الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سطوة الزمن في ديوان الشاعر التونسي محمد عمار شعابنية -ثلاثون سماء تحت أرض الخوارزمي-

مصطفى لغتيري

2012 / 4 / 5
الادب والفن


علاقة الإنسان بالزمن علاقة مركبة و مربكة ، فهو يحيا في الزمن و به ،و الزمن يتحكم في سيرورته و مساره ، و كأن الصراع العميق للانسان في الحياة لا يجد التعبيرعنه إلا في الزمن أو الدهر أو غير ذلك من الأسماء.. ينتقل الإنسان في الزمن منذ طفولته المبكرة و ربما قبلها و يستمر ذلك إلى أرذل العمر بل قد يتجاوزه إلى ما بعد الموت..تنتسج علاقة الإنسان مع الزمن وتيقة و مخاتلة ..كل منهما يراود الآخر عن نفسه..لكن في آخر المطاف يتفوق الزمن على غريمه الإنسان ..وحده الشاعر بإحساسه المرهف العميق يحسن التعاطي مع الزمن الغادر ، فيتحداه شعرا .. يلعب به كيفما شاء ..ينتصر لطفولته و يغازل شيخوخته ، و يخلق أسطورته الخاصة التي تضمن له الخلود.
لقد وعى الشاعر التونسي محمد عمار شعابنية هذه العلاقة المتوترة مع الزمنـ، و أثثت جميل قوله على امتداد قصائده ، يقول الشاعر في قصيدته التي عنونها ب"الذي في يديه عصافير"
هل أجرجر وقتي طويلا
و أترك في باحة الروح عمري
جامدا و وقورا كجلمود صخر
حين أمضي إلى نقطة لا تحددها العين
أسألها عن حقول تبرر إجدابها
بانحباس المطر
و بما أن الشاعر راء من نوع خاص، فإنه يختزل الحكمة التي استنبطها من ملاحظاته الذكية و حدسه المفرط و تجربته الخاصة المنفتحة على تجارب الإنسان منذ الأزل في شعره ، فلا ضير و الحال هاته أن يختزل الزمن نفسه في درر القول ، و يقدمها في ما يشبه الحكمة و الموعظة ليتلقفها من أضاع موعده مع خبرة الأيام ، يقول الشاعر في قصيدته"" بيننا حالة"
فاعبروا وقتكم
فأنا موسمي واضح
و مواسمكم أمرها ملتبس
و ازرعوا حبة القمح..انتظروا
سوف يأكلها النمل
لكن حبتي أينعت
من بقايا السدس
هذه العلاقة بالزمن لا تستقيم دون أن تتجلى في بعدها الوجودي و النفسي في رحاب رديفها المكان ، فليس الزمان و المكان في آخر المطاف غير وجهين لعملة واحدة ، كل منهما يؤثر في الآخر و يتأثر به و يناغيه بدلال ، يقول الشاعر
يا نشيج الوقت
لا تحرق دمي
إنني بين انفعالات الثواني
واقف كالظل في الصورة
لا يعرفني إلا مكاني
و تستهوي شاعرنا المقارنة بين زمنه و زمن الآخر الذي قد يكون جحيما بتعبير سارتر ، فيستفيض في الحديث عنهما محكوما بمنطق " لكم دينكم و لي دين" يقول الشاعر
إنما وقتك من ملح
و وقتي حوسبته العولمة
فرصة سانحة للخوف
غول يذرع الصحراء
موت جائع يخبط في
عرض المحيط الأطلسي
في حضرة الشعر ينبثق الحنين إلى الطفولة ، فهي المبتدأ و المنتهى ، فالشاعر يظل طفلا مهما أوغل في السنين ، و حين يسترجع الطفولة ، فهو يؤكد على أن زمن الطفولة لا ينفلت أبدا من يدي الشاعر مهما حدث ، يقول شعابنية في قصيدة "رد على رسالة لم تكتمل بعد"
قلت لي ذات ربيع تلمذي
و أنا أعصر
برتقال الشعر
في كأس الطفولة
إن من باب الرجولة
أن تريق العرق المالح
في بيت القصيد
و لا تحضر الطفولة دون أن تستدعي نقيضتها الشيخوخة ، فالشاعر رغم انتصاره للزمن الطفولي البريء ، فإنه واع بأن الشيخوخة تزحف نحو الجسد ، و الزمن نهر هادر لا يمكن صده ، يقول الشاعر
و العزاء المر :أن نبحث عن حرف جديد
خوف أن تدركنا شيخوخة ترتبك
في عراء العمر
إذ تخرس أصوات المناجم
و تصير المدن الفيحاء أشباحا
و ينسى الوقت أنا
قد كتبنا.. و وهبنا.. و تعذبنا..و ذبنا.
و يتوغل الشاعر في لعبته الأثيرة مع الزمن ، فيتحداه و يتجاوز حدوده ، ليخوض في زمن اللاشيء ، زمن الموت الجسدي ، فيصر الشاعر على الحياة، حتى و إن تلقفه الموت البغيض ، فيكتب الشاعر في قصيدة " لأني .. وقد مت .."
لأني و قد مت
وزعت ميراث قلبي
على أصدقائي..
و أعدائي البررة
جميع الشوارع أفضت إلى منزلي
و أفضت حشود من الناس بي في انسكاب
إلى المقبرة
و يتالق الزمن عند شعابنية في قصيدة التي اختارها لتكون عنوانا لديونه فيقول
يمر شهر
قبل يوم
يرقص في دمي نجمان
أو قمران
أو شمسان
لينفذ من سماء تحت أرضي
رحلتي من أبنوس العمر
و مركبتي حروف الجبر
و برهاني..
ومعجزتي..
و سلطاني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو يوثق اعتداء مغني الراب الأميركي ديدي على صديقته في فند


.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز جسديًا على صديقته في




.. حفيد طه حسين في حوار خاص يكشف أسرار جديدة في حياة عميد الأد


.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين




.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي