الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وكلمات الثورة يسرقونها أيضاً

نوال السعداوى

2012 / 4 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


نشهد اليوم كوارث لعبة السياسة، يلعبها جميع الخيول فى الحلبة من مختلف الأطياف، لا يخجلون من الاعتراف بأنها لعبة تحكمها المصالح، لم يخجلوا من التهليل للمجلس العسكرى والمجلس الاستشارى والمجلس الإخوانى، ثم الانقلاب على أنفسهم، والاعتراف بأن العسكرى كان خدعة، والاستشارى كان خدعة، والبرلمانى والإخوانى والسلفى وعرس الديمقراطية كانت خدعة، ولجنة الدستور كانت خدعة وننتظرهم ليعلنوا (بعد فوات الأوان) أن الانتخابات الرئاسية كانت خدعة. إذا انخدع أقطاب السياسة، وفقهاء القانون، ومن يسمونهم الشخصيات العامة فماذا عن الشعب الذى لم يتعلم، أو تلقى تعليما أشد تجهيلا من الجهل؟

أحد أقطاب النظام السابق، من المتنافسين فى الانتخابات الرئاسية، الذى شارك ويشارك فى إجهاض الثورة مع المجلس العسكرى والمجالس الأخرى المولودة منه، يعلن أنه لا يسعى إلى منصب الرئيس، بل لأنه يحب مصر، ويريد إنقاذ الثورة، هذه هى السياسة كما يفهمونها، «فن الممكن» فكرة خادعة، تهبط بالسياسة إلى ما يسمى «مستنقع البراجماتية النفعية»، تسلب من الشعوب قوتهم الثورية، فالثورة تقوم على «فن المستحيل»، الثورة لا تختلف عن الجنون إلا أنها عاقلة، عقلها مبدع متمرد، يكسر قوقعة العقل الخانع المطيع.

سياسة الممكن ترضى بالمكاسب السريعة، مثل كرسى الرئاسة أو كرسى البرلمان، كرسى المجلس الاستشارى، كرسى الجمعية التأسيسية للدستور، كرسى فى الحزب، أى كرسى. يؤمنون بأن الغاية تبرر الوسيلة، لكل منهم وجهان، وجه يتملق الثورة، ووجه آخر يتفاوض «سرا» مع السلطة الحاكمة فى الماضى أو الحاضر أو المستقبل، الثورة لا تعرف هذه اللعب السياسية، الثورة هى التمسك بالمبادئ على حساب المصالح، الثورة هى تحدى السلطة الفاسدة ودفع الثمن، الثورة هى كسر المحظورات والمحرمات واختراق الخطوط الحمراء المفروضة، بقوة السلاح والتخويف والتخوين والتربية والتعليم. تحت اسم الحكمة والاتزان والاستقرار والأدب والطاعة والفضيلة استطاع الملوك والأباطرة والرؤساء أن يحكمونا بالحديد والنار، تحولنا إلى عبيد وجوار وإماء وأجراء، أصبح الإبداع جريمة، والثورة هى الشطط، والتطرف، والفوضى، والتبعية للغرب، والإباحية، وعدم احترام كبير العائلة أو رأس الدولة. أصبح رئيس الدولة هو رب العائلة، له السلطة المطلقة، يستمد قدسيته من رب السماء، يحق له قتل معارضيه، بتهمة الكفر والخيانة الوطنية.. تختلف درجة العقاب حسب قوة الأحزاب الدينية فى البلد، فى الغرب انكمشت قوة الكنيسة منذ عصر النهضة، لكن الأحزاب الدينية المسيحية واليهودية تملك الأموال والشركات والنفوذ السياسى الدينى فى كثير من البلاد حتى اليوم. تم إجهاض معظم الثورات الشعبية فى التاريخ، لم يتخلص العالم من ديكتاتورية النظم الطبقية الأبوية الدينية حتى اليوم، لم يتخلص العالم من الحروب والاستعمار الخارجى والداخلى، لا يختلف باراك أوباما عن كارتر وكلينتون وبوش إلا فى التفاصيل، كذلك لا تختلف جولدا مائير عن بن جوريون ونتنياهو، وهل يختلف الخديو والسلطان والملك عن السادات ومبارك وسرور والكتاتنى والمشير وشرف والجنزورى؟

