الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


استدعاء الشخصية الأدبية في -شوارد- للشاعر التونسي محمد بوحوش

مصطفى لغتيري

2012 / 4 / 2
الادب والفن


راهنت القصيدة العربية الحداثية على تعميق الرؤيا ، باعتبارها أهم ما يميز هوية القصيدة المعاصرة ، و قد اعتمد الشعراء في سبيل تحقيق ذلك على تغذية أشعارهم بالفلسفة و التصوف و الأساطير ، و غير ذلك من المجالات المعرفية و الثقافية ،التي تجعل من القصيدة الحديثة قصيدة مثقفة و عميقة و ذات أبعاد دلالية موحية و معبرة.
و من بين التقنيات التي اعتمدها الشعراء لتحقيق جزء من ذلك ، استدعاء الشخصيات الثراثية الفكرية و الأدبية و السياسية إلى قصائدهم، لتمنحها حمولة فكرية و وجدانية لا تخفى على المتلقي ، لأن الشخصيات المستدعاة غالبا ما يكون لها في الذهن و الوجدان إيحاءات دلالية و عاطفية ، تفرض على القارئ نوعا من التماهي معها، بما تمثله في وعيه و لاوعيه الفردي و الجماعي من حضور و تأثير قويين.
عند قراءتي لديوان "شوارد " للشاعر التونسي محمد بوحوش ،استوقفني ذلك الاهتمام المثير للاهتمام بالشخصيات الأدبية ، التي أثث بها الشاعر قصائده ، حتى لا تكاد قصيدة تخلو من توظيف شخصية أدبية غربية أو عربية.
في قصيدة "شوارد" التي اختارها الشاعر لتعنون ديوانه ، نجد توظيفا مكثفا لعدد من الشخصيات الأدبية من قبيل أندري بروتون و بول فاليري ، يجاورهما في نفس القصيدة الشاعرالعربي سعدي يوسف ، يقول الشاعر:
مر الليل قليلا.. و جيش اللاوعي يمر
و أنثى "بروتون" تلسعني كمسمار..
و القصيدة قطار في اتجاهين يعدو
تنفتح و تنغلق..
فانفتح و انغلق على امرأة الطيف"إلزا" و طورا "نادجا"
و مرة " أولغا " و أخرى "روزا"
كم نساء عبرن كسنين ضوئية
أما في قصيدة "زهرة الشر" التي يدل عنوانها مبااشرة على الشاعر الفرنسي شارل بودلير ، فنقرأ:
فجرا أنهض من عدمي
أتحسس أشيائي
واقفا..
كعصا موسى أضرب في الغيب
ثمة طرق..
أطل علي" بودلير" بزهرة شر
وقال هذه الزهرة لك.
و قد واصل الشاعر افتتانه بالأعلام الأددبية في قصيدة "تناص" التي يشي عنوانها بامتصاصها لنصوص سابقة لها و خاصة نصوص بول سيلان الشاعر الفرنسي من أصل روماني ، فيقول الشاعر:
قلت حسنا أسلم نفسي.
قال الشبح الكابوس
- و كان "بول سيلان"
أنا ظلك بالأمس .. فهل تنكرظلك؟
انظر تحت.. و اتبعني..
من أعلى قفز الظل ، الشبح ، الكابوس
في نهر "السين".

و يتعمق هذا التوظيف و الحضور القوي و الدال للشخصيات الأدبية في قصيدة:
جسدي جدارثابت
لكني أشعر أني في اللامكان و اللازمان
في الهيولي .. أعبر الأزمان و الأصقاع
ها أنا في "الحانة الخضراء" "بشارل روا"
أجلس حيث جلس "رومبو"
في الخامسة ذات مساء
سيتجدد حضور بودلير و بروتون اللذين يبدو أن الشاعر محمد بوحوش معجب بهما في قصيدة "جيفة بودلير" ، فيقول:
و أنا أقرأ "جيفة" بودلير
تصاعد Hبخرة في حلقي و سموم
ثملت بها و شرقت
حتى الحلق صار زقاقا يضيق.
أما في قصيدة "حكمة فتحضر شخصية ذات طابع صوفي لكنها تنتمي كذلك إلى عالم الأدب بنصوصها الصوفية الجميلة الغارق في رمزيتها ، هذه الشخصية هي الحلاج ، يقول الشاعر:
شموع حافلة بالاحتراق
و أنا ، و الليل الرقراق،
و هذي الكأس..
جالسني "الحلاج " ، و قال
أفلا تصح؟حتى يتملكني الرعب
و يأذن هذا الفجر
فأصلب..
في قصيدة "الحصار" تحضر شخصية هوميروس بشكل غير مباشر من خلال الحضور القوي للإلياذة و شخصياتها من أمثال أديسيوس ، يقول الشاعر:
ثمة في حانة الروح "أوديسيوس"
مطأطأ الرأس خائبا حزينا
ثمة جندي مهموم
يطأ عتبة هذا الليل.

يستمر هذا الاحتفاء بالشخصيات الأدبية في الديوان فاسحا لها المجال لتعميق المعنى و إعطاء الدلالة إيحاءات يسعف التأويل في الكشف عنها ، كما نجد في قصيدة "شموع كفافيس" التي يستدعي فيها الشاعر محمد بوحوش شاعرا يونانيا هو قسطنطين كافافي الذي يحمل لقب كفافيس ، فيقول في القصيدة:
شموع و راءك مطفأة
وشموع تضاء
لأجلك
تضيء أمامك
باكية...
و أنت تطيل التأمل في حفلها..
كم من شموع لحتفك.
إن قراءة قصائد الشاعر التونسي محمد بوحوش لهي بحق قراءة تتيح للذهن و الوجدان السفر في رحاب الفكر و المعرفة و الثقافة عموما ن من خلال الاستحضار القوي لشخصيات أدبية و سمت الذاكرة الجمعية بحضورها القوي و الفعال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو يوثق اعتداء مغني الراب الأميركي ديدي على صديقته في فند


.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز جسديًا على صديقته في




.. حفيد طه حسين في حوار خاص يكشف أسرار جديدة في حياة عميد الأد


.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين




.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي