الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحكايتان الخامسة والسادسة من حكايات صاحب الجلالة

رياض خليل

2012 / 4 / 4
الادب والفن


رياض.ن.خليل
من حكايات صاحب الجلالة
القصة أو الحلقة الخامسة
وتابع الراوي المتآمر : قال:
أنا الراوي المندس ، وأنا جزء لايتجزأ من الملك .. عفوا .. من الرواية .. أقصد من ال..... لا .. لا.. ليبق هذا سرّا .. لحين آخر .. أو كما يقال في السياسة : حتى إشعار آخر .. أي حتى زمن غير معلوم ، تماما كما هو الوعد بالجنّة .. غير محدد .. ولا معلوم .. تماما كما هي وعود الملك الضلّيل .. أرجو أن لا يسمعني ذلك الملك المعتوه وأنا أصفه بذلك . ولكن بالتأكيد لن يسمعني أصفه على حقيقته القبيحة المشوّهة المعيبة للخلق والمخاليق والزمان والمكان وروح الطبيعة الأصلية الفطرية .. لندع الفلسفة جانبا . الملك لن يسمعني بالتأكيد ، أتعرفون لماذا ؟ أنا أجيبكم ببساطة فأعترف بأنني أنا نفسي لاأسمع نفسي ، ولاأعترف لنفسي ، ولا أصارح نفسي بشيء مما يحدث من خرافات وأوهام وشائعات وأقاويل مغرضة أ و صادرة عن حسن نيّة ، أو ربما تكون حكمة من فم مجنون ، ولكن لا .. ربما يسمعني الملك .. جلالته .. لأن لديه أجهزة غامضة تتلصص وتفك تشفير المشاعر والأحاسيس وتكشف النوايا ، وخاصة النوايا غير الحسنة . وتترجم الأحلام والمنامات ، والتخريف والتهريج ، والفكاهة والكوميديا الملونة بألف لون ولون . الملك .. جلالته : لديه أجهزة رادار متطورة مختصة بالكشف عن المستور والمحظور ، وتحليل الشخصيات والنفوس ، والدخول إلى المخ والمخيخ والبصلة السيسائية والنخاع الشوكي وسائر الأعصاب والعضلات والأعضاء المهذبة والفاجرة . يصورها ، ويوضح بواطنها المزدحمة بالأوساخ والأقذار من كل صنف ولون . أوف ! لقد أطلت عليكم ، وحشرت نفسي فيما لايجوز لي ، وهو التدخل أو الدخول إلى القصة ، وكأنني شخص من شخوصها وبطل من أبطالها لاسمح الله . صحيح أنني ركن أساسي من الملك .. عفوا .. المعذرة .. لاأعرف لماذا وكيف يزلّ لساني في هذه الأيام العصيبة ، يزل لساني بما قد يودي بي إلى حبل المشنقة ، أو إلى المقصلة ، أو إلى الإعدام رميا بالرصاص أوالقنابل أو الصواريخ أو الطائرات ، وربما يستهدفون جثتي أيضا وأعضائي ، أقصد الصالح من أعضائي للبيع والغنيمة ، وربما يعتدون عليّ أو حتى على جثتي جنسيا ! لاتستغربوا ، إنه أمر يحدث ، بل حدث ، وقد وثقه المندسون المتآمرون وصوروه ، وأرسلوه إلى مفوضية الأمم اللامتحدة والمتناحرة ليكون وثيقة تاريخية غير مزورة ضد الملك الضليل الأرعن الغشيم الفاسد الداهية الخبيث ، الكذاب المناور المراوغ الغشاش الجبان الرعديد الفاجر المتوحش الإبليس اللعين الشيطان الرجيم ، الملك المتذاكي الواهم الأهبل المريض بجسده وعقله وعينيه وسائر أعضائه . الملك الذي يجمع الشر والزندقة والنفاق من كل الأطراف ، الملك الخائن المرتد الخارج على نفسه وقانونه وناموسه وإرادته ووعيه وأقواله وأفعاله ، الملك الذي يضع رأسه في حذائه ، ولسانه في مؤخرته ، يلحسها كما يفعل القط أو الهرّ أو الفوهرر المنحرف الذي صنعته الأوهام ، فصدقها وصدق نفسه ، واستمرأ الخدعة التي تشبه البراز المطاطي الرخو . وصار يعيش حالة من تعدد الوجوه والشخصيات الرسمية والشعبية ، الخارجية والداخلية ، ما أدى إلى ضياعه في تيه أو متاهات الشخصيات المتعددة التي لاحصر لها ، والتي تتكاثر كالفطر السام ، وتتجدد وتتغير كل لحظة . الملك ضاع .. تاه ..