قاد آية الله الخمينى بلاده بعد الثورة إلى الحكم الديكتاتورى الدينى، الذى لا يقل طغيانا ودموية وفسادا عن حكم الشاه الامبراطورى، الاستعمار الأوروبى الأمريكى أدرك بالخبرة دور التدين السياسى فى إجهاض الثورات الشعبية، التى تنشد العدالة والمساواة بين الناس، دون تفرقة على أساس الدين أو الجنس أو الطبقة، تعاون جورج بوش مع أسامة بن لادن و«طالبان» فى إجهاض الثورة الاشتراكية فى أفغانستان، ثم انقلب عليهم، بعد أن استغنى عنهم، فضربوه، تعاون السادات فى مصر مع التيارات الإسلامية ضد الحركات الناصرية والاشتراكية، ثم انقلب عليهم، فاغتالوه. الثورة تقوم على الشجاعة والصدق، الثوار والثائرات يخرجون بعد الثورة مقتولين، مسحولين، عرايا ممزقى الملابس، لا يفوز واحد منهم بمقعد فى أى مجلس، وإن فاز فسرعان ما يفقده بتهمة ملفقة، العمل الثورى مثل العمل الإبداعى لا يفكر فى العواقب، لهذا لم ينل مبدع أو مبدعة أى منصب أو جائزة دولة.

الثوار والثائرات ماتوا فى السجون والمنافى، شربوا السم، أو انتحروا أو تم إعدامهم أو إقصاؤهم، من سقراط إلى جاليليو إلى أبى العلاء المعرى إلى جان دارك إلى فرجينيا وولف ومى زيادة ودرية شفيق وأروى صالح، وغيرهم ثوار وثائرات يناير وفبراير ٢٠١١، اتهموا بأنهم عملاء للغرب أو خونة للوطن، تم إيداعهم السجون، نالوا التعذيب البدنى والنفسى، بعضهم يطالبون بالانسحاب من الانتخابات الرئاسية، التى يجرى طبخها وراء الأبواب المغلقة، لكن رجال السياسة المتمرسين على اللعبة، يقبلون الحلول الوسطى، وما يسمونه الأمر الواقع، يروجون لبعض المرشحين تحت اسم أنهم محسوبون على الثورة، أو تحت اسم التجربة، «قد نكسب أو على الأقل لن نخسر شيئا»، منطق المكسب والخسارة أدى إلى تقسيم قوى الثورة، وإلى كارثة الانتخابات البرلمانية، وكارثة الجمعية التأسيسية للدستور، التى يهرول للترشح لها زعماء فن الممكن والبراجماتية، كما يهرولون إلى الانتخابات الرئاسية، التى تجمع أقطاب النظام السابق وأقطاب النظام الحالى فى سلة واحدة، كلهم ينفقون الملايين من الأموال فى الدعاية الانتخابية، من أجل حبهم لمصر والخدمة العامة، وليس لخدمة مصالحهم الخاصة، كلهم حاربوا النظام السابق، وكلهم مع إنقاذ الثورة المجيدة، لا يسرقون دم الثوار فحسب بل كلماتهم الثورية أيضا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - من تسميهم (الثوار) ليسوا واحد (1)
محمد بن عبد الله ( 2012 / 4 / 3 - 13:59 )
من يقرأ هذا المقال وغيره للسادة منظّري ال(ثورات) قد يقرأه بتسرّع وسطحية فيوافق على معظم ما فيه

ما فات الأستاذة الكاتبة هو أن هؤلاء الناقمين على النظام السابق لم يتحدوا إلا لهدمه ولم يتفقوا على مبدأ عدا قلب نظام مبارك

