الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الزومبي(في ذكرى انتفاضة 27 مارس/ 6 ابريل السودانية 1985)

سلمى مأمون

2012 / 4 / 7
مواضيع وابحاث سياسية




تعود الذكرى للمرة السابعة بعد العشرين....و مايزال (الزومبي) حراً طليقاً!!!!....بالفخر استعيد ذكر وجوهها المنسية قبل تلك التي برزت و لمعت في الاعلام، و استعيد وجوه الشهداء و الاصدقاء و الراحلين الذين صنعوا التاريخ. انحني اجلالاً و تقديراً لهم و احيي شعبي الممزق الذي ينتظر منا الاخذ بيده لاعادة الزومبي الى مثواه الأخير بلا رجعة...و ياله من امتحان!
بلاشك تجدد الذكرى فجيعتي، لأنني بشر عاصرها، و عاشها ابتهاجاً و تفتحاً مكتنزاً بالفرص الثمينة، ثم اكتوى بتراجعاتها حتى سقطت في حضن المتأسلمين الى اجل غير مسمى! إلا أنني اظل أحيا على ضرورة التغيير الديمقراطي....
رغم انني لا ارى مايكفي من الطاقات المبذولة لاحداث خلخلة اجتماعية ثقافية قادرة على ترجيح الكفة لصالح التغيير. لأن عموم الناس قد لاذوا بالسائد في كل شيء و ساروا وادعين يقتفون سيرة الاولين. و لكنني لن اعاتب العموم فضعيفةُ هي الاصوات التي من شأنها أن تتصدى للغة الرسمية و الثقافة المتنزلة عنها و غير كافية لتلهم و توحي و تؤلب على التغيير و ليس اي تغيير. بل التغيير المفضي الى الحرية. و لا تتوفر بعد الوسائل الفعالة التي تصل رحم العارف بالمبهوت من فرط التجهيل...مازال النبض واهناً، ربما لأن من نظنه عارفا متنوراً يظل يقدم السياسي على الثقافي الاجتماعي. و هنا مكمن الداء. فانا لا تستهويني هذه الطمأنينة الزائفة بان الناس حين يهُبّون سيهبون تلقائياً و يغيرون كل شيء. و لكن أين هو الانسان الذي سيهب هكذا كالملدوغ ليغير حاله؟ اذ لابد له من شيء يلدغه! و نحن الذين يجب ان نفعل، و لكن بماذا سنلدغه؟ اذ لابد له من تلقي لدغة أشد فتكاً من الجوع و الابادة و النزوح و تقسيم البلاد بمشرط بارد و سيرة الحرب التي لم يغلق بابها نهائياً بعد . فكل ما سبق ذكره على هوله اتضح انه غير كاف. فقد استوعبه و تعايش معه انسان السودان المغدور ببسالة تامة، هذا الذي يؤثِر تأجيل غضبه او تفجيره في غير قبلته. و لن الومه وحده في ذلك على الاطلاق....لأنني اؤمن أن اللدغة لابد أن يتلقاها من عصير الفكرة التي تخاطب انسانيته و تشعل وعيه، و تعيد تأسيس قيمته كبشر مؤهل لحياة هو سيدها و الآمر و الناهي على من سيقود مقاليدها....النموذج الآخر هو ما ينقص الناس....فهم متروكون للتجهيل و التغييب...بينما الانسان أي انسان هو الاداة الاساسية للتغيير، و لكنه في بلادي هو ذرة تراب ملقاة بين فكي الازمات حتى استحالت شريحة مبططة تدوس عليها الحقب السوداء فتطبع عليها ملامحها الشائهة؟ ماذا يتلق مِنّا؛ انا و انتم و كل من يهذي بالتغيير التغيير التغيير.....علبة ماكياج لهذا التشويه أم علاج جذري؟
من قال ان الجوع وحده سبب كاف لتنسيق الحناجر؟ هاهو طبق (الفول) (حبيب الشعب) قد اصبح بعيد المنال بعد الانفصال و تبدُد حلم البترول، و حل محله سندويتش الطعميه (المتفلة) – الغذاء الرئيسي لسكان الخرطوم؛ طعمية، طعميه، طول النهار و الليل حتى في قلب الاحياء السكنية!!!...معجونة بغبار الأزقة يتناولونها و يتذمرون و لكن بصوت خفيض ثم يحمدون الله على كل حال و يواصلون الصمت.....صراحة، الطعمية مالها؟ لذيذة بدون شك، و لكنها ليست بأي حال (اللقمة الكريمة) المقصودة التي استشهد مطالبا بها الانسان منذ فجر التسلط حتى اليوم ولا هي مقياس الرخاء لأي شعب يملك من الثروات ما يملك مثل شعبي!
الواقع أنه و بالتجربة لا تعويل على نتائج الهبة العفوية. فقد رأينا النتيجة المباشرة في الانتكاسات التي من حولنا. انتفاضات عفويه جميله جداً، لوحات بطولية رائعة ننحني اجلالاً لها...و لكن! عماذا تمخضت حتى اللحظة؟ لهذا لابد من التفكير العملي في الفعل التحضيري اللازم ؟ فهذا هو موطن الوجع و الأفكار المصطرعة. فالزومبي لم يأت من الخارج بل كان دائما معششاً في الداخل، في التناقض الاجتماعي الثقافي الذي لم نعره الالتفات الكافي. و لم نتهيأ لهجمته....