ضل في زحمة الوجوه والأقنعة والطرق والجلود التي باتت من الطقوس المقدسة المزعجة أحيانا ، واللذيذة أحيانا أخرى وأخرى .. ومنها مايتطلب الظهور والتجلي والتجسد ، ومنها ما لايجوز أن يظهر ويتجلى للعيان ، لأنه وحسب زعمه ووهمه .. ماهو سوى عورات ، وفضائح لايجوز للملك إظهارها ، لأنه ممنوع من اقترافها أما م العيان والعوام وكاميرات الإعلان والإعلام العلنية والسرية والخفية . ومع كل هذه القيود والسلاسل التي تكبل حياة الملك الأخرق ، فإنه لايسلم من قرصات العدسات الخفية ، ولاسيما من عدسات الأقمار الصناعية التي تجوب الفضاء الخارجي حول الكرة الأرضية ، ولايملك الملك حيالها شيئا ، ولايستطيع منعها أو السيطرة عليها ، أو الحد من فضولها وتجسسها عليه وعلى غيره ممن توجه ضده ، ثم إن بعضها ضروري له وللمملكة والرعية وكائناتها من البهائم والحشرات والجرذن ، والأقنان والعبيد والإماء والوصيفات . بعض الأقمار ضروري للشاشات الصغيرة والقنوات التلفيزيونية التي تتكاثر كالبشر ، وينحشر فيها الفحش والفجور والمقت والسرور والجوهر والقشور ، ولارادع يردعها وينظم عملها كما يحلو للملك وأمثاله وأشكاله أن يفعلوا بها ويسيروها على هواهم تعسفا وإجبارا وقهرا .. لا بالتشويش المتعمد ، ولا بالتشويش غير المباشر من قنواته هو ، أي من قنوات الملك نفسه ، وتشمل قنوات وشاشات أقربائه وأصدقائه وخلانه وأتباعه وجواسيسه المزروعون في دول الجوار .. ممالك الجوار المخترقة من قبل بصاصي الملك ، ملكنا . . ملك الملوك .. جلالته ؟ والبصاصين هم المخابرات وأجهزة الأمن التي يصعب إحصاؤها ، والتي تضخمت لدرجة حولت معها المجتمع ( الرعية ) ووظفته بالمجان في تلك الأجهزة الأخطبوطية التي لاتتوقف عن النمو السرطاني حتى التهمت المجتمع برمته ، بخلقه وناسه وأشيائه وأرزاقه . وباتت المملكة مملكة الأمن والاأمان ، أمن الملك ولاأمان المملوكين من الأحياء والأموات والأشياء . حتى وصل الأمر إلى درجة أن الملك وأجهزته المخابراتية أصبحا وجهين للعملة الواحدة المتحدة ، أصبحا ثنائية لايمكن الفصل بين قطبيها ، معادلة لاحل لها في (س) ، بل في (ح) أو (ق) أو (م) . فلا الملك يملك البقاء بدون القطب المخابراتي ، ولا هذا الأخير يستطيع البقاء بدون الملك ، كلاهما سبب للأخر ولحياة الآخر وبقاء الآخر ومستقبل الآخر ، ولو اختل هذا الميزان إذن لسقط الإثنان معا إلى الحضيض ، إلى غير رجعة ، إلى .. إلى .. جهنم وبئس المصير ، إلى جهنم الحمرا ء والسوداء والصفراء والزرقاء . ها .. هاا .. ذكرتموني .. ولكن لن أفشي السر وأقول لكم : إن هذا المصير هو مصير محتوم ، ولامهرب منه . أوه ...