الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أدب سجن تدمر - 1 -

جقل الواوي

2012 / 4 / 4
أوراق كتبت في وعن السجن




أدب سجن تدمر
1
سجن تدمر "أيقونه" الذعر في آذهان السوريين شيئا يشبه "ابو رجل مسلوخة" في أدبيات تخويف الأطفال،حالما يثار ذكره تنشىء المخيله بشكل إنعكاسي "على طريقة كلب بافلوف" اسوار عالية من الحجر الصلد ذو الرائحة العفنة الملطخة بالدماء و مفرزات آدمية آخرى،و أجساد مدماة تتلوى من الألم أو معلقة تتشابك عليها آثار الجلد أو الكي، و يتخلل المشهد عواء آدمي مفزع ناشىء عن وجع معجون بالرعب. وقد تُركب المخيلة مشاهد آخرى مختلفة لا حصر لها و لكنها جميعا تملك عاملي الخوف و الألم كخلفية، أمكنة من هذا النوع و بهذه السمعة من العلامات الفارقة للنظم التي تختصر الدولة و تلفها كمنديل تضعها في جيبها. تُستخدم للتأديب و التخويف و كذلك للتثقيف و تبنى بحيث يكون لها جوف هائل الحجم يمكنه إختزان الكثير من الأشياء ليعيدها بشكل مختلف أو حتى ليهضمها فلا تبقى منها باقية.

سجن تدمر مبنى موروث من حقبة الإنتداب الفرنسي أنشأ في واحة شهدت حضارة كانت قائمة يوما ثم أندثرت الى الأبد، هو المكان الذي أحتجزت فيه سلطات الأمن معارضيها الأشد مراسا حيث طبقت عليهم برامج خاصة طويلة الأمد قد تصل الى عشرين عاما، برعاية عسكريين من رتب متدنيه رقيب أو رقيب أول و مساعد، حيث لا يوجد حسيب و لا رقيب فيسلم الجلد و العظم و اللحم الحي الى الكرابيج و الكلاليب و الإسمنت البارد و الأوبئة،فيتعغن الجسد و تمسح الذاكرة بان تُحفر فوقها أخاديد عميقة تمتلىء بالصديد عوضا عن الذكريات، انتشرت حول السجن قصص و حكايات كانت جزءا من تراث الخوف السوري، في مكان كهذا يستثير الحواس و يبقيها في حالة أنتظار و يقظة تطورت حالات أدبية ووثائقية كتبت عن تجربة المرور بذلك السجن فوصفت المكان و الوجوه و الجسد البشري المتألم ووصفت أيضا موات الشعور..