يا سيدتي، من تسمينهم بالثوار منهم الاسلاموي المتعصب الفاشي ومنهم الناصري ومنهم المتطرف في عروبية كارهة للاسرائيل تتمنى شطبها من الخريطة ومنهم الماركسي المؤدلج..منهم الشوفيني المخبول بعنصرية تعتبر المصريين جنسا متفوقا وان مصر أم الدنيا وان شعب مصر عظيم ..منهم من يكره الغرب وأمريكا بسبب الرأسمالية ومنهم من يمقت غير المسلمين ويرى ان اليهود والنصارى لن يرضوا عنه فيمتلئ غلا وحقدا عليهم..منهم القبطي المضطهد منذ دخول الاسلام غلى مصر ومنهم من يفخر بانتمائه إلى (الأشراف)..

لن تجدي مصريا يؤمن بالاخاء الانساني بغض النظر عن الدين ولا يتمسّك بغباء ب(ثوابت الأمة) أو ب(قيمنا وتقاليدنا) الخربة...ولا يكره اليهود ويحب الأمريكيين والغربيين..أفضل المصريين سيعبر عن كرمه باعطائك الحق في عقيدتك لكنه سيشترط عليكي عدم نشرها !

يتبع


2 - من تسميهم (الثوار) ليسوا واحد (2)
محمد بن عبد الله ( 2012 / 4 / 3 - 14:19 )
تربية وتهذيب هذه الجماهير خاصة مدّعي الثقافة وقادة الرأي فيها أهم من حشدها لهدم نظام تعجز عن بناء أفضل منه

فرح ال(ثوار) بحشد ملايين في ميدان التحرير...كم من هذه الملايين كانت توافق على اتخاذنا دستورا جديدا صورة طبق الأصل لدستور دولة محترمة متقدمة كالدستور الفرنسي أو الايطالي أو الأمريكي أو السويدي ؟

هل كان هذا سيرضي الماركسيين؟ أو الناصريين؟ أو اخوان الظلام والسفليين؟ أو العنصريين الشوفينيين أنصار فرض النفوذ المصري على باقي المنطقة؟ أو حتى (شباب الثورة) كأسماء ونوّارة وغنيم ؟؟؟

دون الاتفاق على مبادئ العلمانية التامة والحرية المطلقة التي لا يحدها سوى القانون العادل المستوحى من مبادئ حقوق الانسان ولا شيء غيرها فإن قلب الانظمة يجلب الخراب وواقع مصر اليوم خير دليل...فمن من المصريين يقبل بأنه انسان قبل كل اعتبار آخر وأن لا فضل له على العرب أو على الانسانية..وان (قيمه وتقاليده وثوابته وعقيدته) قابلة للتغيير؟



ما نسبة (الثوار) الذين ساندوا علياء المهدي ودافعوا عن حقها؟ ...

كل من عداهم لا خير يرجى منهم يا سيدتي الكريمة فلا تعيشي في الأحلام وتدعي إلى أوهام لا أساس لها!


3 - منذ بداية السبعينيات وأنا أقرأ لك
أحمد حسن البغدادي ( 2012 / 4 / 4 - 01:30 )
منذ بداية السبعينيات وأنا أقرأ لك، حين إشترت أول كتاب لك، وكان من باب الأطلاع لاغير، من بائع يفرش كتبه على أحد أرصفة شارع الرشيد في بغداد، ومن هناك علق إسمك في رأسي، لكون ماتكتبين مبني على الواقع، لاعلى أيدلوجيا إفتراضية.
وتعليقاً على مقالك، فإ مصر وعلى كثرة مثقفيها،فهم قلة أمام هذا التطرف الديني، فإنها أي مصرمقبلة على كارثة، فهؤلاء هم أشد كفراً ونفاقاً وإرهاباً من جميع الديكتاتوريات العربية، وسيدفع الشعب المصري والشعوب العربية ثمنها أجيالاً عديدة ودماءً غزيرة للتخلص منهم.