لماذا يزل لساني هذه الأيام . اللعنة علي وعلى لساني المتمرد المشاغب المسلح المندس المتآمر .. لقد نسيت أن أخبركم ماكنت أنوي أن أخبركم به حول الحكاية الجديدة من حكايات صاحي الجلالة المعظم بل المصغّر .. وأحس أنني دوختكم بالثرثرة الفارغة ، والتطويل ، والكلام الممل الذي لاطعم له ولارائحة ، أعرف أنكم تريدونني أن أدخل بالموضوع مباشرة .. وبلامقدمات وتمهيدات ، وأن وقتكم ضيق وروحكم في أنوفكم ، وخلقكم ومزاجكم عصبي ، وأنكم مشغولون بأمور أهم ، أعرف أنكم تريدون المعلومة جاهزة ( إكس برس ) على الماشي ، وجبة أخبار على الماشي ، وجبات أخبار سريعة وموجزة ، ومختصرة ، وسهلة الهضم ، لم لا .. نحن في عصر السرعة والاختصار والوجبات الجاهزة السريعة سهلة الهضم ، والشهية ، تريدون الدخول إلى القصة مباشرة ، بدون تشويق ولاحبكة ، ولاإسهاب ممل ، ولاحشو ممل ، تنتظرون الأخبار بدون بهارات وتوابل ومقبلات ومنشطات . ولكن أعذروني ، مضى الوقت ، كله وأنا أتحدث عن نفسي ، وأحيانا عن الملك .. جلالته ، الذي أذكركم أن الحمار الذي في المرآة كان قد سدد إلى حنكه ، ورفسه رفسة قوية أفقدته صوابه ، وسقط الحمار الذي خارج المرآة .. أقصد الملك .. سقط مغشيا عليه ، بينما بقي الحمار الظل الذي في داخل المرآة صامدا واقفا متحديا مزهوا مبتسما ظافرا يعنطز ويضرط وينهق فرحا وابتهاجا بتفوقه على نظيره المهزوم ، وأستميحكم العذر لأنني سأؤجل سرد الحكاية الأصلية التي جئتكم من أجلها إلى وقت آخر ، وحلقة جديدة قادمة ، كي أعطيكم الفرصة لتستريحوا مني ومن ثقل دمي لفترة قصيرة جدا جدا .. وإلى اللقاء في الحلقة القادمة : أنا الراوي الرسمي والشعبي المتآمر المندس المعارض وعليه أوقع في مكانه وتاريخه العام 2012 وشكرا لإصغائكم
********************************

رياض.ن.خليل في :
من حكايات صاحب الجلالة
القصة أو الحلقة السادسة
لا تؤاخذوني أيها السميعة اللميعة اللميحة .. لأنني قطشت الحكاية عندما .. سقط الملك مغشيا عليه بسبب رفسة الحمار الذي كان يقف داخل المرآة ، مقابل الملك الذي يقف خارج المرآة . وقد كنت وأكون دائما في قلب الحدث عينا ورقيبا ومؤرخا ومعلقا وكاتبا لسيرة الملك .. جلالته .. الملك المعظم .. المهم .......
دخل طرخون مصادفة إلى جناح الملك ، وطلب من مرافقيه البقاء خارجا ، ومعهم رئيس الأطباء ، وجد طرخون الملك منطرحا أرضا ، فذهل مما رآه .. وصاح بالمرافقين والطبيب طالبا منهم الدخول والنجدة .. دخلوا .. تحلقوا حول الملك المطروح أرضا ، وقد تلوث حنكه وبعض وجهه بالدماء النازفة من خدوش سببتها رفسة الحمار ، واقترب الطبيب من الملك ، وأمر البقية بالابتعاد قليلا إلى الوراء ، ليقوم بواجبه الطبي في فحص الملك ومصابه وإصابته الواضحة التي نتج عنها تورمات وازرقاقات وكدمات وخدوش وجروح وآثار حافر حمار واضح تماما ... فحصه الطبيب ، والكل يتمتمون مستفسرين متعجبين مندهشين مما يشاهدونه ، ولايعرفون له سببا . وكان الطبيب أشد دهشة من الجميع ، وهو يفحص مكان الألم ويمسح الدم عن وجه الملك ، والملك يتأوه ألما بسبب المعقّم الكاوي الذي يمسح به الطبيب وجه الملك من آثار الدم ويطهر الجروح والخدوش بارتباك وعدم تركيز،ما جعل بعضا من المطهر يلوث عين الملك اليمنى ، وتسبب لها بالحرقة . كان وجه الملك كالمحروق ، وكان يتألم بصوت متهالك مجهد ، ثم صرخ ألما والطبيب يعالجه ، وراح يشتم الطبيب وطرخون والمرافقين ... وصحا من إغماءته ، وساعده طرخون والطبيب بالوقوف والاعتدال وهو مايزال منهكا متهالكا مثقلا واهنا .
