الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدكتور زهير غزاوي في ...

رياض خليل

2012 / 4 / 1
الادب والفن


الدكتور زهير غزاوي في :
الشاعر رياض خليل : الكلمة المحرّضة في سبيل القيم المطلقة للعدالة

لست أدري لم بدت لي هذه المجموعة .. تتسم بالغرابة .. وأنا أمضي في قراءة قصائدها . لقد ذكرتني بشعراء الستينات ، والنهوض القومي العربي ، وذاك الكم من التحريض على الثورة ضد الطغيان ، وإحقاق الحق والعدل . وقي تلك القصائد يكتب الشاعر بذوب قلبه ، وصدق مشاعره ، محتفظا بنكهة الشعر والصورة الشعرية ووحدة القصيدة التي توصف الشعر الحديث .
السمة الرئيسية للشعر في المجموعة الثانية للزميل رياض ، هي التحريض على الثورة ، والسخرية مما هو قائم في الواقع العربي . وأعترف أنني لم أعتد على قراءة شعر كهذا منذ زمن طويل ، إنه يذكرنا بالشباب الذي مضى .
في قصيدته : " عرس الرماد" ص89 ( زحمة وخواء / وشوارع ملأى بأصبغة / وعواء / وعبيد يسوسهم اللقطاء / ودم يتغيب تحت النعال / راسما فوق أرصفة الذل وشم الكرامة / وقرارا من القلب يعلنه / خطوة وقيامة / شارة وعلامة / يقتفي وهجها الشرفاء / آه .. يامدنا .. / بالتنكر والزيف محشوة / تلفظ الأهل .. تحتضن الغرباء ...) .
يتمسك الشاعر بغنائيته في كل قصائده ، بالتفعيلة .. والقافية . يحس القارئ أحيانا أنه يكتب رباعيات موزونة أحيانا ، وفي أحيان أخرى يظل أمينا على الحداثة ، لكنه لاينزلق أبدا إلى قصيدة النثر وهو في سبيله لعرض الفكرة التي تشمل القصيدة كلها .. ويستمر في التحريض : ص92 ( آه .. يامدنا .. برجال من القش محشوة / دونك الموت لو يعتريك الحريق / فانهضي .. وانفضي عنك هذا الهشيم / وافتحي للحياة الطريق / انهضي / ..)
لكن أشد التحريض ، والسخرية المريرة .. نجدها في قصيدته : " منولوج لحاكم عربي " ص41 ، وهو عندما يستعمل كلمة نمرود في توصيفه لهذا الحاكم الطاغية ، فإنه يتكئ هنا على التراث العربي مثل كل الشعراء الذين يحاولون الهروب من المباشرة . ومع ذلك فشعره في هذه القصيدة يتسم بالمباشرة والخطابية السياسية والوجدانية ، متخيلا لحظة صدق للحاكم المستبد أمام ضميره :
( أنا نمرود .. أنا أدعى الخوف المتسلط في أفئدة الجبناء / أنا غول بلاد النهرين وذئب الصحراء/ نمردني الحمقى / وهياكل من لحم لايحوي غير الماء / سحقا .. سحقا / لدم كالماء / لحناجر لاتتقن لغة الرفض .. ولاتعرف غير الضوضاء / لعقول جوفاء .. ) ..
ويستمر الشاعر في وصف القطيع العربي المستكين كالأغنام .. غير القادر قول : لا في وجه الطغيان . هذا القطيع الذي لايستطيع حتى الدفاع عن وطنه في وجه الأعداء . هذا القطيع الذي أصبح يمارس السجود وتأليه الحاكم مهما فعل .. القطيع التائه التافه . وفي الواقع أعترف ثانية أنني لم أجد مثل هذا الكم من المرارة والهجوم على الواقع الراهن كما وجدت لدى الشاعر رياض خليل :
( تبا لرجال صنعوني .. صلوا .. عبدوني / واختاروا لي الألقاب وأنواع الأسماء الحسنى / أنا نمرود التافه / أنا دمية / نفخوا فيها الروح /كبرت كبالون .. وتورمت / وخافوا حجمي / ارتعشوا هلعا / سجدوا / عبدوني صنما / أنا نمرود الطاغوت إله الحمقى والجهلاء )
في هذه القصيدة حقيقة يتقلص الفضاء الشعري الحديث على مذبح الفكرة .. يذكرنا بقصيدة الزّهاوي الشهيرة : ( ياقوم لاتتكلموا / إن الكلام محرّم / ناموا ولا تستيقظوا / مافاز إلا النوّم .. الخ ) .
ورغم ذلك .. فإن قصيدته الجميلة : " فاصلة الشاهدة والقبر " ص71 تبدو مختلفة لجهة طغيان الحالة الشعرية والابتعاد عن المباشرة .. ولنقرأ :
( مرّة زرت قبري / وتفحّصت شاهدتي / فغضبت ../ ليس ثمة حرف ، ولارقم أو علامة / ... هذه الفكرة استخدمها شعراء وأدباء آخرون ، ولكن رياضا هنا يبدو متميزا . فهو ينسج لوحة جميلة حقا ، لإنسان في مواجهة مصيره الطاغي ، في واقع مأساوي محبط .. يلجأ إلى القبور ، يخاطبها في وهج الفجيعة .. كما اعتاد أن يفعل الرسول محمد( ص) قبل رحيله إلى الرفيق الأعلى ، عندما قال : ( ياأهل البقيع هنيئا لكم ماأنتم فيه ) .
