الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قلْ وداعاً للناشر العربي

حكمت الحاج

2012 / 4 / 3
الادب والفن


طبع الكتاب ونشره وتوزيعه صناعة وتجارة قبل كل شئ، في عموم العالم المتحضر، أما عند عالم العرب فلا يعدو الأمر أن يكون ثقافة وسياسة وأيديولوجيا قبل كل شئ، في طوافٍ دائم حول أرجل كرسي السلطان.

يشتكي الجميع مما يسمونه أزمة النشر في عالمنا العربي.

يشتكي الناشر وهو ما يزال يعب جيوبه بالمال ولا أحد يغلق دكاكينه.

يشتكي الموزع وهو لا يتوقف طوال العام من ترحاله.

فما بين معرض ومعرض ثمة معرض،

والكتب لا ترمى على قارعة الطريق على أية حال.

يشتكي المؤلف ولكن أعداد المؤلفين الذين ينشرون كتبهم في ازدياد دوديّ مستمر.

حتى الشعراء الذين لا سوق لهم ولا أحد يقرأ لهم، ترى كتبهم تغطي سماء العناوين باضطراد مع الاعتراف بأن 99.99% منهم يدفعون تكاليف الطباعة من مالهم الخاص، او يساهمون في جزء منها.

إذن أين هي المشكلة؟

ولماذا الحديث دائماً عن أزمة نشر الكتاب العربي؟

التقيت أحد المؤلفين هنا في لندن وكان عائدا من بيروت لمتابعة آخر مؤلفاته فقال لي بالحرف الواحد انه يخوض معركة حياة أو موت مع ناشره في سبيل أن يرى كتابه النور. ولم يبخل طبعا على الناشر البعيد ببضعة أوصاف ونعوت أجملها كان وصفه له باللص والغبي وسارق عرق الجبين الخ... ولكن الكتاب سيظهر في نهاية المطاف، وسيفرح به مؤلفه الذي سيروج له بكل ما أمكن من قوة، وسينسى مكابدات معركة الحياة والموت تلك.

صديق كاتب آخر كلمني من كندا هذه المرة، وقال لي متشكيا تلفه الحسرة إن ناشره القابع في إحدى دول شرق المتوسط قد سطا على مبلغ الطباعة الذي دفعه المؤلف كاملا من جيبه الخاص ولم يظهر الكتاب المزمع نشره الى النور رغم مرور سنة بالتمام والكمال على الموعد المتفق عليه بينهما.

قصص وحكايات كثيرة.

بعضها حقيقي إلى درجة الفجيعة والذهول.

وبعضها مختلق لغرض التنكيل بالناشرين ونكاية بهم من قبل مؤلفين يفوتهم قطار النشر دائماً.

وفي غالب الأحيان يطال هذا الكلام الناشرين الخواص الذين لا شرطة لديهم ولا مخابرات ولا دوائر رقابة ولا محتسب. ولكنه في اضعف الأحيان ما يطال الناشر الحكومي المباشر أو من ينوب عن الحكومات العربية في ميدان النشر. فالقوة الناعمة التي تنزل كالحرير على واجهات النشر الحكوماتية العربية مثل وزارات الثقافة ووزارات الإعلام وغيرها إنما تستند على قوى صلبة خشنة وقاسية مختفية وراء الستار المخملي لكنها عند اللزوم تكشر للمؤلفين عن أنيابها ومخالبها التي لا ترحم.

المطابع الخاصة تسرق جيوب المؤلفين وتهضم حقوقهم والمطابع الحكوماتية تسرق من المؤلفين أشياء أخرى نعرفها جميعا ولا من داع لذكرها وذلك من باب وإذا بليتم فاستتروا.

قبل أن أكتب مقالي هذا بنصف ساعة تقريبا عثرت على كتاب أثير لدي كنت أبحث عنه منذ زمن طويل حتى يئست فإذا بي ألقى ضالتي في موقع على شبكة الإنترنت يعنى بالكتب والكتّاب تديره شابة فاضلة من شاباتنا الفضليات المتطوعات لخدمة ثقافة الكتاب ونشره دون مقابل. غير أن ما استوقفني حقاً ليس حصولي على مبتغاي بل كيف عرّفت صاحبة الموقع الإلكتروني بنفسها للقراء وهي تقول (عمري 28 سنة، طموحة وجادة، أحب التعلم والتعليم، مجتهدة ومنتجة، أحب الكمبيوتر والقراءة، لا أشتري الكتب).

