الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على هامش الثورة المصرية (51): أبو إسماعيل ومسلسل إسقاط الدولة

عبير ياسين

2012 / 4 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


من منا لا يتذكر مقولة و"هكذا سقطت لويز" التى وردت عدة مرات فى فيلم الناصر صلاح الدين، ففى مقارنة واضحة ورائعة طرح الفيلم وجهتى نظر مختلفتان كليا حول الحب والكراهية، والسلام والحرب، ومعايير بناء الدول والمعاهدات ضمن أشياء أخرى كثيرة خارج سياق الحديث هنا، ووسط كل الجدل الدائر بدون توقف حول جنسية والدة حازم أبو إسماعيل المرشح المحتمل للرئاسة المصرية وتأثير حصولها على الجنسية الأمريكية من عدمه على مسيرة أبو إسماعيل الانتخابية وعلى مسار العملية الانتخابية ككل ترددت على هامش المشهد مقولة وسقطت الدولة على طريقة وسقطت لويز وفى الخلفية الجدل دائر على طريقة الفيلم بين حكم مبارك القائم على الفساد والإفساد، وفكر الثورة -المفترض- القائم على البناء والإصلاح... ما بين حكم قائم على كره الدولة والشعب والعمل من أجل مصالح ضيقة تخص البعض، وحكم الحب القائم على بناء الدولة والانسان وضمان السيادة للمواطن... ما بين نظام لم يسقط ويستمر فى إسقاط الدولة وهيبتها، ونظام يواجه الكثير من التحديات والضغوط والحملات من أجل إفشاله وإعادة الصورة لما كانت لعقود ممتدة.

ولعل السؤال الأول الوارد طرحه سيكون حول العلاقة بين جنسية والدة أبو إسماعيل والدولة؟ أليست قضية شخصية، وأليس الخطأ هو خطأ المرشح نفسه الذى لا يعرف أن والدته حصلت على الجنسية الأمريكية أو يعرف وكذب كما يرى البعض، وبالتالى فأن المسألة لا تخص الدولة ولا تخص أحد خارج المرشح نفسه. وبصراحة فأن تلك الطريقة فى النظر للمسألة ممكنة ولكن فور طرح القضية ككل علنا، فمن الطبيعى أن المرشح وهو بالأساس محامى يعرف ما يخص والدته ويعرف ما يخص اشتراطات الترشح بما يعنى أنه أن حدث وصدق خبر حصول والدته على جنسية أخرى يكون المرشح مسئول مسئولية مطلقة على ما حدث، وتتجاوز مسئوليته مجرد الكذب والتدليس العادى لقضية أكبر خاصة بالتوكيلات التى حصل عليها والوقت الذى استنزف من وقت الجدل السياسى معه وعنه. ولكن مع استمرار القضية لبعض الوقت وحالة الجدل المرتبط بها وخاصة فيما يتعلق بالشق الرسمى تجاوز الخطأ حدود المرشح الفرد -دون أن يسقطه أن ثبت- ليمتد لحدود الدولة ودورها وحقيقة قدرتها على القيام بأدوارها وبشكل محدد فى القائمين على شئون الدولة.

وهنا علينا أن ننظر للقضية بعيدا عن المرشح الرئاسى نفسه، وبعيدا عن اختلافنا أو اتفاقنا معه، وبعيدا عن اتفاقنا أو اختلافنا مع النص على الجنسية المصرية والتى لا تعبر عن معلومة جديدة فى الحدث الحالى رغم ما تحظى به الآن من جدل. القضية الأساسية التى نحن بصددها هى وجود دولة يفترض أن لديها وزارات وقدرات وإمكانيات تؤهلها للقيام بألف باء مهام وهى معرفة جنسية مواطنيها، ومعرفة كيفية التحقق من جنسية مواطنيها، وامتلاكها للآليات اللازمة للتوصل لمعرفة جنسية مواطنيها عندما تحتاج لهذا الأمر. مع أدراك أنه مع الثورة لم يحدث قطيعة مع ما سبق يمكن من خلالها تبرير أى أخطاء تحدث من قبل مؤسسات الدولة أو استخدامها كمبررات للحديث عن أى خلل فى الأدوار المفترضة. وعندما نضيف لتلك النقاط الأساسية المفترضة حقيقة أن تلك الدولة اشترطت أن يتمتع المرشح للرئاسة ووالديه وزوجته بالجنسية المصرية فقط دون غيرها، وأنها طالبت وزارة الخارجية بالتحقق من هذا عبر سفاراتها فى الخارج فأن التحقق من خبر يصعد إلى السطح مثل جنسية والدة مرشح أو جنسية مرشح أو والده يفترض أن تكون مسألة قصيرة الآجل لا تحتاج إلى هذا الجدل الممتد ولا إلى الغموض والصمت. فالمفترض أن الدولة كنظام قادرة على القيام بهذا خاصة وأن المطلوب من مؤسسات الدولة فى تلك الحالة هو التواصل مع الأجهزة المعنية فى الداخل والخارج فى جزئية محددة هى حصول والدة المرشح أبو إسماعيل على الجنسية الأمريكية من عدمه؟ وهو نفس ما ينطبق على غيره أيضا. وكان من الممكن أن يتوقف الجدل أن تم إدارة الملف نفسه بطريقة مسئولة تتماشى مع الحدث والتغيير المطلوب.