أمر طرخون المرافقين بالانتظار خارجا , وبقي هو والملك والطبيب وحدهم ، وراحوا يتبادلون النظرات الحذرة والمشككة بصمت بليغ . كان الملك محرجا أشد الإحراج مما حدث له ، وكله يقين أنهم : طرخون والطبيب قد كشفا سرّه مع المرآة والحمار ، من خلال آثار الرفسة الواضحة كالختم أو البصمة في وجهه ، وكان الملك مرتابا من نظراتهما ، ويحاول أن يقرأ ما في أعينهما تجاهه ، وهو يتساءل بينه وبين نفسه :
ترى هل يرونني حمارا ؟ هل يخشيان مصارحتي بالحقيقة ؟ هل يداهناني ويمالقاني وينافقاني ؟ لم لا .. أكيد صورتي ليست خافية عن أعينهم ، ولو كنت كما تخبرني المرآة ، فلماذا لايصارحاني بذلك ؟ لو كانا مخلصين صدوقين إذن يتوجب عليهما أن يصارحاني ، بكل شجاعة وجرأة ومصداقية ، ويقولان لي : أنت حمار .. حمار رائع جميل وودود ، وإن طلبا مني الأمان ، فسأعطيه لهما ، ليظهرا ما يخفيانه عني منذ زمن طويل ، وبعد أن ينكشفا لي ويكشفا لي مافي سرهما تجاهي ، حينئذ سأشنقهما ، وربما أعفو عنهما ، أو أخفض رتبتهما ، أو أجمدهما ، وأغير منصبهما ، و.. المهم .. المهم .. يجب أن يتكلما .. أن يقولا شيئا يشفي غليلي إلى المعرفة ، الفضول يذبحني لأعرف حقيقتي التي أعرفها وحدي ، ولكن هل يعرفانها ؟ هل يعرفونها ؟ الجبناء .. كلهم جبناء ، مملكتي لم يعد فيها رجال .. بل حوش ، برابرة وهمج وسفلة ومنحطين .. آخ .. يا حنكي .. حنكي يؤلمني .. ماذا هنالك أيها الطبيب ؟ ماذا أصابني ؟ قل .. قل .. لماذا تقف كالجاموس .. ولاتنطق يا.. يا ماذا ؟ من أنت ؟ من أنتم ؟ أعطوني هويتكما أيها المارقان الخارجان على القانون واللاقانون ، هيا .. من ؟ ...
والتفت الطبيب إلى طرخون ، وتبادل معه نظرات الشك والريبة والخوف والحيرة مما حصل ويحصل .. وهز طرخون رأسه ، وأرسل للطبيب بإشارات من عينيه ، تستفسر عن المشكلة ، عن الذي جرى للملك ، ووضع الطبيب راحته على جبينه ، وتظاهر بالمرض والألم ، واحتار الملك من المسرحية الإيمائية الجارية أمام ناظريه ، وصاح : تكلما ؟ قولا شيئا .. ماذا بي أيها الطبيب المجومس ، مظهرك لايدل على أنك طبيب بشري .. هل أنت طبيب بيطري يا خفاش .. ويستأذن طرخون الملك ، لينفرد بالطبيب ، وكان الطبيب قد ضمد مكان الألم بضمامة ولصاق ، وانتحى بطرخون جانبا . ووضع كفه على جبينه ، واستحثه طرخون ليتكلم ، ولكن الطبيب أجاب وهو يبكي :
أرجوك يا سعادة الحاجب ، اعفني من الجواب .. أنا محتار .. مندهش .. لاأصدق ماأرى ، ولا أجرؤ على قول ما أحس به ، أخشى أن أخسر عملي ووظيفتي في القصر وخارج القصر ، ولكن طرخون استحثه ثانية ، قائلا : أيها الطبيب .. سرك في بئر ، ومن واجبات المهنة أن تصارحني بمرض الملك ومصابه الحقيقي ، مالذي حل به ..قل ..قل ولاتخف ، السر سيظل بيني وبينك فقط ، قل ماذا حصل . وينشج الطبيب باكيا وتهدج صوته وهو يقول : ياسيدي طرخون .. أنا نفسي مصدوم ، لأن ماأراه غير منطقي وغير معقول البتة .. ماأراه مستحيل الحصول ، ولاأملك تفسيرا له سوى في الميتافيزيق ياسيدي ؟!