في خضمّ كثافة الدراما التي ترسم اللوحة .. وهو هنا يرسم طريقا .. يعبر إلى الحياة من بوابة الموت .. نتلمس فكرة ليست جديدة أيضا ، ولكنه أتقن صياغتها ، وهذه ميزة رياض خليل الإبداعية . المنوال الخاص لخلق وعرض فكرة عميقة من خلال قصيدة . يقول رياض خليل :
( وعبرت إلى جثتي وعظامي / وصلت / عرفت / اكتشفت من الموت بوابة للحياة / خطواتي تسابقني .. والطريق ..وقبري ..) .
القصيدة القصة ، أو القصيدة اللوحة .. تعتبر اختبارا هاما لمقدرة الشاعر ، وكان الشعراء غالبا يمدحون لاتقانهم رسم قصة في الشعر ، كما مدحوا الشاعر الحطيئة في قصيدته الشهيرة : ( وطاوي ثلاث عاصب البطن مرمل = ببيداء لم يعرف لها ساكن رسما ) .
إبداع الشاعر هنا أيضا يتوضع في طريقة صياغته للفكرة ، مع محافظته على الغنائية الشعرية ، وفي استعراضه لتفاصيل القبر ، خاصة " الشاهدة " باعتبارها شاهدا أول . يمكن أن نقرأ للتوضيح ص77 :
( قالت الشاهدة : كنت ذاكرة / نزع المجرمون اللصوص ملامحها / سرقوها / وفما ردموه / ولسانا إلى الحلق قد ربطوه / فهلم إليّ / وفكّ وثاقي / وحلّ لساني )
في سياق استخدامه للرمز ( الشاهدة ) الذي يعني خلاصة الطريق إلى أعماق إنسان العصر ، ظل الشاعر أمينا للغنائية ، خاصة البحر العروضي ، وهو الخفيف ، ولم يقع في فخّ الحشو ، إلا عند استعماله لحرف : " قد " في جملة : قد ربطوه . بينما استمر انسياب الشعر سلسلا دون عقبات ، وهذه نقطة تسجل لصالح الشاعر . إن نجاح الغنائية دوما مشروط بانسيابها الموسيقي دون عثرات . أما الرمز بحد ذاته .. فكان جديدا رغم غرابته ، الشاهدة على القبر خلاصة الانسان حقا ، تحمل تاريخ ولادته ورفاته ، وبعض تاريخ حياته ، وأحيانا صورته . هي ملامحه الأخيرة الباقية بعيد رحيله عن هذا العالم . يشاهدها العابرون ، فيدركون مغزى البدايات والنهايات .
يوحّد شاعرنا بين الشاهدة والجثة والقبر في هذه الدراما الشعرية ، وصولا إلى غايته الأخيرة من هذا التوحيد ، وهي ربط مأزق الوجود بغاية هذا الوجود المتمثلة بالنضال من أجل القيم الكبرى للإنسان ، وخاصة الإنسان العربي ، فهو يصر على تفسير قيمة العدالة بالحق . وتفسير الحق بسيادة الناس على مصائرهم دون قمع أو استلاب أو استسلام للغاصبين والأعداء . ليقول : ص 80 :
( ثم تنبئني .. وتقصّ : الجريمة في وضح الشمس . تشرح : والمجرمون .. / الضحيّة في السجن / في القبر منسيّة / وتقصّ: الجريمة قائمة .. حية .. / والعدو .. الجناة .. وموتى بلا جدث / وتحدثني : عن حواجز تفصلنا / عن جواسيس ترصدنا / عن نهار يلوثه الليل .. )
إلى أن يقول : مختتما لوحته القصصية كما يجب أن نخمن أو يتوقع :
( سوف أخرج من غابة الإنس / من بطن مفترس / رافعا رايتي بالبراءة / وورائي جيوش المقابر .. والجثث الغاضبة / والشواهد / كي نوقف الموت في الموت / كي نطلق القبر والموت والشاهدة )
هكذا لم يأت حديثه عن الخلاص ، والبحث عن الأمل ، عن طريق الثورة مباشرة . لقد رسم الشاعر لوحته مبتعدا عن المطبات الفكرية ، وعن التناقض بين الشكل والمضمون ، بين استخدام الرمز وتوظيفه ، أو الوقوع في المباشرة والخطابية .. لهذا جاءت قصيدته فيها الكثير من الشفافية وسمات التفرّد الإبداعي الخاص بالزميل رياض خليل ، وهي ميزة تستحق التنويه .
إن بين أيدينا مجموعة شعرية تستحق القراءة ، لشاعر يشق طريقه بثقة وقوة .. نحو مايستحق من مكانة بين شعراء المقدمة في سوريا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فاكرين القصيدة دى من فيلم عسكر في المعسكر؟ سليمان عيد حكال


.. حديث السوشال | 1.6 مليون شخص.. مادونا تحيي أضخم حفل في مسيرت




.. لم أعتزل والفوازير حياتي.. -صباح العربية- يلتقي الفنانة المص


.. صباح العربية | في مصر: إيرادات خيالية في السينما خلال يوم..




.. لم أعتزل والفوازير حياتي.. -صباح العربية- يلتقي الفنانة المص