الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحب والعاصفة 8

حوا بطواش
كاتبة

(Hawa Batwash)

2012 / 4 / 7
الادب والفن


في اليوم التالي، التقيته في الجامعة عند الواحدة ورافقته الى بيته. كان يسكن في شقة في احدى العمارات السكنية الحديثة في المدينة. وحين وصلنا، دخل أمامي الى الداخل وهو ينادي لأمّه. فظهرت السيدة هالة أبو جودة، أنيقة، ناعمة وجميلة بعينيها الخضراوين وشعرها الأسود الذي كان ما يزال طويلا كما عهدته، وبشرتها البيضاء التي بات يشوبها بعض الشحوب.
رأيتها تبعث لي بابتسامة عذبة ثم اقتربت مني وقالت وهي تمدّ لي يدها: "أهلا وسهلا بك، يا هنادي. أنا سعيدة جدا برؤيتك."
قلت وأنا أصافحها: "أهلا بك. وأنا أيضا."
ثم رأيتها تتأمّلني قليلا، ثم قالت برقّة: "لقد كبرت وأصبحت صبيّة جميلة جدا، تماما كما وصفك لي سامر."
أحسست باحمرار وجهي وتعجّبت بيني وبين نفسي: كيف وصفني ابنها لها؟!
لزمت الصمت، وهي قالت: "تفضّلي بالدخول." وأشارت لي بيدها الى غرفة الطعام.
وهناك تعرّفت على ليلى، الأخت الصغرى لسامر التي بلغت من العمر تسع سنوات ولم أكن قد رأيتها من قبل فقد ولدت بعد الحادث. كانت فتاة نحيلة ذات شعر بنيّ أملس ينسدل على كتفيها، وعينين خضراوين صافيتين مثل عينيّ والدتها، وملامح وجهها اتّسمت بالطيبة والرقة. قدّمتها لي السيدة هالة وأنا صافحتها بتأديب. لاحظت السيدة هالة وهي تتبادل النظر بيني وبينها وعلى وجهها ملامح لم أستطع فهمها. تعجّبت من أمرها.
ثم دعتنا للجلوس حول المائدة التي كانت مجهّزة بالسلطات والمكابيس الى جانب البطاطا المحشية والرز والملوخية والشوربة والكبة. جلست قبالة السيدة هالة وابنتها ليلى وجلس الى جانبي سامر وبدأنا بالأكل.
سألت السيدة هالة: "هل أنت حضّرت كل هذه الأكلات وحدك؟"
فابتسمت قليلا وأجابت: "نعم. ألا أبدو لك سيدة بيت جيدة؟"
"الحقيقة، كان لدي انطباع عنك منذ صغري أنك لا تشبهين سيدات البيت اللاتي أعرفهن."
فسألت باستغراب: "وكيف ذلك؟"
"يعني أنك امرأة عاملة، واعية وذكية."
سمعتها تصدر ضحكة خفيفة وقالت: "صحيح أنني امرأة عاملة، ولكنني أم وسيدة بيت بالدرجة الأولى."
لم أعلّق بشيء. راودتني الفكرة أن مسؤوليتها كأم قد تفاقمت بعدما فقدت زوجها الذي في السجن. لا بد أن مهمتها لم تكن سهلة فقد كان عليها أن تكون الأم والأب وتعيل العائلة بمفردها في بلد غريب. ربما من حظها أن سامر كان ابنها الوحيد آنذاك، ثم ولدت ليلى. لا بد أنها كانت حامل بها وقت الحادث، رغم أني لم أذكر ذلك.
أيقظني صوت سامر من أفكاري: "أتحبين بعض الشوربة؟"
وقبل أن أجيب كان قد قرّب لي صحنا من الشوربة. شكرته.
ثم سمعت السيدة هالة تسألني: "كيف حال أخيك؟ وأختك؟"
أجبت باقتضاب: "جيد." وشعرت بشيء من الإضطراب حين خطر لي: ويل لو علما بمجيئي الى هنا؟!
سمعت السيدة هالة تقول: "لا بد أن فادية قد كبرت أيضا. هل أصبحت جميلة مثلك؟"
ابتسمت لها وقلت: "أجل، كبرت. إنها الآن في السابعة عشرة من عمرها."
"ووليد؟ ألم يتزوج بعد؟" سألت.
"لا. ليس بعد."
فتدخّل سامر وقال مازحا: "انه في انتظار عريسين ظريفين لأختيه حتى يتفرّغ لنفسه!"
ارتسمت ابتسامة صغيرة على وجه السيدة هالة، ولكنها لم تعلّق بشيء، بل أطرقت رأسها تفكّر.
خيّم علينا الصمت. أحسست بالإرتباك والقلق جراء ذكر وليد وفادية ولم أنفكّ في التفكير في رد فعلهما إن علما بمجيئي الى هنا. ويبدو أن السيدة هالة قد لاحظت ارتباكي فقررت تغيير الموضوع اذ سألت: "ماذا تدرسين في الجامعة؟"