طرخون : الميتافيزيق ، ماهذه الكلمة ؟ من أين أتيت بها ؟ وماذا تعني ؟ من أين هربت تلك الكلمة اللعينة الغامضة الأجنبية ، أظنك جاسوسا ، تتعامل مع دول أجنبية ، سأحيلك إلى السجن بتهمة التخابر مع العدو ..
الطبيب : سيدي .. أرجوك .. أفهمني .. تعلمت تلك الكلمة حينما أرسلتموني ببعثة خارجية لدراسة الطب ، بلغة البلد التي تتعاملون أنتم معها ، إنها بلد صديقة وحليفة ، تعلمت لغتها ، ودرست الطب ، والطب يتطلب دراسة الميتافيزيق ياسيدي ،
طرخون : لاتدوخني ، ادخل في الموضوع ، وأفهمني ...
الطبيب : سيدي الميتافيزيق ، يعني ماوراء الطبيعة ،يعني الروحانيات ، والقوة الغيبية المطلقة التي تقف وراء الكثير من الألغاز الغامضة ، وتفسر مالايمكن تفسيره في العلم من قبل الإنسان العالم ، بل من قبل علماء الميتافيزيق ، الذين لهم طرقهم الخاصة والاستثنائية في التواصل مع الحقائق الغيبية الماورائية ، أي التي ماوراء الوجود الطبيعي المحسوس والملموس ، عالمهم هناك خلف الأشياء ، وهم يقولون : إن عالمهم هو فوق ، في السماء أو في السموات وماخلف السموات وماخلف خلف خلف السموات السبع أن التسع أو لاأدري ماعددها بالضبط . هم : المشايخ ، ورجال الدين وعلماء اليقين الروحي هم وحدهم لايحتاجون إلى برهان أو براهين أو أدلة وثبوتيات ووقائع واستقراء ، لأنهم يعرفون الحقيقة مباشرة دونما واسطة ، إنها موهبة ياسيدي ، موهبة لاأمتلكها أنا الطبيب المتواضع القصير النظر والبصر والبصيرة ، المشايخ مختصون في علم الماورائيات والحقائق المجهولة ، هم المرجعية ، وما يقولونه لايحتاج إلى نقاش وحوار ، بل إلى تسليم وإيمان وإذعان وطاعة عمياء ، تحت طائلة العقوبات الدنيوية والأخروية التي لاتتوقف .
طرخون : أيها الطبيب ، هل تعطيني درسا ؟ لماذا كل هذه التفاصيل المملة الكريهة ؟ اختصر أيها ..
الطبيب : النتيجة أرى .. أقترح . . أن ترجعوا إلى المشايخ ، هم وحدهم يعرفون المشكلة ، وتفسيرها ، هم .. مايحصل للملك ليس من اختصاصي ، بل من اختصاص الطب الماورائي ، العلاج ليس عندي .. بل عند وزير ال.. الماورائيات وموظفيه الملتحين والمتعممين ياسيدي
طرخون : لا . . وألف لا.. لن أخلي سبيلك مالم تخبرني بما تحس وتشعر به ، وإلا سأخفيك من الوجود ، وربما أعيدك إلى بطن أمك ، أو ..
وكان الملك يتلصص عليهما ، وينصت لحوارهما الخافت ، وكانت أذناه كالرادار تلتقط الحروف وال أصوات والهمسات الصادرة عنهما ، والتي تتحدث عنه وعن مصيبته .
الطبيب : أعطني الأمان ياسيدي طرخون
طرخون : أعطيتك الأمان .. كم مرة سأعطيك الأمان يا.. ثعلب ؟؟
الطبيب : أنت ياسيدي ، ماذا رأيت ؟ ماذا تخمن ؟
طرخون : ( هامسا ) تبدو رفسة حمار ؟ قوية ؟ شرسة
وابتهج الطبيب مما سمعه من طرخون ، ولاحظ الأخير ابتهاج الطبيب ، وارتياحه لما تفوه به طرخون همسا .. وسأله طرخون :
طرخون : أهذا ماتود أخباري به ؟
الطبيب : مايثير استغرابي .. ياسيدي هو .. هو من أين لأي حمار أن يدخل جناح الملك الخاص ، الحمار ليس طيرا ولاعصفورا ، ليطير ويدخل من النوافذ والأبواب الموصدة أصلا ، فمن أين لحمار أن يوجد في مخدع الملك ياسيدي ، أليس هذه معجزة ؟ !
