الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
العراق و توازن القوى في الشرق الأوسط
عبد الحميد الموساوي
2012 / 4 / 8السياسة والعلاقات الدولية
العراق و توازن القوى في الشرق الأوسط
بعد الانسحاب الأمريكي.
لقد كانت نهاية الاحتلال العسكري للعراق حدثا كبيرا بالنسبة لمجمل منطقة الشرق الأوسط، إذ يمكن لأثاره الجيوبوليتيكية أن تعيد تحديد علاقات القوة فوق رقعة الشطرنج الشرق أوسطية، ففضلا عن المشكلات ذات الطابع الداخلي في العراق، والمتمثلة في: ) هشاشة المؤسسات، والتوترات الطائفية، والعديد من التحديات الاجتماعية الأخرى..)، فانّ العراق موجود في مركز التنافس والتجاذب، لاسيما بين كل من: تركيا وإيران والمملكة العربية السعودية، وبقدر ما تسبب الاجتياح العسكري الأمريكي للعراق واحتلاله في إحداث اضطراب في توازن القوى الإقليمي في الشرق الأوسط والخليج العربي لمصلحة أطراف وعلى حساب مصالح أطراف أخرى، بقدر ما سيؤدي انسحاب القوات الأمريكية من العراق إلى إحداث اضطراب جديد في هذا التوازن لمصلحة أطراف وفي غير مصلحة أطراف أخرى، الأمر الذي يجعل أمر هذا الانسحاب معضلة للبعض وفرصة لتعظيم المكاسب بالنسبة لأطراف أخرى.
لقد تركت نهاية الاحتلال العسكري للعراق فراغا سياسيا تتمنى كل دولة إقليمية من الدول الثلاث أن تملئه،وهكذا بدأ ت تطرح التساؤلات عن الدور المستقبلي للعراق في ظل الأوضاع الجديدة؟
فلماذا أصبح العراق إذن رهانا جديدا للقوة في الشرق الأوسط؟ وللإجابة عن هذا التساؤل يمكن أن نلاحظ في البداية أن انسحاب القوات العسكرية الأمريكية من العراق لا يعني نهاية الوجود الأمريكي، إذ تحتفظ واشنطن بقدرات إستراتيجية كبيرة في المنطقة، حيث ما يزال آلاف الجنود الأمريكيين متمركزين في دول الخليج العربي في كل من (قطر ،والكويت، والبحرين)، وهم على استعداد للتدخل في العراق أو في مياه الخليج أو في مضيق هرمز الاستراتيجي الذي تعبر منه قرابة (40%) من الصادرات النفطية للعالم، فيما تتأهب الولايات المتحدة الأمريكية لإقامة شراكة اقتصادية وسياسية قوية مع العراق، بعد أن جعلت من السفارة الأمريكية في بغداد اكبر السفارات في العالم عن طريق وجود قرابة (16) ألف موظف فيها،فيما تتمركز الشركات الأمريكية بالاستثمارات في قطاعات الطاقة ( النفط والغاز)، وفي قطاع بيع الأسلحة ( عن طريق عقد الاتفاق المبدئي المتعلق ببيع(18) طائرة من نوع (F16)، و الذي تم التوقيع عليه في 12 كانون الأول من العام 2011م، وكذلك كل مشاريع إعادة البناء والأعمار، وتلقى كل هذه الاستثمارات الدعم اللازم لها من الولايات المتحدة الأمريكية عبر مكاتب العراق للاستثمار، وإعادة البناء التي تعمل بالتنسيق مع المنظمات التجارية والسفارة الأمريكية في بغداد، والعديد من المنظمات الحكومية العراقية والأمريكية، وكذلك المنظمات الدولية في سبيل التنسيق بين كل الانشطة المرتبطة بالتنمية الاقتصادية في العراق.
أما من الجانب العراقي فقد سعى للتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية، إذ صرّح السيد (نوري المالكي) في أثناء الزيارة إلى واشنطن في 12 كانون الأول من العام 2011م، بأنه يتمنى أن تلعب الشركات الأمريكية دورا كبيرا ومهما في توظيف ثروات العراق.
في حين تركيا هي الأخرى قد استثمرت كثيرا في العراق، وهي كذلك ما تزال يقظة وحذرة من الأوضاع الجديدة في العراق، وعقب انسحاب الجيش الأمريكي من العراق عقد لقاء مغلق بين نائب الرئيس الأمريكي (جو بايدن) ورئيس الوزراء التركي ( رجب طيب اردوغان) في الأول من كانون الأول من العام 2011م،و تمت فيه مناقشة المشكلات المرتبطة بالحرب ضد حزب العمال الكردستاني( (PKk، والتوترات الإقليمية بشكل خاص، أما بالنسبة إلى الدبلوماسية التركية، فانّ المسالة الحقيقية هي مسالة الأكراد.
