الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحليل استراتيجي : لعنة القذافي تطارد الغرب في دولة الطوارق الجديدة

الحسين المزواري

2012 / 4 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


يشكل الواقع الجديد الذي خلقه الطوارق في شمال مالي مفاجئة من العيار الثقيل لكل المراقبين و المتتبعين لشأن الساحل و الصحراء الأفريقي , ذلك انه و رغم طول تاريخ حركات الطوارق في شمال مالي و المنطقة والتي تطور تنظيمها سياسيا و عسكريا مؤخرا لتصبح في اكتوبر 2011 ما بات يعرف اليوم بـــ الحركة الوطنية لتحرير أزواد تم تلاها اليوم إعلان قيام جمهورية أزواد, الحركة الوطنية لتحرير أزواد هو التنظيم الرئيسي للطوارق في شمال مالي و يعتبر العمود الفقري الآن الذي يقود الحرب ضد سلطة باماكو , فإنه إلى وقت وجيز لم يكن ليتصور أحد المهتمين بالساحل و الصحراء سيطرة قوات الطوارق على العديد من مدن مالي و مواقعها التاريخية و كان أخرها مدينة تومبوكتو التاريخية بما لها من أهمية رمزية لدولة مالي, وحتى سقوط نظام القذافي في ليبيا مؤخرا لم يدفع الكثير من الدول المجاورة لمالي من أن تحتاط لإمكانية تزعزع ميزان القوى لصالح مقاتلي الطوارق , و حتى آخر التقارير الصادرة عن مكاتب للأبحاث العسكرية و الإستراتيجية الغربية المهتمة بمنطقة الساحل و الصحراء فشلت في التنبؤ بواقع الأحداث الآن في مالي, و كان موضوع القاعدة و الجماعات المقاتلة الأخرى التي قد ترتبط بها هو المستحوذ على مجمل تقارير هده المراكز فيما أصبح مادة دسمة في مجمل تقاريرها لا تنفك عن تخصيص صفحات مطولة لها للتحليل و القراءة.
ما يعزز هده المفاجئة التي خلقها الطوارق في شمال مالي هو :
أولا على مستوى المؤسسة العسكرية المالية التي دفع بها على ما يبدو سيطرة الطوارق بشكل سريع و مفاجئ على الشمال و تقهقره إلى القيام بانقلاب عسكري ضد سلطة امادو توماني توريه معتبرا أن هذا الأخير كان سبب الهزيمة العسكرية و الخسائر الكبيرة المادية و المعنوية التي مني بها شمال البلاد , و هو ما يمكن اعتباره محاولة من قيادات الجيش من التهرب من مسؤولية الهزيمة و تداعياتها على قياداتهم العسكرية و حتى صورتها الإقليمية و الدولية ارتباطا بعلاقاتهم المعروفة بدول الجوار و الدعم المادي و اللوجيستيكي المعروف الذي تتلقاه من الولايات المتحدة الأمريكية و فرنسا في إطار ما يقال عن محاربة القاعدة و الجماعات المرتبطة بها في الساحل و الصحراء الأفريقي, الانقلاب يبدوا فكرة سيئة زادت في فشل الجيش المالي ,ففي مقابل أن يكون عامل قوة و ردع للطوارق كما تصوره قادة الانقلابيين, أعطى الفرصة لحركة الطوارق في المزيد من الزحف على كل منطقة أزواد كما زاد في عدد الانشقاقات في صفوف الجيش في اتجاه مقاتلي الحركة الوطنية لتحرير أزواد و زاد أيضا في عمليات الهروب من الخدمة العسكرية , واضح إذن أن حسابات قادة الانقلابيين خاطئة و ساهمت في تسريع انهيار جيشهم و تقهقره إلى بماكو, ويبدو أن الانقلابيين في مالي باتوا الآن يواجهون الحرب من جهات عديدة ,فمن جهة هناك الطوارق و القاعدة ومن جهة أخرى مشكل عدم انضباط جيشهم , و من جهة ثالثة عدم الاعتراف الدولي و الإقليمي بهم و أيضا العقوبات التي تفرضها المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا عليهم و أثرها الكبير خاصة و أن كل حدود مالي برية و لا منافذ لها نحو البحر و اقتصادها مرتبط بالتبادل مع الدول المجاورة,كما أن هناك امكانية لتدخل عسكري من طرف قوة عسكرية شكلتها دول غرب إفريقيا و يبدوا أنها في طريقها لإزاحة الانقلابيين عن السلطة.
أما المستوى الثاني فهو الإرتباك الحاصل في المواقف الدولية تجاه سيطرة الحركة الوطنية لتحرير أزواد على شمال مالي ,فبخلاف الموقف الواضح من طرف المجتمع الدولي و على رأسها أمريكا و فرنسا ودول جوار مالي على اعتبارها الأولى المعنية بالأمن في المنطقة الرافض لفكرة الانقلاب على الشرعية الدستورية في مالي , لم يكن موقفها واضح إزاء الواقع الجديد الذي خلقه الطوارق في شمال البلاد ,و باستثناء التحذير الذي أطلقة وزير الخارجية الفرنسي ألان جوبيه عن كون الساحل الأفريقي مهدد بالسيطرة عليه من طرف الجماعات الإسلامية المقاتلة , اختارت الدبلوماسية الأمريكية و دبلوماسية الدول المجاورة التريث في اتخاذ موقف متشدد ضد قادة الطوارق الذين باتوا يسيطرون على مجمل شمال مالي و قد أعلنوا اليوم قيام دولتهم على كل أراضي أزواد , هدا الموقف المرتبك يُفسًر بالخوف من منطق المفاجئة الذي ميز ظاهرة الطوارق في شمال مالي ,وكان الانتظار سيد الموقف حتى تتضح الأهداف الحقيقية للطوارق و توجهاتهم الوطنية و أولوياتهم و ربما مواقفهم اتجاه مصالح فرنسا و الولايات المتحدة و الدول المجاورة إن كانت ستتضرر أم سيحتفظون بها في دولتهم الجديدة التي يعتزمون إعلانها , وبالرغم من لغة الطمأنة التي ميزت بيان دولة الطوارق واستعداده للحفاظ على مصالح الغرب و التعاون مع دول الجوار في ذلك و أيضا اعترافهم بالحدود الحالية للدول المحايدة لأزواد ,فان المصالح الغربية و مصالح دول الجوار أصبحت مهددة بالفعل بعد اختطاف دبلوماسيين جزائريين في إحدي قنصليات الجزائر في مدينة جاو جنوب أزواد, تُم إن أي موقف متشدد و متسرع اتجاه الطوارق ممكن أن يكون ذا نتائج عكسية قد يزيد في تأزم الوضع في المنطقة و على هذا الأساس, الولايات المتحدة الأمريكية و فرنسا حريصة على أن لا تتواجه بشكل مبكر مع الطوارق و ضمان أن يبقى سلاحهم الذي انتقل إليهم من كتائب القذافي بين أيديهم وربما إمكانية التعامل معهم مستقبلا عوض أن يصير هذا السلاح في أيادي الجماعات المقاتلة و لا خيار أنداك إلا المواجهة العسكرية و هو ما لا يمكن أن يحصل في هده الظروف خاصة و نحن على أعتاب انتخابات رئاسية في كل من فرنسا و الولايات المتحدة الأمريكية حيت ساركوزي و أوباما حريصين على ألا يرتكبوا أخطاء إستراتيجية قد تضعف حظوظهم في عدم انتخابهم مرة أخرى.
