الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حركة ثورية أم فوضى خلاقة ؟

عقيل طاهر

2012 / 4 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


يدخل المرء بستاناً في غاية الجمال ، مأخوذاً بالجمال لدرجة الجنون , يتوجه نحو الشجرة يقطف ثمارها لكنه يتسمم و يموت ! يقول تولستوي : (( وهم غريب أن تفترض أن الجمال هو الخير )) هذا هو الربيع العربي . فالربيع العربي جميل جداً لدرجة أننا نفترض أنه الخير و نحن على وشك أن نذهب إلى تلك الشجرة و نأكل ثمارها التي ستسبب بموتنا جميعاً .
يأتينا الربيع العربي , بطريقة سريعة , يهدم دولاً و يبني دولاً خلال سنة فقط . الجماهير مبهورة بهذه العاصفة , التي يرونها , من جانبهم , نسيم , فيتمشى الجمهور لابساً ملابس قصيرة آملاً أن يتمتع بالجو الجميل الذي سرعان ما يثبت عكس آماله .
الأسئلة الملحة التي يجب علينا أن نطرحها, هل الربيع العربي أتى بطريقة عشوائية ؟ أي أنتفاضات شعوب يائسة , أم هي من أبتكار اجنبي – و تحديداً أبتكار الولايات المتحدة – و هل كل هذه التضحيات تأتي تحت عنوان : فوضى من أجل الحرية أم فوضى خلاقة ؟ . و لا بد منا أن نحدد معنى " الفوضى الخلاقة " و جذور هذه الفكرة , التي – بإحتمال كبير – تأخذ مجراها في عالمنا العربي لتغير أنظمة ليس في سبيل تحرير الشعب – في معناها الأصلي – بل في سبيل مصالح أمم عظمى تكسب من وراء هذه الفوضى التي تحدث في عالمنا العربي , و لكننا لا يمكننا بهذه السهولة بوح أن الربيع العربي " مؤامرة أمريكية " من دون طرح إثباتات كافية و قوية تدل على تلك التهمة , و في مثل الوقت , لا يمكننا أن نقول أن تلك الثورات من أبتكار الشعب من دون أن نقدم إثباتات قوية تدل على ذلك .
المشكلة التي تداهمنا حالياً , هي الخلل في المفاهيم , فما هو الخير و ما هو الشر ؟ فهل الأنظمة الدكتاتورية الأستبدادية هي أفضل من الأنظمة الجديدة المدعومة أمريكياً ؟ , أو بالأدق , تلك المشكلة التي تداهم الشعب العربي – عموماً – فالفرد العربي لا يعرف أن يقف بجانب من . و أياً كان المسؤول عن تلك الأحداث , فهو متقصد و متعمد في خلق تلك الفوضى التي نشهدها اليوم , ليتحرك بشكل سريع في تلبية آماله و طموحاته .
فالأنظمة الدكتاتورية الإستبدادية , , كانت تتشدق بالوحدة و ثبات الدول , على سبيل المثال , (( معمر القذافي )) في " ليبيا " , فبغض النظر عن ماذا فعل و قتل و عذب ألخ , لكن ليبيا كانت ثابتة و متمسكة و الأهم مستقلة من القيود الأمريكية , و لكن الآن بعد سقوطه , ليبيا على وشك أن تنقسم . فالثورات التي تحدث في عالمنا العربي , ثورات ليس لها نظرية تقودها أو هدف سياسي واضح باستثناء ( الشعب يريد إسقاط النظام ) , فتلك ليست ثورات و لكن حركات فوضوية , فهل تلك الحركات الفوضوية تهدف إلى الحرية من قيود الإستبداد و الدكتاتورية ؟ من وجهة نظر الشعب فالجواب هو نعم , و لكن ما البديل ؟ لا يعرفون الجواب . و قد قلنا سابقاً في مقال ( أزمة الماركسية و غيابها عن الساحة السياسية ) كيف أبتعدت الأحزاب الشيوعية عن الساحة السياسية و تركت الساحة للإسلام السياسي , و يجب علينا أن نحدد هذا الإسلام السياسي أيضاً , ففي مصر القوة الإسلامية السياسية المسيطرة هي ( السُنية ) أيّ السلفيين و الإخوان المسلمين , و هذا يطبق على تونس و ليبيا و سوريا . فالإسلام السياسي السني يقود تلك الإنتفاضات الفوضوية تحت أجندات معينة و محددة , فهم من جانب – أي قوى الإسلام السياسي السني – يستفيدون من تلك الفوضى , حيث لا هدف إلا ( إسقاط النظام ) و من السهل ركوب تلك الموجة و التحدث بإسمها , و من جانب آخر , الجماهير التي تطالب ( إسقاط النظام ) ليست معتنقة لإيدلوجية معينة أو أفكار معينة فالمطلب فقط هو ( إسقاط النظام ) ليس بناء دولة ( فاشية ) أو دولة ( شيوعية ) أو ( إسلامية ) , و لكن في ظل هذا الفراغ الفكري يداهم الإسلام السياسي السني إلى هذه العقول و يغذيها بالجنة و النار و الحور و الفردوس , فالجماهير الفارغة فكرياً يسهل إستغلالها , و هذا ما فعل الإسلام السياسي السني في مصر , و تونس , و سوريا , و ليبيا . و الأمر لا يقتضي فقط على الإسلام السياسي السني , بل نجد أيضاً الإسلام السياسي الشيعي , الموجود بكثافة في المنطقة الشرقية و البحرين و العراق و لبنان , فالإسلام السياسي الشيعي على غرار السني , يداهم تلك الجماهير الفارغة فكرياً , و من المهم أن نقول أن الإسلام السياسي الشيعي و السني يداهمون أفكار أبناء طائفتهم فقط , و لهذا نجد نزاعات قوية ما بين الطائفتين في الدول الإسلامية و الشبه إسلامية , فالطائفية تخلق من خلال هذه المداهمات في عقول الجماهير .
فما هو المفهوم الحقيقي للثورة ؟ يقول سلامه موسى : (( و جميع الثورات , ليس في اوروبا وحدها , بل في جميع القارات الاخرى و تجري على اسلوب لا يتغير, هو اضطهاد سابق يجمد و يتعنت ولا يقبل المفاوضة , ثم انفجار , ثم تغيير يؤدي إلى محو هذا الاضطهاد . و يبدو لنا من النظر في الثورات أن الشعب كله ينهض بها , و لكن عند التأمل نجد ان طبقة واحدة تحس الاضطهاد او الضغط أكثر من غيرها , و هي التي تضطلع عندئذ بالدعوة إلى الثورة , و توضح فلسفتها و تهيء محركاتها , حتى ينضم الشعب كله اليها , بعد ان يعرف عدالة موقفها و شرف غايتها . ))