وعلى الرغم من أن أغلبية الواردات إلى منطقة كردستان العراق تأتي من تركيا، فان القوات التركية تقصف بانتظام الشريط الحدودي لإقليم كردستان العراق ، إنها أوضاع غير مستقرة، والتي لا يمكن أن يعتد بها بالنظر للمحاولات التي تقوم بها الحكومة المركزية في بغداد، والتأكيد عليها، ففي العراق الجديد تسعى تركيا إلى الحفاظ على استثماراتها، لا سيما تلك المرتكزة في قطاعات البناء والأعمار وتوزيع المشتقات النفطية، ففي العام 2011م، وصلت المبادلات التجارية بين الدولتين إلى (12) مليار دولار، وهي ما تزال بالتصاعد والازدياد، ويعد العراق في ميدان الصادرات رابع شريك للاقتصاد التركي والذي ارتبط بعلاقات ناجحة ومزدهرة يمكن أن تشجع أنقرة على الاستمرار في الحرب ضد قواعد حزب العمال الكردستاني ( (PKK ، في جبال قندبل في شمال شرق العراق، وفي التنافس مع طهران من اجل الزعامة الإقليمية المتمثلة بـ: ( تصدير الأنموذج المجتمعي التركي، والتأثير في العالم الإسلامي، والقضية الفلسطينية، والأزمة السورية)، وان أنقرة تنظر بعين حذرة إلى إمكانية حصول تقدم للنفوذ الإيراني نحو الغرب يجعل من الدول الواقعة في جنوب تركيا ( العراق، وسوريا، ولبنان) منطقة تحت التأثير الإيراني، إذ أن ذلك يعد خطرا كبيرا بالنسبة لتركيا، حيث بإمكان إيران في هذه الحالة أن تستغل المسالة الكردية وتضع نهاية للأوضاع المشجعة للمصالح التركية في المنطقة.
وكذلك الحال بالنسبة للعراق الذي كان بمثابة رهان استراتيجي كبير بين المملكة العربية السعودية وإيران، حيث أن الدولتين تطمحان في تحقيق مكاسب في سوق العراق، والمميزات الجيوبوليتيكية التي يمكن أن تكسبانها عن طريق التحالف مع بغداد، فالمملكة العربية السعودية الحليف الكبير للولايات المتحدة الأمريكية تخشى من أن انسحاب الجيش الأمريكي سيعلن ساعة نهاية توازن القوى في مواجهاتها مع إيران، إذ أن الحضور الكبير للشيعة في الحياة السياسية العراقية لا يترك شيئا ينبأ بشيء طيب للملكة العربية السعودية، الى جانب هذا يمكن ان نضيف خسارة شرعية السياسة الخارجية السعودية الناجمة أساسا عن دعمها الاستراتيجي للقوات الأمريكية في أثناء الاحتلال الأمريكي للعراق.
وعلى خلاف تركيا والمملكة العربية السعودية، فان لإيران مصالح إستراتيجية، واقتصادية، ودينية في العراق، ولها تأثير فعلي كبير في الأراضي العراقية يعود إلى تلك العقود من الدعم للطائفة الشيعية، وإذا ما اعتبرنا السقوط المحتمل لنظام (بشار الأسد) في دمشق، فان العراق يمكن أن يصبح الحليف الجديد لطهران في المنطقة، وفي هذا الاتجاه فانّ الموقف العراقي في مواجهة الأزمة السورية يبين التقارب بين العراق وإيران، ففي أثناء المؤتمر الصحفي المشترك مع الرئيس الأمريكي( باراك حسين اوباما) في 12كانون الأول من العام 2011م، اختار السيد (نوري المالكي) عدم الاصطفاف مع مواقف واشنطن المطالبة بتغيير النظام في سوريا عندما صرح: بأنه لا يمتلك الحق في مطالبة الرئيس السوري بالتنحي، وبأنه لا يمكنه أن يدعي أو يستأثر بهذا الحق.، فيما يأمل العراق كذلك في تسجيل حضوره على الساحة الإقليمية. وقد بيّن ذلك عندما طرح مشروعا للخروج من الأزمة السورية في أثناء زيارة لجنة عراقية إلى دمشق برئاسة مستشار الأمن الوطني العراقي السيد (فالح الفياض) من اجل محاولة عقد مفاوضات بين النظام السوري والمعارضة السورية ،( وهو المشروع الذي يتوافق مع مواقف كل من: روسيا الاتحادية وإيران حول الموضوع نفسه).وقد وصل في وقت لاحق إلى القاهرة مبعوثون عراقيون من اجل التعبير عن مواقف بغداد إلى جامعة الدول العربية،و في الحقيقة: ان هذا التوجه للسياسة الخارجية العراقية يضعف كثيرا من مواقف الدبلوماسية التركية التي كانت وما تزال تعمل على رحيل الرئيس بشار الأسد.