طرخون يفكر حائرا بما يقوله الطبيب ، والملك يراقبهما عن بعد ،
والتفت طرخون نحو الملك فجأة ، فارتبك الملك وجفل ، كمن يود الهروب من الاستحقاق المزعج . أشاح الملك عنهما .. وأحس بهما وكأنهما قد كشفا السرّ المعيب : العار الذي يتلبسه ويفضحه . ولكن طرخون تقدم من الملك ، وبقي الطبيب بعيدا عنهما ، اقترب طرخون من الملك ،حتى كاد يلامسه ، وهتف الملك بقرف :
الملك : أبعد أنفاسك الكريهة عن وجهي ياطرخون الملعون ، أنفاسك كالنار تحرق وجهي ، تلسعه كالدبابير وتكويه . أبتعد ..
طرخون : مولاي .. جلالتكم .. أنا بيت سركم ؟ لماذا تخفون عني الحقيقة يامولاي ، أنا دون الخلق جميعا من يجب أن يعرف كل شاردة وواردة عنك ، أنا حاجبك ، ومن حقي عليك أن تصارحني بما يحصل من أمور غريبة عجيبة يامولاي ،
الملك منزفزا متوترا عصبيا يردّ : ماذا تريد أن تعرف ؟ هههه؟ ماذا ياطرخون ؟
طرخون : مولاي .. أرى آثار رفسة حمار على حنكك ووجهك ؟
الملك : حمار ؟ حمار ؟ يرفسني ؟ بل أنا الذي رفسته ، كان .. كنت .. كنا .. أعني .. أثارني نهيقه .. وغدرني .. وغدرنا .. مثل حمارين معا ..
طرخون : ليس هذا غريبا يامولاي !
وفكر الملك وهو يكرر قول طرخون :" ليس هذا غريبا يامولاي " ، إذن هو متأكد من الحقيقة والواقع ؟ ولكن مادام كذلك .. فلماذا يسألني ؟ ولماذا يقول لي ماقال ؟ هل أخطأت التقدير ، ولكن لا.. طرخون يجب أن يعرف الحقيقة ، إنه حاجبي ورئيس حرسي وبيت سري ، طرخون هو بابي ، بل باب (....) هذا شرف له أن يكون باب ( ....) لأن باب (...)جزء مني .. من جسدي وكياني وروحي ،ولولا ذلك الباب لانفجرت وتعفنت ، جراء القذارة التي أنتجها يوميا ، وأصدرها وأوزعها ، وأسوقها على امتداد المملكة .. والممالك المجاورة ، والمجاورة للمجاورة ، وتلك التي تقع ماوراء البحار ، وماوراء الوراء والقارات والكواكب السيارة ، طرخون هو أنا ، هو أنا .. وأنا هو ، وكما يقول شاعر باعر :
أنا من أهوى ومن أهوى أنا = نحن روحان حللنا بدنا
فإذا أبصرتني أبصرته = وإذا أبصرته ... أبصرتنا
ويتابع الملك : ولكن لا ليس طرخون من ينطبق عليه هذا الكلام ، بل الحمار الذي ينتظرني في المرآة ، بل كلاهما : طرخون والحمار ، ترى هل طرخون هو الحمار الذي في المرآة ؟ أم أنه أنا ؟ غريب ! إنه ؟؟ إي الحمار يشبهنا كلينا .. كأننا توائم ،بل بالتأكيد نحن توائم . شيء رائع ومفيد ونافع وطريف وفذ وفريد ..آه .. تذكرت صاحبي فريد لعنه الله ، وأخته فريدة الصنديدة الأكيدة ، تبا لفريدة وفريد والمفرد والمثنى والمثلث والجمع المذكر والمؤنث ، وتبا لطرخون الذي لاأستطيع التخلص منه ، تماما كما لاأستطيع التخلص من ظلي الخائن ، ظلي الذي يطول أحيانا ، ويقصر أحيانا أخرى ، ويتذبذب ويراوغ ، ويختفي أحيانا ، وخاصة في الليل ، ربما كان ظلي يمارس الدعارة في الليل البهيم المدلهم الأصم . ظلي الخائن الغادر يلاحقني بلا كلل ولاملل . طرخون مثل ظلي اللعين .. وعلي أن أفشي له السر ، لعله يسعفني بتفسير وحل ؟ أنا وطرخون والحمار ، نحن الثالوث المقدس ، ثالوث المملكة الأبدي ، إلى الأبد .. إلى الأبد .. حذاؤنا فوق البلد ، وفوق والد وما ولد , وفوق حاضر وماتلد . نحن الألى ولاأحد ..
