الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تركيا متعددة الوجوه والأقنعة

تميم منصور

2012 / 4 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


مهما تقمص دهاقنة السياسة الحاليين في تركيا من حركات وانفعالات وتصريحات تعبر عن الغضب المفتعل بهدف إيهام العرب بأن تركيا قادرة على ملء الفراغ السياسي الذي سببته الهوة العميقة بين القادة العرب وشعوبهم، خاصةً بعد رحيل الرئيس الخالد جمال عبد الناصر وبأن تركيا اليوم ليست تركيا جلال بيّار وعدنان مندريس وكنعان افريل وتانسو شيلر واجاويد وثله من الجنرالات التي دأبت على فصل الأتراك عن تاريخهم وحضارتهم الإسلامية .
كل هذا المزاج السياسي الملون ولعب الأدوار في سيرك الانفعالات والعداء المصطنع لإسرائيل لم يعد قادراً على التستر على نوايا حكومة أردوغان التي تسعى حتى اليوم احتواء مشاعر المواطنين العرب عن طريق بوابات الصراع العربي الإسرائيلي ، لقد سقط هذا القناع ولم تعد حكومة أردوغان و أحمد اوغلو الاستمرار في سياسة الخداع هذه وباتت خطة هذه الحكومة معروفة للجميع فهي تسعى لاستخدام الأقطار العربية خاصةً المحيطة بها امتداداً وعمقاً استراتيجياً وسياسياً لها.
سبب هذا التحول يعود إلى رفض مجموعة الدول الأوروبية الاستمرار في التعاون اللا محدود مع تركيا وقبولها عضواً في منظومته الاقتصادية، لأن الغرب لم يعد بحاجة إلى ابتزاز تركيا أكثر لا من الناحية الاقتصادية ولا من الناحية العسكرية والسبب كون تركيا لم تعد تشكل الدرع وخط الدفاع الأول عن أوروبا كما كان الأمر أيام الحرب الباردة، فقد نجحت دول الناتو ومعها الولايات المتحدة من ربط مجموعة من دول أوروبا الشرقية بعجلتها الامبريالية أي أن حاجتها لتركيا أصبحت ثانوية.
إن تركيا اليوم لا تختلف كثيراً عن تركيا العثمانية ، فالأخيرة كانت السبب في تأخير يقظة القومية العربية كما ساهمت في قتل حركات التحرر العربية وهي لا تزال في المهد ، أما تركيا اليوم فإن إستراتيجيتها مبنية على تجزئة الدول العربية المحيطة بها خاصةً العراق وسوريا ، من أجل تحقيق هذه الغاية تآمرت على العراق وتعاونت مع القوات الغازية لهذا القطر سنة 2003، وعندما فشلت في الهيمنة على النظام القومي الممانع في سوريا تواطأت حكومة أردوغان مع رموز الرجعية العربية ومع الولايات المتحدة ومع بريطانيا وفرنسا كما تواطأت مع العملاء السوريين وعصابات الإرهابيين من أجل إسقاط النظام في دمشق .
إن تركيا لا تزال تحلم بالسيطرة على المزيد من ألأراضي السورية خاصةً المكملة منها لمنطقة الاسكندرونة مع العلم أن لواء الاسكندرونة بكامله والبالغة مساحته حوالي عشرين ألف كم 2 هو ملك سوريا عبر التاريخ.
غالبية المواطنين الذين يعيشون حتى اليوم في هذه المناطق هم عرب سوريون ومما هو جدير بالذكر أن فرنسا حذت حذو بريطانيا وقامت باقتطاع لواء الاسكندرونة وتسليمه لتركيا في غفلة من الزمن سنة 1939، هذا ما فعلته بريطانيا في فلسطين من خلال وعد بلفور سنة 1917.
يجب التنويه بأنه عندما قامت دولة الوحدة بين مصر وسوريا سنة 1958 ورد في نظامها السياسي بنداً واضحاً ينص على إعادة لواء الاسكندرونة المغتصب إلى وطن الأم سوريا .
تركيا أردوغان ومعها غالبية الأنظمة التي جلست تحت سقف ما سمي بمؤتمر أصدقاء سوريا للردح والعويل على حقوق المواطنين السوريين هم أول من يصادر حقوق الإنسان في بلادهم وفي بلاد أخرى.
أين هي حقوق الإنسان التي ترعاها أمريكا في العراق وفلسطين وأفغانستان ؟ أما بالنسبة لعربان الخليج أعداء التطور والتقدم والديمقراطية فإن الحديث عن هذا الموضوع بالنسبة لهم مضيعة للوقت.
تبقى تركيا سيدة المراوغة والنفاق داعية المؤتمر المذكور، تقف في مقدمة الدول التي تتنكر لحقوق الأقليات الاتينة والدينية فيها ، إن تركيا تدعي بأنها تريد تصدير الديمقراطية لسوريا ، هي التي حرمت وصادرت هوية السوريين العرب الذين يعيشون تحت سلطتها الإستبدادية في لواء الاسكندرونة وخارجه، حتى اليوم تقوم السلطات التركية بمنع العرب من التحدث بلغتهم وتحرمهم من تعلم لغة الضاد في مدارسهم لأن هذه اللغة رغم أنها لسان ولغة القرآن الكريم تعتبر من المحرمات في تركيا.
كما أن سياسة تركيا لا تزال امتداداً لسياسة أتاتورك وسياسة جمعية الإتحاد والترقي التي حاصرت الأقليات القومية والدينية وعملت على تتريكهم فالأكراد والأرمن محرومون من التحدث بلغتهم وممنوعون من الاحتفال بأعيادهم هذا إلى جانب عمليات الإبادة التي يقوم بها جيش تركيا ضد الأكراد لأنهم يطالبون بالاستقلال الذاتي، إن حكومة تركيا الحالية لا تزال تلتزم بالقوانين العثمانية السابقة التي تمنع من المسيحيين الأتراك بناء أية كنيسة جديدة لهم كما أنها تتدخل وتحدد ممارساتهم في أداء طقوسهم الدينية .
أما بالنسبة للإسلام فإن كل المعطيات تؤكد بأن تركيا دولة إسلامية بدون إسلام فأكثر إسلامها للسياحة وليس للعبادة وكل من زار تركيا لمس ذلك، مع ذلك تبقى هذه خيارات بين الخالق والمخلوق .
إن كل من يحاول التعرف على مناهج التعليم في تركيا منذ عهد أتاتورك حتى اليوم يفاجأ بأن تعليم أصول الديانة الإسلامية يبدأ في المدارس التركية منذ سن الخامسة عشر وأن التعليم هذا اختياري وليس إلزامي.
إن مشكلة تركيا منذ عهد أتاتورك حتى اليوم تنحصر بأنها كانت ولا تزال تعاني من الشعور بالنقص لأنها دولة إسلامية وشرق أوسطية، هذا الشعور دفعها دائماً إلى الارتماء بأحضان الدول الأوروبية وبأحضان أمريكا وأحضان إسرائيل، فقد انضمت إلى حلف الناتو العدواني منذ بداية الخمسينيات من القرن الماضي كما أنها وصفت نفسها دائماً في خط الدفاع الأمامي عن المصالح الامبريالية في منطقة الشرق الأوسط ومناطق أخرى في العالم.
ناصبت العداء لحركة التحرر العربية طوال نصف القرن الماضي وكانت عضو في حلف بغداد الذي أقيم لضرب حركة التحرر العربية ولكي يكون حاجزاً يمنع التغلغل الشيوعي من الإتحاد السوفيتي إلى الشرق الأوسط،، كانت تركيا أكثر دول هذا الحلف وحلف الناتو تطاولاً على الإتحاد السوفيتي ولولا خوفها من قيام هذا العملاق الداعم للشعوب المغلوب على أمرها بسحقها ارضاءاً لأسيادها، لمنعت سفنه المرور من المضائق.
إن تعاون تركيا الحالية مع القوى الامبريالية لم يتوقف، فهي كانت ولا تزال تستخدم عمقاً إستراتيجياً لإسرائيل ، تتعاون معها ضد إيران وضد المقاومة اللبنانية وضد سوريا ، كما ان أن حكومة اردوغان لم تسحب القوة العسكرية التركية التي تشارك بالعدوان على الشعب الأفغاني ، لن تكون تركيا أردوغان وغير أردوغان القبلة التي تتطلع إليها الشعوب المقهورة ما دامت تستخدم عصا بأيدي
القوى الرأسمالية والامبريالية وما دامت أراضيها مباحة أمام حلف الناتو و إسرائيل وجميع القوى المعادية للسلام.
مشكلة تركيا أنها كانت ولا تزال تتصرف كالألهة الهندوسية المعروفة بتعدد أذرعها فهي من جهة تريد ارتداء جلباب الإسلام ومن جهة ثانية تريد أن تكون دولة أوروبية وثالثة دولة علمانية ورابعة دولة شرق أوسطية وخامسة دولة عظمى مؤثرة، لكن للأسف حركة وقوة هذه الأذرع ضعيفة ومحدودة في غالبيتها اصطناعية لا علاقة للشعب التركي بها ولا علاقة للإسلام بوجودها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تركيا
أحمد سامي ( 2012 / 4 / 7 - 17:37 )
تركيا دولة تسعى لمصالحها مثل كل دول العالم و مصالحها تنبع من رؤية شعبها