فنفهم أن الثورة تتبلور تحت إضطهاد طبقة لطبقة , و سرعان ما يتكور هذا الإضطهاد إلى أنفجار عظيم للطبقة المضطهدة , فيكون الهدف الرئيس لتلك الطبقة المضطهدة هي أزالة هذا الإضطهاد , و بذلك يشارك الشعب أبناء الطبقة المضطهدة في صنع الثورة تحت شعار أو تحت مفهوم واحد مشترك .
فعلى سبيل المثال , وجدنا الثورة الفرنسية كيف أنفجرت بعد إضطهاد الارستقراط للفقراء , فالطبقة الفقيرة كانت هي الطبقة التي تم أستهدافها , حيث عانت هذه الطبقة من الجوع و الموت و تزيد ماري أطوانيت الطين بله بمقولتها الشنيعة : (( فليأكلوا البسكوت)) . أو مثلاً ثورة أكتوبر العظيمة نجدها نموذجاً مثالياً لثورة العمال , فالإضطهاد الذي كان تقاسيه الطبقة العاملة لا يمكن وصفه, و بهذا تحولت الطبقة العاملة إلى طبقة ثورية تقود الشعب إلى الإطاحة بالنظام القيصري و من ثم بحكومة كيرنسكي المؤقتة .
و أذا أردنا أن نبتعد عن النماذج القديمة , فالثورة الإيرانية هي النموذج الأقرب زمنياً , فالثورة الإيرانية على غرار الثورة الفرنسية و الروسية الثانية , كانت ثورة طبقة ضد طبقة , و كان للشيوعيين دور هام في هذه الثورة , فمثلاً المنظمة الشيوعية الأكثر إبرازاً في عهد الثورة الإيرانية كانت منظمة فدائيي خلق ( أيّ شعب ) إيران و هي منظمة تأخذ الكفاح المسلح نهجاً لنضالها و كانت ترى أن الكفاح المسلح هو الحل الوحيد في سبيل إطاحة نظام شاه إيران البوليسي , و لكن سرعان ما تم أختطاف الثورة من قبل الخميني و أصحابه الملالي .
فالثورة في نموذجها الأصلي هي دائماً أنفجار طبقة تعاني و تقاسي إضطهاداً على أساس طبقي, فالثورة الفرنسية و الروسية و الإيرانية و الجزائرية و القرمطية ألخ .. تنتج من الإضطهاد الطبقي نحو العمال أو الفقراء أو الفلاحين .
و لكن , ما يميز تلك الثورات عن ثورات الربيع العربي ؟ الأمر معقد قليلاً , ففي مصر نجد أن الإضطهاد الطبقي موجود و أيضاً في تونس و ليبيا , و لكن تلك الثورات مطلبها الأساسي هي الديمقراطية , بالنموذج الغربي طبعاً , أياً كانت الايديولوجية المسيطرة لتلك الثورات فهي تطالب الديمقراطية , فحزب النهضة في تونس على سبيل المثال , حزب إسلامي يريد تطبيق الديمقراطية بنموذجها الغربي , فالأمر الذي يجب علينا أن نسلط عليه الأضواء هو أن المطالب ليست كالسابق , ( إشتراكية ) أو على الاقل لها روحاً إشتراكياً , مثل الثورة الفرنسية التي حملت شعار ( الإخاء , و المساواة , و الحرية ) , فالآن الثورات تعتمد على حريات سياسية أكثر من حريات إجتماعية و بذلك أعتقاداً أن الحرية السياسية ستجلب معها الحرية الإجتماعية , و من الصعب أعتقاد ذلك , فالثورة الأمريكية على سبيل المثال , كانت غايتها نبيلة , الإطاحة بالإستعمار الأنجليزي, و لكن حين مسك السلطة ( جورج واشنطن ) ركز على تأسيس دستور يدعم مفهوم الحرية السياسية أكثر من مفهوم الحرية الاجتماعية , فبالرغم من وجود فقر في الولايات الأمريكية أو سابقاً القارة الأمريكية , فكان التركيز الأهم هو الحرية السياسية , و الولايات المتحدة قدمت نموذجاً حول المطالبة بالحرية السياسية أولاً , فالإضطهاد الطبقي بعد الثورة كان واضحاً . و هنا لا يمكننا أن ننكر مطالب الأفراد – في الثورات الحالية – فلا شك أن الأفراد يطالبون بالحرية الإجتماعية – أيّ – أزالة القيود الطبقية , و لكن , توجهات الاحزاب التي تقود هؤلاء الأفراد مختلفة تماماً .
هذا من جانب , من جانب آخر نجد أن أيضاً الحركات الثورية ليست كالسابق , فمثلاً , الثورة الروسية الثانية تحت قيادة البلاشفة كانت لها نظرية ثورية واضحه , و هي الإطاحة بالحكومة المؤقتة البرجوازية و إستبدالها بحكومة تحت قيادة البروليتاريا , و لكن الآن في مصر او تونس المطلب الأساسي هو ( الشعب يريد إسقاط النظام ) , فيسأل السائل , بعد إسقاط النظام ماذا تريديون ؟ يجاوب البعض ( حرية تعبير , حرية سياسية ) فالمغزى من ذلك هو أن ليس هناك هدف واضح أو ثابت على الأقل كما في السابق .