كيف تغيرت موازين القوى لصالح الطوارق ؟
إن سيطرة الطوارق على شمال مالي راجع أساسا إلى الجنود الذين التحقوا بحركتهم و الذين كانوا يقاتلون في صفوف كتائب القدافي و هربوا من ليبيا بعد سقوط النظام الليبي و أيضا نوعية السلاح الذي حملوه معهم إلى شمال مالي , و لعل تطور هدا السلاح هو من الأسباب الرئيسية التي خلخلت موازين القوى العسكرية لصالح الطوارق , بالإضافة إلى كون بعض قادة الضباط الذين قاتلوا إلى جانب القذافي يحتاجون إلى تعويض الامتيازات التي خسروها في ليبيا بخلق واقع جديد يحفظ لهم نفس النفوذ في شمال مالي على اعتبار العامل العرقي و اللغوي الذي يجعل مالي مفضلة أكثر من أي مكان آخر تتواجد فيه عرقيات من الطوارق,
تداعيات دولة جديدة في شمال مالي ...
على مستوى الأمن الإقليمي , بالرغم من إمكانية استفادة بعض الأنظمة السياسية بالواقع الجديد في شمال مالي أي استمرار مبرر شرعيتها و هو محاربة الإرهاب و القاعدة كما هو الحال بالنسبة للجزائر و ربما موريتانيا , يعتبر قيام دولة جديدة في شمال مالي تحدي أمني كبر لهده الأنظمة ,ذلك أن هده الأخيرة ستكون ملزمة بتأمين الحدود الواسعة مع هده الدولة الجديدة أي ما يعني جهد أُحادي من طرفها لتأمين الحدود مع دولة الطوارق التي ستكون بلا شك هشة أمنيا و ضعيفة الخبرة في التصدي لخطر الجريمة العابرة للحدود و ستكون ضعيفة لا محالة اتجاه الجماعات الأسلمية المقاتلة التي أصبحت فعلا تتقاسم السيطرة على بعض المناطق في شمال مالي بينها و بين الطوارق كما هو الحال بالنسبة لجماعة أنصار الدين.
من ناحية الأمن الدولي , الولايات المتحدة و فرنسا قد لا ترغب في قيام دولة جديدة هشة و فاشلة قد تتسبب لها في مشاكل أمنية تهدد رعاياها في دول الجوار المالي و تهدد مصالحها الاقتصادية والذي سيكون مصدر هذا التهديد هو ما تعتبره فرصة كبيرة للجماعات المقاتلة من اجل التغلغل في المنطقة و القيام بأعمال إرهابية في كل مناطق الساحل و الصحراء الإفريقي و هو الشيء الذي لم تسلم منه مصالح فرنسا في بعض البلدان كالجزائر و موريتانيا و النيجر و حتى مخيمات البوليساريو في تندوف.
على مستوى أقليات الطوارق في بلدان الجوار و الحركة الأمازيغية في المنطقة ...
إن قيام دولة جديدة للطوارق في شمال مالي يمكن أن يفتح شهية باقي العرقيات الطوارقية في دول الجوار المالي, في الجزائر و في ليبيا ,وفي موريتانيا و النيجر ,و يدفعها للتمرد على حكوماتها المركزية في هده البلدان بخلق واقع مثيل في منطقة أزواد, كما أن هده الدولة الوليدة يمكن أن تكون ملاذا للحركات و التوجهات الراديكالية و المتطرفة من داخل الحركة الأمازيغية وأن كانت تختلف فيما بينها حول توجهاتها الايديولوجية على اعتبار أن حركات الطوارق اقرب إلى الحركات الإسلامية من حيت خطابها بينما الحركة الأمازيغية في دول شمال إفريقيا هي ليبرالية و علمانية التوجه ,لكن في كل الأحوال استقلال ازواد سيشكل مصدر قلق لدوائر القرار في الجزائر و ربما في المغرب و في ليبيا كما سيعزز مواقف التوجهات التي تتبني خيار المواجهة العسكرية مع حكوماتها من أجل انتزاع ما تعتبره حقوق سياسية و ثقافية حرمت منها طوال عقود من الزمن و يُضعف بالمقابل رأي التوجهات المعتدلة التي لا تتبنى العنف و استطاعت هده الدول أن تتعامل معها و تشرك بعض من رموزها في مراكز القرار و كان لها الدور في الجديد التنوعي و الثقافي الذي حملته بعض قوانين هده البلدان و دساتيرها كما هو الشأن بالنسبة للمغرب الذي اعترف مؤخرا بالثقافة و اللغة الأمازغيتين كلغة و هوية رسمية في دستوره الجديد, و كما فوجئ القذافي بالثورة التي قامت ضده في ليبيا فاجأ هو الأخر العالم و فرنسا و أمريكا بالتحديد و هو في قبره بخلق واقع جديد في شمال مالي عن طريق العسكريين الذين تدربوا في ليبيا و سلاحه الذي حملوه معهم , و كأنما يقول القذافي للغرب وهو في قبره, إن استقرار مالي و صحراء إفريقيا مرتبطة بنظامي الذي ساعدتم الثوار حتى الإطاحة بي, و إن لعنتي ستضل تلازمكم و أنا ميت كما كانت تلازمكم و أنا على قيد الحياة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاستاذ الحسين المزواري المحترم
عبد الرضا حمد جاسم ( 2012 / 4 / 7 - 17:59 )
تحيه وتقدير
شكرا على هذا التفرير والتحليل الوافيين
نعم لعنة القذافي ستلاحق الجميع وبالذات فرنسا وهذه الاحداث اول الغيثالغرب الغبي وامريكا الاغبى ليس فيها عقول سياسه وامنا فيها سماسره يقبضون ويذهبون دون حساب
القادم صعب عليهم ولكنهم سينزوون ويتحمل اخطائهم الشعب
اكرر التحية لك