4 - سرقة اسمائنا
munaf ( 2012 / 4 / 4 - 15:43 )
في العراق يا سيدة نوال سرقو اسمائنا,واسسو احزاب ورفعو شعارات وتاجرو بالجمل الثورية والليبرالية والديقراطية...الى حد القرف
وضعت ايدك على موضع الالم بمقالك هذا شكرا لك


5 - - 1 أصل ألمشكلة
‎هانى شاكر ( 2012 / 4 / 4 - 19:46 )

ألعسكر هدوا حيل مصر و أوصلوها إلى مرحلة تدمير أى و كل مناعة ... -- ... جعلوا مصر جيفة ...

أى مغامر أو أفاق أو حتى أنسان بسيط يعمل مابداله فيما تبقى من مصر !


مصر حكمها مجموعة من البهاليل المختلون عقلياً منذ 1952 ..

جمال و صلاح سالم ... كارثة السودان و غيرها ---
كمال الدين حسين ... تدمير التعليم ---
المشير عامر ... تدمير ألجيش و ألوطن ---
صلاح نصر ... قتل العباد و ألأخلاق ---
محمد حسنين هيكل ... ألدعارة ألسياسية و الفكرية ---
أنور ألسادات ... جنون ألعظمة ---
حسنى مبارك ... إخصاء أُمة ---

أما عبد ألناصر فلم يكن بهلولا ---


6 - أصل ألمشكلة - 2
‎هانى شاكر ( 2012 / 4 / 4 - 19:47 )

أما عبد ألناصر فلم يكن بهلولا ---

لو كان عبد ألناصر بهلول لهانت مصيبة مصر .. إنه لعنة من نوع غريب .. يموت ثم يصيب بلعنته مرة أخرى ليموت من جديد .. ثم يلعن وهلم جرا ..
كحيوان أسطورى متعدد ألرؤوس .. يُحطم له رأس كل فترة .. مرة فى العام 1970 .. و يوم أعدام صدام حسين .. و يوم أن سُحِلَ ألقذافى .. و قريباً يوم إعدام بشار ....
لعناته : قتل ألأنتلجنسيا ألمصرية .. ألأنكسارات ألعسكرية .. ألكوارث ألسياسية .. و ألهوان ألأجتماعى حتى أن ألبنت ألمصرية تباع علناً أليوم فى سوق ألنخاسة ألسلفية ب 500 دولار ..
ستبقى مصر فى دائرة لعنته لعشرات ألسنين ----


7 - الكتاب يقرأمن عنوانه
abdunaini ( 2012 / 4 / 5 - 18:07 )
كان من الواجب بعد الثورة وسقوط النظام أن يكتب الدستور الجديد للثورة ولمصر.لكن الخطأ وقع حين تمت الانتخابات بالدستور الفاسد مثل نظامه وكل ما يقوم به المصريون الآن هو أكبر خطأ في التاريخ وكل شيء باطل ...باطل ...باطل فلتبدأ مصر من الصفر بعد أكثر من سنة خرب فيه الاقتصاد المصري خرابا لم يعرفه من قبل .كنت ذكرت في عدة تعليقات أن الجماعة سيخطؤون وبالفعل بدأت أخطاءهم تظهر في الصراع على السلطة فانقسموا على بعضهم .المهم الخاسر الأكبر في هذه المعركة الدونكيشوطية هو الشعب المصري الفقير...

اخر الافلام

.. تحدي الثقة بين شيرين بيوتي و جلال عمارة ???? | Trust Me


.. حملة بايدن تعلن جمع 264 مليون دولار من المانحين في الربع الث




.. إسرائيل ترسل مدير الموساد فقط للدوحة بعد أن كانت أعلنت عزمها


.. بريطانيا.. كير ستارمر: التغيير يتطلب وقتا لكن عملية التغيير




.. تفاؤل حذر بشأن إحراز تقدم في المفاوضات بين إسرائيل وحماس للت