فخضنا في حديث عن الدراسة والجامعة والحياة الجامعية وأخبرتني عن أيام دراستها في الجامعة، ومدى الإستفادة التي نالتها من الدراسة في تكوين شخصية مستقلة وواعية. ثم تطرّقت الى عملها السابق في الشركة واكمال دراستها العليا في ذات الوقت حتى نالت شهادة الماجيستير فزادني حديثها الرصين الخالي من التعالي والتباهي إعجابا وتقديرا لها، وتبدّد توتري واضطرابي خلال تلك الدقائق.
بعد ذلك، دعتنا السيدة هالة الى غرفة الجلوس حتى تفرغ من تحضير القهوة، فرافقني سامر الى هناك وجلس بجانبي على الأريكة.
رمقني سامر بنظرة استغراب وسأل: "لِم أنت مرتبكة هكذا؟"
"لا... لست مرتبكة. ولكن... الحقيقة، لم أتخيّل يوما أنني سأزور بيتكم."
"ولِم لا؟"
"لا أدري. ربما بسبب الظروف." قلت، ثم أضفت: " أردت أن أسألك شيئا."
"ما هو؟"
"لِم عدتم من اميركا؟ أعني... بعد طول هذه السنوات، ما الذي دفعكم للعودة؟؟"
في تلك اللحظة، دخلت السيدة هالة علينا وبيدها صينية القهوة. فسمعت سامر يقول لي: "ربما من الأفضل أن توجّهي هذا السؤال الى أمي." ثم توجّه الى أمه قائلا: "ماما، هنادي تودّ أن تعرف لِم عدنا من اميركا بعد طول هذه السنوات؟"
أحسست بالإرتباك، إذ لم أقصد أن أسألها هي كي لا أبدو وكأنني كنت أعارض عودتهم. ولكنني وجدت السيدة هالة تبتسم برقة وهي تسكب لي القهوة، ثم قالت بصوتها الرخيم: "هذا سؤال جيد."
لم تتعجّل في الكلام. قدّمت لي فنجان القهوة ثم أجابت بقولها: "الحقيقة أنني لم أود الذهاب الى هناك منذ البداية، ولكن الظروف فرضت علينا ذلك. فقد كان سميح يعمل هناك. الحياة هناك تختلف كثيرا ولم أحسّ يوما بالإنتماء. كنت أحسّ دوما بشيء ما ينقصني وأردت العودة الى البلاد. طلبت من سميح كثيرا أن نعود ولكنه لم يرغب في ترك عمله في الشركة. ثم بعد تغيّر الظروف، وبعد أن بقيت مسؤولة عن العائلة وحدي، انشغلت كثيرا في أمور البيت والشركة والدراسة ولم يكن ذلك الموضوع يشغلني كما في السابق. الى أن قامت عائلة الصانع بالعودة قبل سنة فأخذت أفكّر جديا في العودة أخيرا الى البلاد والى الحياة التي افتقدتها بشدة. ووجدت سامر يؤيّد الفكرة ولم تعارض ليلى كثيرا."
فقال سامر: "الحياة هنا بسيطة وهادئة أكثر. وكنت أؤيّد أمي في العودة منذ البدء."
جلسنا نحتسي القهوة ونتبادل أطراف الحديث لمدة زادت عن نصف ساعة، ثم استأذنت للذهاب فودّعتني السيدة هالة متمنية أن أعيد زيارتي. ثم أعادني سامر الى الجامعة بسيارته البيضاء الجميلة حيث كان موعد محاضرتي القادمة قد اقترب. وقبل أن نفترق وجدته يسألني: "هل سأراك غدا؟"
فأجبته: "غدا يوم الجمعة وليست لدي محاضرات."
"اهه... صحيح. اذن، متى أراك؟"
"لا أدري. متى تودّ رؤيتي؟"
"في أقرب وقت."
أطلقت ضحكة خفيفة، وقلت بعد تفكير بسيط: "سأكون في الجامعة يوم الأحد الى الساعة الرابعة."
فنظر الي طويلا وقال بصوت هادئ: "حسن. اذن لنلتقِ يوم الأحد."
واتّفقنا ان نلتقي عند الواحدة لتناول الغداء معا في مطعم الجامعة يوم الأحد. وافترقنا.

يتبع...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لأي عملاق يحلم عبدالله رويشد بالغناء ؟


.. بطريقة سينمائية.. 20 لصاً يقتحمون متجر مجوهرات وينهبونه في د




.. حبيها حتى لو كانت عدوتك .. أغلى نصيحة من الفنان محمود مرسى ل


.. جوائز -المصري اليوم- في دورتها الأولى.. جائزة أكمل قرطام لأف




.. بايدن طلب الغناء.. قادة مجموعة السبع يحتفلون بعيد ميلاد المس