تركيا هي الدولة الوحيدة من بقايا العثمانيين التي تحررت فعلاً من أرثهم السياسي والقانوني والديني - فهي إسلامية بدون إسلام أرجو أن يصبح الشكل السياحي للإسلام هو السائد

لا أدري هل سيرغب سكان اللواء السوريين الانضمام إلى سوريا أو أنهم يفضلون البقاء ضمن تركيا - أعرف تماماً أراء العديد منهم

-ورد في نظامها السياسي بنداً واضحاً ينص على إعادة لواء الاسكندرونة المغتصب إلى وطن الأم سوريا- أين كان هذا البند في السنوات العشرة السابقة للثورة ؟؟

سؤال للمؤلف: هل تهتم فعلاً بحقوق الإنسان - هذا جيد إن كان حقيقياً





اخر الافلام

.. عواقب كبيرة.. ست مواقع بحرية عبر العالم يهددها خطر الاختناق


.. تعيش فيه لبؤة وأشبالها.. ملعب غولف -صحراوي- بإطلالات خلابة و




.. بالتزامن مع زيارة هوكشتاين.. إسرائيل تهيّئ واشنطن للحرب وحزب


.. بعد حل مجلس الحرب الإسرائيلي.. كيف سيتعامل نتنياهو مع ملف ال




.. خطر بدء حرب عالمية ثالثة.. بوتين في زيارة تاريخية إلى كوريا