وتذكر الملك أن طرخون مايزال واقفا قبالته يتفرج عليه ، وتمنى في قرارة نفسه :
ليت طرخون يكون كالريح التي تعصف في مصاريني .. إذن لتمكنت من التخلص منه عبر البوابة الخارجية المفضية إلى الخارج المحيط بي ، وكان سينتشر ويتلاشى في الفضاء من حولي ، وكان الجميع سيشمون رائحته الكريهة ، ويعدمونه رميا بالشتائم وال .. تفو عليك ياطرخون .. أيها المغص الذي لايفارقني لحظة واحدة .
طرخون : الحمد لله على سلامتك يامولاي ..
الطبيب : انشاء الله بسيطة ، يامولاي ، ستتعافى سريعا ، الحمد لله على سلامتة حنكك ووجهك وظهرك وبطنك ورجليك يامولاي .. إنها مجرد خدوش بسيطة ستندمل وتشفى بسرعة ضوئية يامولاي .. يا صاحب الجلالة .. وياصاحب ال...
الملك : كفى .. لاأحب المجاملات والثرثرة .. حنكي قوي الاحتمال ... لايتأثر برفسة من ....
طرخون : رفسة ؟ من ؟؟ من حمار يامولاي
الملك : اخرس .. ومن جلب سيرة الرفسة .. والحمار .. اخرس قبل أن أرفسك أنت والكائن الغريب الواقف إلى جانبك .. هيا .. انصرفا توا .. لقد مللت منكما ياثقيلا الظل .. يامن ليس لكما ظل .. يا .....
واندفع طرخون وتبعه الطبيب إلى الباب الذي فتح فجأة من قبل أحد المرافقين .. فجمد طرخون والطبيب في مكانهما تعجبا ودهشة وفضولا لمعرفة السبب الذي جعل المرافق يتجرأ على فعلها ، وتوقعا أن يكون سببا هاما وخطيرا للغاية ، وإلا فهل يعقل أن يتجرأ مرافق ويندفع بوقاحة ، ويدخل جناح الملك من دون أمر وسابق إذن من طرخون ؟ إذن وراء المرافق خبر هام يطيّر برج المخ من النافوخ كما يقال في الأمثال
وفغر الملك فمه الواسع المتين ، وانسدل لسانه الذي بدا كلسان كلب لاهث ، وهو ينتظر ويترقب ببلاهة ما سيفصح عنه المرافق من أخبار مثيرة وخطيرة وطريفة .
وأنا نفسي .. أنا الراوي القابع في الخارج والداخل معا ، استنفرت حواس كلها لاستطلاع ماسيسفر عنه الأمر ، وبما أنني أطلت وأسهبت وحوشت .. أرى من اللباقة والتهذيب بمكان أن أريحكم مني قليلا ، وبعدها . . وبعد أن تشتاقوا لي ولحكاياتي التافهة الفارغة ، سأعود لأقص عليكم تتمة وبقية الحكاية في حلقة جديدة تالية
فإلى اللقاء إلى الحلقة أو القصة أو الحكاية السابعة من حكايات صاحب الجلالة ، أنا الراوي المتآمر والجرثومة التي لاترى سوى بالمجهر الخاص ، وهو مجهر العقل السليم القابع في الجسم السليم ، جزاكم الله كل الخير والنعيم
حصل بمكانه وتاريخه العام 2012
الجمعة 30/3/2012








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لقاء خاص مع الفنان حسن الرداد عن الفن والحياة في كلمة أخيرة


.. كلمة أخيرة -درس من نور الشريف لـ حسن الرداد.. وحكاية أول لقا




.. كلمة أخيرة -فادي ابن حسن الرداد غير حياته، ومطلع عين إيمي سم


.. إبراهيم السمان يخوض أولى بطولاته المطلقة بـ فيلم مخ فى التلا




.. VODCAST الميادين | أحمد قعبور - فنان لبناني | 2024-05-07