الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سراب فراش أبيض , سلك معدني وحشرات تراب ندي

ابراهيم زهوري

2012 / 4 / 5
الادب والفن



على وشك أن نتعثر في كل خطوة , لم نتمكن من الهرب صوب المكان المناسب واختيار ملجأ يحمينا , اخترناالشارع الترابي لحائط السلسلة الحجري الطويل الذي يفصل بيوت المخيم من ناحية جنوب الشرق عن البساتين المجاورة , أنا أشده بعنف وعصبية المرتاع وأدفع به إلى جهة ما و هو مثلي يعاندني من شدة ذعره ويندفع إلى جهة أخرى معاكسة , شردنا لا نعرف ماذا نفعل أنا وأخي الأصغر كنا أطفالا صغارا على أكتافنا كاهل بضع سنين فقط, حينها كنا وحدنا نراقب دهشتنا اليتيمة في رؤية أقدام الناس وهي تهرول متخبطة هائمة نحو البساتين , تتراكض على غير هدى علها تتفادى مصير موت محتم أو مقدر, هكذا اعتقدنا وكأن قيام الساعة قد حان وبؤس النهايات البليغة قد أزف , أطفال مثلنا , رجال .. فتيات ونساء, نكتظ وكأننا في ميعاد موسم الحصاد ,نساء حارتنا يحملن" البقج" ويندبن حالهن باللطم والندب وشد الشعر وتعفيره بالتراب , لم يصدقن أن الطائرات الإسرائيلية يمكنها أن تلحق بهن إلى هذا المكان القصي في مدينة حلب بعد خمس وعشرين عاما من عمر النكبة , كانت الطائرات تحلق في كل الاتجاهات وتحوم فوقنا على مكان منخفض وتتابعها مباشرة طائرات أخرى من نوع مختلف ونحن ننبطح لا نحرك ساكنا في حقول الفاصولياءالخضراء نمضغ من ثمارها أحيانا كتسلية المنكوب في أول العمر, تناورعلى راحتها وتميل بأجنحتها المنحنية إلى الخلف وتغير كصقر من عل , تصعد إلى الأعلى وتهبط إلى الأسفل وكأنها تريد الاصطدام عنوة بالأرض , وكلما ابتعدت عنا نجهش بالبكاء , نرتجف ونعّض على شفاهنا , نمسح بأكمامنا غزارة الدموع وما ينزه أنف تمرغ بحصى الرمل , يرد إلى مسمع آذاننا عويل مختنق , حشرجة عجائز وصوت انفجارات بعيدة...صراخ طائش وسيل لعنات وشتائم , بقينا هكذامتسمرين حتى هبط المساء وعتمت العين , بدأ بعض الرجال الرجوع رويدا رويدا على استحياء إلى المنازل يجللهم هالة الصمت المطبق المريع وكأنهم قد أضاعوا لسانهم في بئر عميق, لم يتكلم أحد مع أحد بل جميعهم بدأوا بطلي زجاج النوافذ بالأزرق الكحلي الغامق يقينا منهم على أنها المتراس الأخير, بقينا هكذا لم نعرف النوم أو حتى تطل منه لنا غفوة جفن حتى أدركنا صباح المذياع الكبير وهو يعلن أن الطائرات اللعينة قدأسقطت وهي تعبر أجواء مدينة حماة باتجاه البحر , نعم نتذكرتلك الحادثة بعد كل هذه السنين لكننا لم نتحرر من شرور سجنها المديد بعد , لا بل مازلنا فيما بيننا نطرح الأسئلة تندرا كيف من قبيل الصدفة تحولت لعبة الأطفال التي كنا نلعبها " الصهاينة والعرب " إلى مشهد حي يرزق أمام أعيننا, كال لنا مرة واحدة و إلى الأبد أشباح الخوف الأزلي ومرارة الهزيمة النكراء في كأس واحدة من بعداعتيادنا بهجة النصر في نهاية اللعبة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انتظروا حلقة خاصة من #ON_Set عن فيلم عصابة الماكس ولقاءات حص


.. الموسيقار العراقي نصير شمة يتحدث عن تاريخ آلة العود




.. تأثير التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي على آلة العود.. الموسيقا


.. الموسيقار نصير شمة: كل إنسان قادر على أن يدافع عن إنسانيته ب




.. فيلم ولاد رزق 3 يحصد 202 مليون جنيه خلال 3 أسابيع