كان اقدم من كتب عن تجربة المرور بسجن تدمر هو القيادي الشيوعي دانيال نعمة تطرق في معرض ذكرياته الى مروره في سنة 1953 الى هناك، رحلة دانيال نعمة كما وصفها تبدو أقرب الى "السيران" عند مقارنتها بما كتبه غيره. يفيد نعمه بأن سمعة سجن تدمر في ذلك الوقت كانت سيئة جدا و قد عذب زملاء له بشدة و أجبروا على توقيع تعهدات بعدم العودة الى العمل السياسي مما يعني بأن السجن يحمل عراقة ايضا تعود الى وقت مبكر من عهد الإستقلال.ما كتيه دانيال نعمة كان قصيرا و سريعا و كأنه يكتب واجبا ثقيلا. و لكن الإسلاميين الذين كانوا نزلاء مفضلين في سجن تدمر كانوا أكثر من كتب، أولهم محمد سليم حماد في "تدمر شاهد و مشهود" وهو عضو أردني في جماعة الأخوان المسلمين، ثم توالت كتابات أخرى لم تختلف كثيرا عما رواه حماد "في القاع" لخالد فاضل، ثم حمامات الدم في سجن تدمر لعبد الله الناجي ثم كتب الدكتور البراء السراج "من تدمر الى هارفارد"، الأعمال الثلاثة السابقة كانت تحمل وثائق متطابقة ركزت على التعامل العنيف مع السجين ووصفت بدقة البيئة الرهيبة التي عاش فيها المعتقلين، محتواها الأدبي فقير و لكنها متخمة بالتفاصيل المباشرة المجردة، المشاهد تتلاحق تحت عناوين فرعية تلخص الحدث و تعطيك فكرة واضحة من المحتوى، أو يوضع العنوان الفرعي على شكل تواريخ متباعدة لأحدث مهمه في رحلة معاناة السجين الكاتب ، أجزاء كبيرة من المرويات جاءت على شكل نصائح و توصيحات حتى تحول ما كتبه عبد الله الناجي الى مايشبه "كاتالوج" يشرح فيه الكاتب طريقة الوقوف أمام الجلادين و أسلوب التعاطي معهم، أما البراء السراج فقد أستعان ببرنامج "غوغل إيرث" ليوضح الأمكنة التي زارها و منها سجن تدمر. تفاصيل من هذا النوع قد تخفض من حرارة الحدث و التوغل في الوصف المجرد لعملية التعذيب تختصر الإنسان الى مجرد جلد و عضام تخضع للتكسير .روايات الإسلاميين كانت نسخا كربونيه متشابهة و هي أقرب الى الشهادة منها الى الرواية ، لم تستطع الدخول الى وجدان السجين لتستخرج تحولاته النفسية لقلة حيلة الكاتب و ضعف و حتى إنعدام أداوته و هو ما صرح به هؤلاء الكتاب فلم يدعي أي منهم بأنه كاتب و ربما تعاملوا مع الأمر كفرض “الكفاية”، ولو أنهم حالوا تقليد الروائيين في بعض مراحل النص و لكنهم فشلوا بذلك و بشكل ذريع.و النجاح كان بالتوثيق الدقيق و المفصل و الفضل يرجع الى الذاكرة الحديدة التي تمتع بها كل منهم و قد نجحوا في إقناع القارىء بأنهم تعرضوا لمأساة رهيبة مؤلمة تستحق التعاطف. من أقصى اليسار سجل كتاب حقيقيون اسماؤهم في سفر "مدوني" تدمر، مصطفى خليفة و روايته القوقعة التي كانت أول عمل أدبي من أكثر من وجه يتحدث عن يوميات سجن تدمر و رغم تفصيلاته التي تتشابه الى حد بعيد مع تفاصيل روايات الإسلاميين و لكنه كان أديبا اكثر منهم كانت هناك خطوط درامية تشد من آزر القص و قد وصف رواية القوقعة بأنها يوميات متلصص و هي تورية موفقة بإعتبار السجين في تدمر كيان مستباح وضع خليفة بطله داخل قوقعة أحد جدرانها الصمت و لكنه أستطاع رغم قوقعته أن يقف على أسرار السجن التي تجري خلف الأبواب،و هو بفضل الصمت استطاع أن يجعل الآخرين يتكلمون مما أغنى الرواية و أخرجها من حيز الراوي المتكلم الضيق.
آرام كربيت كتب "الرحيل الى المجهول" أرتفع مستوى روايته الأدبي عندما أنتقل في القسم الثاني منها للحديث عن تدمر حرك فيه الحدث الأديب فظهر بشكل أوضح . السرد لم يكن مجرد ملء الصفحات بتفصيل الحوادث كان أشبه بعملية وشم على جلود سجانيه كان من الممكن إلتقاط صرير القلم على الورقة و هو يتحدث عن عمليات التعذيب التي شبهها بالحفر و قد أعاد هو نفس العملية عندما كتب. سجين بعث العراق حسن الهويدي نشر عدة حلقات في موقع الحوار المتمدن عن تجربة شخصية في سجن تدمر كان أكثر إقترابا الى رواية الإسلاميين كرر ما قالوه و كان أكثر جرأة في الحديث عن أشياء حميمة تخص الجسد البشري لم يتناوله الإسلاميون كثيرا. فرج بيرقدار بدوره تحدث عن سجن تدمر في نص قصير "الرجل الذي أطعموه فأرا و تفاصيل أخرى" كانت رواية قصيرة فيها سخرية مرة وزراد من مرارتها توغله في بعض التفاصيل كنت تفاصيل مهمة خدمت الأدب و الرواية و ختم مشهدا مقززا من مشاهد الرواية بجملة كثيفة المعنى "يبدو لي أن يبتلع الفأر إنسانا اسهل من يبتلع الإنسان فأرا"،ثم جاء دور ياسين الحاج صالح فكتب بإقتضاب كبير و لعله خاف أن يورط بنفسه بتكرار ما قد سبق و قيل في الموضوع،و لكن مقالته القصيرة كانت غنية و قد أحتوت رغم قصرها على اشياء مختلفة لم ترد عند من سبق ، فقد إبتكر مصلح "تكسير الخشب" و هي عملية إخضاع السجين بتعريضه الى دفقة عذاب مبرحة مرفقة بإهانات تترك أثرا عميقا تلطف ياسين الحاج صالح و سماها "كسر العين"، ولو أن ياسين الحاج صالح اسهب لربما كان أضاف شيئا مفقودا عند كل من كتب عن ذلك السجن.

يتبع ....

http://www.theloudwawi.com/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحيّة طيّبة للكاتب
رعد الحافظ ( 2012 / 4 / 4 - 16:05 )
عندما أهدانا الصديق نادر قريط رواية القوقعة لمصطفى خليفة / أو يوميات متلصص في سجن تدمر , بقيت تلك الصور البشعة تراودني بضعة أسابيع
كأنّ الموت يزور هؤلاء السجناء السياسيين ( بطل القوقعة لم يكن حتى سياسي ) ليحفر على جباههم تأريخ موتهم ويرحل .. لايعرفون متى سيعود ليأخذ أرواحهم معهُ
*******
سجون الطغاة العرب والمسلمون قاسيّة منذُ الأزل , كانوا زمن السلاطين يسملون عيون خصومهم حتى لو كان ذلك الخصم إبناً لهم طامح في العرش مثلاً !
أو كانوا يجلسونهم على القوازيق حتى تتمزق إحشائهم قبل كرامتهم
سجون البعث الفاشي لا تقّل قسوة وبشاعة عن سجون السلاطين
كلّما كان الحاكم أكثرُ جُبناً كلّما إشتد في قتل خصومهِ والتنكيل بهم , فهو يخشى دوماً الوقوع بايديهم لينال نفس المصير
الثقافة إذن هي المسؤول الأوّل عن هذا السلوك اللابشري
يكذب على نفسهِ من يتهم الإستعمار الخارجي , أؤلئك وصلوا اليوم مرحلة ليس فقط تجريم من يُعذّب سجيناً , لكن جريمة أيضاً مَن يُسلّم سجينا حتى لو كان قاتل للعشرات الى دولتهِ الأم خشية تعرضهِ للتعذيب
متى سنرحم أنفسنا مثلما يفعل الغرب مع الجميع ؟
المشكلة تجد مثقفين يدافعون عن بشار وبس

اخر الافلام

.. طلاب العلوم السياسية بفرنسا يتظاهرون دعمًا لغزة


.. علي بركة: في الاتفاق الذي وافقنا عليه لا يوجد أي شرط أو قيود




.. خليل الحية: حققنا في هذا الاتفاق أهداف وقف إطلاق النار وعودة


.. البنتاجون كأنه بيقول لإسرائيل اقتـ.لوهم بس بالراحة..لميس: مو




.. مستشار الرئيس الفلسطيني: المخطط الإسرائيلي يتجاوز مسألة استع