ولكن بدلا من الرد بحزم وبشكل واضح وجدنا أنفسنا فى مواجهة مع حالة من الصمت غير البناء والتجاهل واستمرار مسلسل الاشاعات والتسريبات عن جهات مسئولة ومصادر ترفض الكشف عن هويتها وغضب وتوعد وتخبط وغيرها من المواقف التى كان يمكن تجنبها أن قامت مؤسسات الدولة بدورها وهو ما يدشن لإستمرار مسلسل سقوط الدولة وهنا يصبح السؤال أن كانت الدولة قادرة فهل هى راغبة؟ والإجابة لا، فالدولة غير راغبة فى القيام بدورها كدولة محترمة قائمة على المؤسسات والقوانين والقيام بالإدوار المنوطة بها فى العموم وفى تلك اللحظة التاريخية الحاسمة على وجه الخصوص. فالدولة معبر عنها بالنظام الحاكم لازالت راغبة فى استمرار مسلسل مبارك فى الحكم والالتزام بكتابه القاضى بترك كل الأشياء للتفاعل على الأرض فى طريقة أقرب لتكسير العظام فى مرحلة ما بعد الثورة ولفرق تسد فى مرحلة ممتدة من عصور الاحتلال. وبالتالى، أن كان قيام الدولة بدورها يعنى تقصير مدة الجدل وترك الوقت للتركيز على القضايا المهمة فأن النظام يفضل أن يصمت وأن تبدو الدولة بمظهر الفاشلة أو الضعيفة أو المرتبكة كما هو الوضع منذ الثورة على أن يفقد النظام المناصب والكراسى فالسلطة مقدمة على هيبة ومكانة ودور الدولة، كما أنها مقدمة على الشعب وحقوقه.

وبهذا، لا يمكن القول أن قضية جنسية والدة أبو إسماعيل هى قضية مرشح رئاسى فقط، ولكنها قضية تضاف لما سبقها من مسلسل طويل يقصد منه أظهار ضعف الدولة وغياب هيبتها كوسيلة من النظام المراد إسقاطه لإفشال الثورة وتأكيد وجود انعكاسات سلبية للثورة على هيبة الدولة وقدرتها، مع التأكيد على أن الثورة أخرجت عناصر كاذبة للواجهة بما يقصد منه ترسيخ بقاء النظام المراد إسقاطه بدلا من تغييره وإنجاح الثورة، كما أنها تساعد على استمرار الجدل حول قضايا هامشية وعدم التركيز على القضايا المصيرية المتعلقة فى المرحلة الحالية بالدستور الذى يمكن أن يدشن لإستمرار نموذج الكره، أو يدشن لبداية نموذج الحب وبينهما فارق شاسع يتجاوز جنسية والدة مرشح رئاسى لمستقبل وطن وحلم ثورة وتغيير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تسارع وتيرة الترشح للرئاسة في إيران، انتظار لترشح الرئيس الا


.. نبض أوروبا: ما أسباب صعود اليمين المتشدد وما حظوظه في الانتخ




.. سبعة عشر مرشحا لانتخابات الرئاسة في إيران والحسم لمجلس الصيا


.. المغرب.. مظاهرة في مدينة الدار البيضاء دعما لغزة




.. مظاهرات في تل أبيب ومدن أخرى تطالب بالإطاحة بنتنياهو