نعم. إنها لا تشتري الكتب.

وعدد كبير من الشبان والشابات لا يشتري الكتب. وهذا العدد ماضٍ في تنامٍ وازدياد.

ولا تتعب نفسك عزيزي القارئ في البحث عن التناقض في المواقف ما بين عدم شراء الكتب وبين تداولها بهذا الشكل الذي لم يسبق له مثيل عبر المواقع المتخصصة والمدونات الشخصية والمنتديات العامة وشبكات التواصل الاجتماعي.

فالجواب يكمن في كلمتين فقط هما: الكتاب الإلكتروني!

والكتاب الإلكتروني في هذا الفضاء العربي على الشبكة العنكبوتية ما هو إلا ذلك الكتاب الورقي الذي تم تصويره بالماسح الضوئي وحفظه في ملف بصيغة بي دي أف او بصيغة ئي بوب، حيث الأولى PDF لتناسب معظم الحواسيب المعروفة، والثانية ePub لتناسب الأجهزة الذكية والحواسيب اللوحية مثل الآي باد.

صحيح إنها خطوة متواضعة، لكنها خطوة أولى رائدة في طريق الصراع مع القَدَامَة والتخلف والجمود ستتبعها خطوات تقودنا جميعا إلى مفهوم الكتاب الإلكتروني بشكله الحقيقي المتعارف عليه في الغرب. هذا الطريق الذي دشنه شبابنا وهم الذين سيسلكونه بيقين يجرُّ وراءه باقي الأجيال.

أما الضربة القاصمة حقاً والآتية قريباً فلن تكون سوى الصناعة الثقافية الجديدة الطالعة توّاً في أمريكا الشمالية والزاحفة رويدا رويدا إلى بريطانيا وأوروبا ومن بعد إلى العالم العربي، والتي تُعرف ب (الطبع أو النشر عند الطلب) أو في الإنكليزية Print on Demand واختصارها هو الطباعة على طريقة POD ويمكن البحث في غوغل أو أي محرك بحث آخر لمعرفة المزيد عن المطابع ودور النشر التي تنتهج هذا الطريق.

بطريقة الطبع عند الطلب سيكون المؤلف هو ناشر كتابه بنفسه. وسيذهب الكتاب إلى المطبعة حاله حال أي كتاب ورقي عادي لكن الفارق يكمن في إن الكتاب سيتم خزنه في قاعدة بيانات المطبعة المتخصصة بهذا النوع من النشر، وكلما جاء الطلب على الكتاب من مُشترٍ ما، خرجت من المطبعة نسخة مخصوصة لأجل الطالب. علما وإن خيار إرفاق النسخة الورقية بنسخة إلكترونية لنفس المطبوع سيكون متاحا وبنفس آلية الطلب.

ومن الأخبار المفرحة في هذا السياق هو عزم إحدى اكبر المنظومات النشرية هذه بتأسيس مطبعتين رئيسيتين لها في كل من القاهرة والعاصمة الأردنية عمّان.

ولقد أخذت بعض الكتب العربية المعمولة بهذه الطريقة ترى النور وهي تباع الآن على متجر الناشر أو على متجر أمازون الشهير، ومنها مجموعة شعرية لكاتب هذه السطور بعنوان (بغدادات).

إن عجلة التطور والحياة لن تتوقف مهما عرقل سيرها المنتفعون والطفيليون والسارقون.

وستنتهي عاجلا أم آجلا حقبة الإذلال التي عصفت بالمؤلفين العرب وبآمالهم وطموحاتهم وخيالاتهم ومخطوطاتهم.

الكتاب الورقي يخسر.

لا أحد يريد الاعتراف بذلك.

الكتاب الرقمي يزحف.

ولا أحد يريد أن يرى ذلك.

وغداً قلْ وداعاً للناشر العربي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -شد طلوع-... لوحة راقصة تعيدنا إلى الزمن الجميل والذكريات مع


.. بعثة الاتحاد الأوروبي بالجزائر تنظم مهرجانا دوليا للموسيقى ت




.. الكاتب في التاريخ نايف الجعويني يوضح أسباب اختلاف الروايات ا


.. محامية ومحبة للثقافة والدين.. زوجة ستارمر تخرج للضوء بعد انت




.. الكينج والهضبة والقيصر أبرز نجوم الغناء.. 8 أسابيع من البهجة