فكل هذه الإختلافات ما بين الحاضر و الماضي , بين أهداف الثورات و الحركات الثورية , نستطيع أن نحللها ليس على مبدأ أن " أنتهى الصراع الطبقي " , بل أن الحركات الثورية الحالية ليست بحركات ثورية , لأنها لا تتسم بسمات الثورة كما نعرفها , فالصراع الطبقي لا شك موجود , و لكن الثورات التي أنفجرت لم تنفجر على أساس إضطهاد طبقي , بمثل الطريقة التي رأيناها في الثورة الروسية الثانية , لا ريب أن بعض الأفراد خرجوا ليحظون على حرية أجتماعية , و لكن , من غيّر مسار تلك الثورات أو الإنفجارات لم يضع الحرية الاجتماعية كهدف رئيس له .
فما هي المشكلة مع فوضى تهدف إلى إسقاط أنظمة دكتاتورية إستبدادية ؟ , الفوضى التي تحدث في عالمنا العربي مثل فوضى الخلايا التي تحدث في الجسم التي تؤدي إلى السرطان , فلا توجد مناعة لتلك الخلايا و بذلك يسهل أصابة هذا الجسد بالسرطان , الأمر سيان مع الحركات الفوضوية في عالمنا العربي , فليس لتلك الحركات أي مناعة أو بالأدق أي نظرية أو هدف دقيق و ثابت فالحركات تنتج من معاناة إجتماعية و سياسية , و لكن , لا هدف له خط دقيق و واضح و لذلك يسهل أستغلال تلك التحركات , و هذا ما تفعله الآن جماعة الإسلام السياسي في أنفجارات الشعوب , فبوعزيزي على سبيل المثال , كان يعاني من معاناة شخصية ما أدى إلى انتحاره , و من ثم أدى إلى أنفجار الشعب التونسي و بسبب الفراغ الفكري و الثوري لدى الشعب عموماً الذي كان يفكر فقط بإطاحة ( بن علي ) أستغلت حركة النهضة أنفجار الشعب الذي يخلو من هدف ثوري واضح و يمكننا أن نرى هذا النموذج في ليبيا و مصر أيضاً , و يقولها لينين : (( لا يمكن أن توجد حركة ثورية من دون نظرية ثورية )) , و كان على حق , لأن الثورة الروسية تحت قيادة البلاشفة كان لها نظرية ثورية و هدف ثورية جعلها تستلم الحكم و تطبق هدفها و نظريتها , كما أن هذا النموذج نجده في حركة القرامطة و الثورة الفرنسية. فتلك الفوضى الحالية يسهل تحريف هدفها و غايتها التي يعتبرها أصحابها نبيلة , و لا يمكننا أن نعتبرها العكس , لا يمكننا أن نبيع دم الشعب التونسي و المصري و الليبي , فكان الغاية من تلك الأنفجارات غاية نبيلة تريد إسقاط أنظمة دكتاتورية أستبدادية و لكن ينقصها هدف واضح . يمكننا أن نستفيد من ثورة مصر 1952 , حيث كان الهدف الرئيس هو إسقاط النظام الملكي بإستبداله بجمهورية , و لكن هذا الهدف لم يتحقق تحت فوضى , بل تحت إنقلاب عسكري له رؤيته المستقبلية لمصر , فأستطاع جمال عبدالناصر أن يعين محمد نجيب رئيساً لمدة سنتين من دون أي مشاكل داخلية , أعني من دون أي مشاكل في طريقة الحكم , لأن الضباط الأحرار كان لهم هدف معين و فكر معين يستطيع أي شخص أن يتولى تطبيقة , و لكن الآن , يصعب معرفة من سيقود و كيف "هذا " سيقود , لأن لا شيء واضح , غير أن قد تم إسقاط الأنظمة .
تلك الفوضى تعتبرها الولايات المتحدة فوضى خلاقة , فوضى عارمة لكن مقيدة بقوانين غامضة تؤدي إلى إسقاط أنظمة و من ثم إستبدالها – من المرجح – بأحزاب دينية تخدم مصالح الغرب . فالغرب لا يريد أن يقحم نفسه و يسهب نفسه في إنقلابات تحت قيادته , بل سيستخدم وسائل أفضل , مثل الوسائل الألكترونية , حيث , تستطيع أن تنجب ثورة و تقود شعباً من حاسوب أو برنامج ( تويتر ) أو ( فيسبوك ) , و هنا نستطيع أن نرى كيف تخلى الغرب عن الوسائل السابقة , مثل التدخلات العسكرية , لنتذكر فيتنام و حرب الخليج و غزو العراق , فالأمر أصبح سهلاً , الشعب ينجز ثورته و يخسر أفراده و يسلم وطنه إلى الأجنبي , و فوق ذلك , من دون أن يدري الشعب أن هذه هي النهاية . و هذا كله يدرج تحت أمل ظفر الديمقراطية الغربية , فبعد سقوط المنظومة الاشتراكية و سيطرة القطب الواحد و هو القطب الغربي و على رأسه الولايات المتحدة , أصبح هدف الغرب هدف أوسع و أكبر , لا يوجد الآن جدار برلين ليفصل الشرق من الغرب , سقط هذا الجدار و أصبح العبور بالنسبة للغرب سهلاً .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. ”قاتل من أجل الكرامة“.. مسيرة في المغرب تصر على وقف حرب الا




.. مظاهرة في جامعة السوربون بباريس تندد بالحرب على غزة وتتهم ال


.. الشرطة الأمريكية تعتقل عددا من المشاركين في الاعتصام الطلابي




.. بعد تدميره.. قوات الاحتلال تمشط محيط المنزل المحاصر في بلدة