برأيي لابد من التحدي خروجا بالفكرة المدانة بالالحاد و الفسوق و كل التراكيب المريضة، من الجماجم الحاضنة الى جماجم العامة ليس حصرياً بالجدال السياسي بل بتفتيح المدارك على انتقال سلوكي مفاهيمي من السائد المختنق الى صورة اخرى جديدة افضل، بنقد الانعزال و التكاسل و التشاؤم و التهالك على تغييب العقل، بدءاً بأنفسنا و الاهتمام باكتساب المعارف و الخبرات و التذوق. نحتاج ان نغرس فيهم عيناً ناقدة للنظام الاجتماعي الثقافي القائم و تأخره و خواءه...فهذه الاجيال المنوط بها احداث التغيير لن تحقق هذا الانقلاب العميق بدون الهام باصوات مفكرين و محرضين يناهضون الزومبي، بمعنى تمليكهم التعريفات السليمة للعلمانية و الديمقراطية و تحرر النساء و المساواة و كل ما يرسخ الزومبي فهما مشوها له في العقول عبر اعلامه و ملصقاته و لافتاته و دروس مساجده و خُطب الجمعة!.....اي لابد من التحريض على التغيير السياسي مترابطا بالاجتماعي بالثقافي...و لكن لابد للمحرض من تأهيل نفسه اولا لهذا الدور الحساس...لابد ان يعكس مشروع انسان جديد متطور...و ياله من امتحان!
احيي مجددا ذكرى الانتفاضة....و اقول بدون مجاملة او تردد: لن يكفينا الاتكال على سرد تجارب ثوراتنا في اكتوبر 1964 و مارس/ابريل 1985 لصنع التغيير القادم. لأن القادم لابد ان يتم بطريقة أخرى. فالنموذجين المرموقين بلغة اليوم و واقِعهُ المختلف جذرياً يكون كالحديث عن معجزة! ببساطة، و على سبيل المثال، لا نقابات اليوم ولا قطاع صناعي ولا انتاج محلي ضخم ولا حشود لعمال منتظمين بعد ان تم محو المؤسسات التي كانوا يتمركزون فيها و يشكلون الثقل الضاغط ضد الدولة؛ اين السكة الحديد، اين النقل النهري، و مصنع النسيج، المسبك المركزي و هيئة المياه و الكهرباء...أين؟ لقد نسفوا مواطن ثقل (الطبقة العاملة) فأي اضراب عام/ عصيان مدني ننتظر؟ هذه دولة صممت دولتها الحامية بداخل جهاز الدولة. نقطة بنهاية السطر. فما هو الحل؟ دعونا نتحدى...نعم...فلنرعى التحدي. فلينهض كل عارف مستنير و يراجع افكاره و قناعاته و سلوكه و ليقدم لعامة الناس نموذجا جديداً و ليخلق من نفسه معولا للتغيير..فلننخر اساسات التخدير الذي يمارسونه، فلنناوشهم بالافكار المبدعة نثراً، شعراً، أغنية، مسرحاً. و لنستنفد الممكنات لوضع تأثيرنا القوي اذ لابد من معارضة وطنية قوية، و لابد من يسار صلب الارادة. و نستطيع ذلك، لننقل عدوى التحدي لاجل التغيير؛ احياءاً للروح الوطنية، و ليس وهم الهوية العربية/الاسلامية بل الافريقية الناطقة بالعربية، و تمسكا بالسلام و التعايش و استعادة وحدة الوطن و موقفا ايجابياً منصفاً للطفل و المرأة و المعاق بدءاً بمحيطنا الضيق، سلوكاً متحضراً يعلي قيمة العلم و الثقافة و المعرفة و يحترم الآخر و خصوصيته بكل مستوياتها. و لا اجمل من تنشيط الجهود الجماعية لاحداث فارق بسيط في الحياة اليومية بتشجير أو تنظيف للبيئة في الأحياء على سبيل المثال..... فهذه القلوب الغافية كجمر تحت الرماد تطلب افكارنا العارفة بتقليب الجمر.....فلماذا ننخرط فقط في الجدال السياسي المحض و نتركها فريسة للزومبي!!!!!!


ابريل 6
2012








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الكونغرس الأمريكي يقر مشروع قانون مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا


.. لازاريني: آمل أن تحصل المجموعة الأخيرة من المانحين على الثقة




.. المبعوث الأمريكي للقضايا الإنسانية في الشرق الأوسط: على إسرا


.. آرسنال يطارد لقب الدوري الإنجليزي الممتاز الذي غاب عن خزائنه




.. استمرار أعمال الإنقاذ والإجلاء في -غوانغدونغ- الصينية