وموارد المنطقة وبات استمراره تهديداً للأمن الإقليمي والعالمي، ومستنداً لتنظيم "فتح" الذي أثبت مرة أخرى أنه الوعاء التعددي الذي يجمع حول برامجه غالبية الشعب. علماً أن الدور الإسرائيلي لملاقاة التوجه الفلسطيني للسلام الذي أظهرته الانتخابات، هو عامل حاسم في الوصول للحل النهائي إذا لم تتسرع الحكومة الإسرائيلية الجديدة -الأقل تطرفاً بعد مشاركة حزب العمل- بردود أفعال متطرفة، وأعطت فرصة كافية للقيادة الفلسطينية، في ظل تزايد القناعات باستحالة توفير الأمن للمجتمع الإسرائيلي عن طريق الحل العسكري، وموافقة الغالبية على الانسحاب الكامل من غزة واستئناف المفاوضات حسب خريطة الطريق.
العامل الآخر في إنجاح برنامج عباس أو إفشاله، هو الأقلية المتمسكة بالعمل المسلح التي قامت بالعملية الأخيرة لنسف جو التفاؤل بالسلام الذي ساد أثناء العملية الانتخابية، والتي تلتقي مع المتطرفين الإسرائيليين كل من موقعه لإفشال عباس، وهي تخاطر بجعل نفسها خارج سيادة القانون والشرعية بعد بيان اللجنة التنفيذية للمنظمة بوقف كل عمليات المقاومة المسلحة التي تضر بالمصالح الوطنية، فمن حقها الديمقراطي الاستمرار في الدعوة للحل العسكري ولكن ليس من حقها الاستمرار في ممارسته، لتعارض ذلك مع رأي أغلبية الشعب الفلسطيني التي صوتت للحلول السلمية. فالأقلية بعد أن فاتتها الانتخابات الرئاسية لتفضيلها مقاطعتها، يمكنها المشاركة في الانتخابات التشريعية القادمة التي يمكن أن تظهر مدى التأييد الذي تحظى به. علماً بأن عودة الأقليات الفصائلية للدعوة لتشكيل قيادة وطنية موحدة حسب الحصص والكوتا، كمرجعية للعمل السياسي الفلسطيني، أمر تجاوزته المرحلة، فالمرجعية هي القيادة المنتخبة والمجلس التشريعي القادم، الذي سيقر أو يرفض أي اتفاق جديد تعقده السلطة الفلسطينية.