2 - المعادلة
انسان ( 2012 / 4 / 7 - 23:59 )
شركات السلاح العالمية هي من اقوى اللوبيات في العالم بحيث انها تمتلك بالاضافة لمصانعها الحربية وسائل اعلام ومراكز ابحاث وعلماء واكبر نفود في الحكومات الغربية المسيطرة بدورها على كل العالم بما فيها منطقتنا وهم في حاجة لتسويق وتجريب اسلحتهم الجديدة فلا بد لهم اذن من خلق واصطناع مناطق توتر ولو على حساب قضايا حقيقية


3 - مشكل الطوارق ليس مولود جديد
كمال ابرهيم ( 2012 / 6 / 29 - 21:12 )
شكرا على هذا المقال العميق في التحليل ..

اخر الافلام

.. شبح -الحي الميت- السنوار يخيم على قراءة الإعلام الإسرائيلي ل


.. الحركة الطلابية في الجامعات : هل توجد أطراف توظف الاحتجاجات




.. جنود ماكرون أو طائرات ال F16 .. من يصل أولاً إلى أوكرانيا؟؟


.. القناة 12الإسرائيلية: إسرائيل استخدمت قطر لتعمّق الانقسام ال




.. التنين الصيني يفرد جناحيه بوجه أميركا.. وأوروبا تائهة! | #ال