وهنالك العديد من التحديات التي تنتظر العراق، إذ ان دولة العراق لا تزال مؤسساتها تحتاج اليوم الى مزيد من الوقت وذلك نتيجة للظروف الغير طبيعية التي مرت بها دولة العراق،وهي مشكلة ذات أهمية بالغة، فقد غادرت الولايات المتحدة الأمريكية دولة من الصعب حكمها، ومرهقة بين المركزية ( للحكومة الاتحادية في بغداد) والمحاولات المطالبة بالفدرالية والأقاليم.
فالأزمة السياسية التي بدأت في أثناء شهر كانون الأول من العام 2011م، تكشف بما لا يقبل الجدل عن الخلافات القائمة بين المكونات السياسية والطائفية في العراق، فضلا عن ذلك يبدو أن الانقسامات الإقليمية لا تترك سوى هامش قليل من العمل لسياسة عراقية مستقلة وذات سيادة.
وفي اللعبة الكبرى بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، فانّ العراق هو عملة صعبة، حيث أن قيام تحالف بين بغداد وطهران يمكن أن يسمح لإيران بصد الضغط على حدودها، والتمدد في مواجهة المملكة العربية السعودية وتركيا، وان يعمل كذلك كثقل موازن للتحالف القائم بين دول الخليج والرياض بزعامة أمريكية، إذ أن انسحاب القوات الأمريكية من العراق بعد أن استمر وجودها لمدة تسع سنوات يثير الكثير من القلق لدول الخليج العربي نظرا لان ذلك قد يعزز من التأثير الإيراني في هذه المنطقة الإستراتيجية، فقد كان الوجود الأمريكي مطمئنا لحلفائهم في الخليج العربي الذين يرتبطون معها باتفاقيات أمنية،لقد كان الوجود الأمريكي في العراق يضمن الاستقرار بالنظر للقدرات الأمريكية الهائلة.
إلا أن المقاومة لزيادة القوة والنفوذ الإيراني يمكن أن تكون حجة لاجتياح أمريكي جديد في المنطقة تكون إيران هذه المرة هدفا رئيسا له.
وفيما يتعلق بإسرائيل بشكل مباشر فان انسحاب القوات الأمريكية من العراق يغير من وضعية ومكانة إسرائيل في الشرق الأوسط على المستوى الاستراتيجي.
فبين العامي 1980م- 1988م، قد تم إيقاف ميول الهيمنة الإيرانية على المنطقة بسبب انشغالها في الحرب مع العراق، ولم تستطع طهران سواء من تحقيق خرق على الجبهة مع إسرائيل والغرب، عبر حزب الله في جنوب لبنان.
وفي سنوات 1991م- 2011م، كان العراق منطقة إستراتيجية عازلة في مواجهة إيران، فيما حصل على دعم حيوي في العام 2003م، من قبل الجيش الأمريكي، أما اليوم فانه يبدو أن هذه المنطقة العازلة قد تحوّلت إلى تأثير إيراني، وهذا المتغيّر الجديد سيحدث ضغوطا إيرانية قوية على المملكة الأردنية الهاشمية في سبيل منعها من أن تصبح حاجزا جديدا قبالة توسع التأثير الشيعي، فيما يمكن كذلك لهذا التوجّه أن يحاصر المملكة العربية السعودية من الشمال ويفتح جبهة جديدة في الشرق ضد إسرائيل.
وفي مواجهة هذه المعطيات الجيوبوليتيكية الجديدة قد تقع المسؤولية على الولايات المتحدة الأمريكية في تعزيز النظام الهاشمي في الأردن كي يستطيع مواجهة التحديات الجديدة، ولذلك كما يبدو كانت قد اتخذت الإجراءات من قبل دول الخليج العربي لقبول المملكة الأردنية كعضو في مجلس التعاون الخليجي.
وبالنتيجة فان انسحاب القوات الأمريكية من العراق سيعزز من المنطق الاستراتيجي في إسرائيل القائل بالمحافظة على الأردن كخط أول للدفاع عن إسرائيل ورفض إسرائيل لكل المطالب الدولية من اجل الانسحاب من الضفة الغربية أو من حدود ما قبل العام 1967م.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. ما مدى أهمية تأثير أصوات أصحاب البشرة السمراء في نتائج الانت
.. سعيد زياد: إسرائيل خلقت نمطا جديدا في علم الحروب والمجازر وا
.. ماذا لو تعادلت الأصوات في المجمع الانتخابي بين دونالد ترمب و
.. الدفاعات الجوية الإسرائيلية تعترض 3 مسيّرات في سماء إيلات جن
.. فوضى عارمة وسيارات مكدسة بعد فيضانات كارثية في منطقة فالنسيا