2- الانتصار الثاني للسلام والديمقراطية والتنمية المتوازنة، هو توقيع اتفاق السلام السوداني الذي أنهى أطول حرب أهلية إفريقية اندلعت في العام 1983إثر فرض تطبيق الشريعة الإسلامية في البلاد، وذهب ضحيتها ما يزيد عن مليون قتيل وملايين النازحين واللاجئين. نظم الاتفاق إنهاء الصراع المسلح وترتيبات أمنية وعسكرية لمرحلة انتقالية من 6 سنوات، وتشكيل جيش مشترك إلى جانب الجيش الاتحادي وجيش الجنوب، وإعادة توزيع السلطة والثروة بين المركز –العاصمة والشمال والوسط- الذي يحظى بكل شيء تقريباً، والإطراف المهمشة –الجنوب والنيل الأزرق والغرب والشرق-، في المجالس والوزارات الانتقالية والوظائف التي ستوزع حسب نسب محددة بين الحزب الحاكم والحركة الشعبية الجنوبية والمعارضة الشمالية والجنوبية غير المشاركة في الاتفاق، إلى أن تجري انتخابات برلمانية ورئاسية بعد ثلاث سنوات بناءً على دستور جديد.
كما أقر الاتفاق حكماً ذاتياً للجنوب ومشاركة في الحكم المركزي وموارد تصل إلى 50% من عوائد النفط المنتج في الجنوب. وحدد الإجراءات التي تعيد الحياة الديمقراطية للبلاد، بإلغاء قانون الطوارئ المفروض منذ العام1999، والقوانين الاستثنائية والإفراج عن المعتقلين وإطلاق الحريات العامة للمواطنين والأحزاب. كما أقر التعدد القومي والثقافي والديني والحق في اختيار لغة التعامل، مع تثبيت اللغة العربية والإنكليزية كلغات رسمية، في بلد يضم مئات الجماعات الإثنية ويتحدث سكانه عشرات اللغات ويدينون بالإسلام والمسيحية والأرواحية وأديان افريقية أخرى، مع قصر عمل أحكام الشريعة والمصارف الإسلامية ووزارة الشؤون الدينية في الشمال فقط. كما أقر الاتفاق إجراء استفتاء للجنوبيين في نهاية المرحلة الانتقالية، حول الاستمرار في الوحدة أم الانفصال. ونظن أنه لا خشية على وحدة البلاد في الاستفتاء القادم، إذا جرى تطبيق فعلي للاتفاق في ظل وحدة طوعية فيدرالية ديمقراطية، وعدالة ومساواة في المواطنة، وإذا استبدل التشريع الديني لجزء من البلاد الذي يسهل الانفصال، بتشريع علماني شامل يمنع تفككها.
ساهم في إنجاح الاتفاق ثلاثة أطراف، على رأسها الشعب السوداني والمعارضة الديمقراطية في الشمال والجنوب، التي أعاق نضالها السياسي والمسلح انفراد النظام الإسلامي الاستبدادي بالسلطة. فالنظام كطرف ثاني، يتصرف الآن بناء على قناعة بأن التغيير الديمقراطي والسلام لا يمكن تجنبهما، بعد انهيار برنامجه "الجهادي" لفرض التعريب والأسلمة بالقوة في الجنوب والغرب، وفشل استغلال الدين في السياسة لفرض أحكام الشريعة المتناقضة مع العصر ومع التعدد القومي والديني، وتضعضع الحكم المركزي الشمولي المنحاز لقومية ودين وثقافة ومنطقة جغرافية محددة، ونهاية تلطي أي نظام استبدادي وراء "السيادة" و"الوطنية" للتهرب من المراقبة الدولية لإجراءاته تجاه مواطنيه.
الطرف الثالث ذو الدور الهام في التوصل للاتفاق هو القوة الدولية والإقليمية، "الخارج" كما يطلق عليه، مجلس الأمن وأميركا والاتحاد الأوربي والاتحاد الإفريقي ودول الإيغاد، التي شجعت وساعدت وضغطت على أطراف الصراع لتوقيع الاتفاق مع وعود بتقديم مساعدات لإعادة الإعمار، ووعود بنشر قوة دولية لتنفيذ الاتفاق، ومراقبة الانتخابات والاستفتاء القادمين.
المعارضة الشمالية رحبت بالتوقيع وطالبت بتحويل الاتفاق الثنائي إلى اتفاق سلام شامل ينهي الحروب الأهلية في الغرب –دارفور- والشرق، واعترضت على النسبة المقررة لها في المجالس الانتقالية، إلا أن ذلك يمكن تداركه في الانتخابات القادمة إذا جرى التقيد بتوفير الحريات، فالتوقيع لا يعني أن التنفيذ سيجري بشكل سليم. وهناك تطورات إيجابية وخاصة اتفاق المصالحة الأخير، بين الحكومة والقسم الأكبر من المعارضة الشمالية المتمثل في "التجمع الوطني الديمقراطي"، الموقع في القاهرة والذي تضمن التوافق على إطلاق الحريات ومشاركة التجمع في المؤسسات الانتقالية وعودة قياداته من المنفى...
إن توقيع اتفاقية السلام إنجاز كبير يبين مدى الترابط بين الوسائل السلمية لحل الصراعات والديمقراطية والعلمانية والاعتراف بحقوق الأقليات القومية والتنمية المتوازنة، التي تساهم جميعها في إنهاء آخر أشكال الأنظمة الشمولية. كما يبرز دور الأطراف التي تضافرت جهودها لتحقيق الاتفاق: المعارضة والنظام والقوى الخارجية، وهي سمة مرجحة في التغيير، يمكن تكرراها في بلدان شمولية أخرى.

الانتصار الفلسطيني للديمقراطية يمكن أن يؤدي للسلام والتنمية، والانتصار السوداني للسلام يمكن أن يؤدي للديمقراطية والتنمية، والاثنان يعززان الأمل بانتصار ثالث ربما في الانتخابات العراقية القادمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طائرة إيرانية تفشل في الهبوط في مطار بيروت بعد مقتل نصر الله


.. كيف يتلقى أطفال غزة التعليم في مصر؟




.. مقتل زعيم حزب الله حسن نصر الله : بطولات و انتكاسات و مصير م


.. من هو حسن نصر الله ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. اغتيال نصر الله: نحو مشهد إقليمي جديد؟ • فرانس 24 / FRANCE 2