الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(( دراسة تحليلية لنص -من مرافعة الحجاج - )) للدكتور هشام المعلم// عنان عكروتي

عنان عكروتي

2012 / 4 / 8
الادب والفن


تسوقفك بعض النصوص لتعيد صياغة نظرتك لأمر ما و أو لتعزز أيمانك بما تعتقده حول ذلك الأمر
و كم استوقفني هذا النص , نص ’’من مرافعة الحجاج ’’ ل هشام المعلم
في تبنيه لقضية يفترض انه مفروغ البت فيها بحكم كل المسوغات التاريخية لمحاكمة الحجاج
و لكنه الشئ الجديد و الصياغة المختلفة التي دعتني لسرد هذه المقاربة النقدية.
قرأت النص لأكثر من مرة و راجعت تفاعل القرّاء معه لكنني لم استطع استساغة أن ظاهر السطور هو بالفعل ما يتبنّاه النص
و أعني هنا الدفاع عن شخصية جبارة دكتاتورية من قبل شاعر يفترض أنه ينادي في كل ما يكتب إلى الحريات.
فافترضت جدلا أنه لم يصل إلى ذهن المتلقي كما يجب أو كما أراد له الشاعر أن يصل: أي أنه وصل إلى القارئ كأن الشاعر تبنى فكرة الدفاع عن الحجاج باعتباره رمزا للاستبداد عبر التاريخ الإسلامي.و لأّننا في مجتمع تسيطر عليه في أغلب البلاد العربية الأحكام المسبّقة والآراء الفقهية المقيّدة وأنّ أغلبنا كقراء لا نتعب أنفسنا كثيرا في التّفكير ومحاولة التطرق إلى الأبعاد الحقيقية للنص حاولت أن أسلّط بعض الضّوء على ما بدا لي أنّ القصيدة تعنيه حقيقة,لأني أعتبرها من أعمق وأجمل ما كتب في هذا الموضوع بطريقة جديدة ومختلفة,بعد أن أغرقنا الفايس بوك ومختلف الصفحات الاجتماعية في تكرارات مملة وساذجة أساءت في أحيان كثيرة للجمال الحقيقي للقصائد .هذا النص أعترف أني سأحاول الصعود إليه لأنه صعب جدا و يحتوي على دلالات فلسفية وفقهية عميقة .وأسلوب غير معتاد للتطرق في بعض الأحداث المهمة تاريخيا و ربطها بالواقع الحالي.ورغم أن هذه القصيدة سبقت الربيع العربي, لكني سأحاول أن أرى من خلالها رؤية بعض مثقفينا واستشرافهم للواقع وإبرازهم لهول الاستبداد للّسلطة الحاكمة .
كما قلت في المقدمة أن القصيدة تبدو كأنها تبني من الشاعر لفكرة تبرير القمع والاضطهاد الذي مارسه الحجاج في عصره و المبررات منطقية جدا في ظل التسلط الديني الذي نعاني منه خاصة هنا:
’’أنا لم أظــلم أحــدا
كُنــتُ أُحاول أن أتهجــى نصــاً مكتوبـاً مُنذُ عقود
كنــتُ أُحاول أن أُنجِــزَ ما أوكل لي من ساسةِ أمرٍ و عهــود
لكني لا بيتــاً جاورتُ و لا بونــاً في أرضِ اللــهِ قطعــت
كُنْتُ أُحَاوِلُ أنْ أتَأَولَ نَصاً مَكْتُوْباً مُنْذُ سِنِيْنَ
لَمْ أتَلَصَّصْ
أوْ أتَمَلّصْ
أَوْ أَتَوَارَ
لكن عندما نقرأ جيدا ننتبه أن المستبد هنا ورمزه الحجاج حاول بخبث أن يطوع النص لتبرير فعله وأن يستمد الشرعية من أهل الذكر الذين هم عادة مساندون للسلطة السياسية.يعطونها الضوء الأخضر دائما للحفاظ على مصالحها ومصالحهم .ويتجلى هذا الأمر بوضوح أكثر عندما يقول ( اسألوا أهل الذكر ).هنا بالذات إقامة حجة عليه وليس له لأن السلطة السياسية والدينية كل لا يتجزأ وأن ما تجيزه هذه تزكيه الأخرى.وعندما تناصر أحدها الثاني فهي في حقيقة الأمر ناصرت نفسها وأهدافها لأنها أحد أدواتها.يعني هنا أّن الحجاج أقام الّدليل على نفسه أنه يمسك بكل السلطات وأنه الفاعل الحقيقي والآمر والناهي: أي أنه طاغية وسفاح بامتياز..
نمر في القصيدة أكثر لنقرأ:
وَ مَاذَا عَنْ شَيْخٍ الْقُرَّاء "ابْنِ الأشعث" وَ دَمُ الْقُـــــرَّاءِ.؟؟
كُنْتُ مُعَلِّمَ صِبْيَانٍ فِيْ الْمَاضِيْ
وَ كُنْتُ أحِبُّ كَلَامَ اللهِ
وَ حَتَّىْ الآنَ
أنا مَنْ زَيَّنَ هَذِيْ الْأحْرُفَ بِالتَنْقِيطِ
لَمْ أتَرَدَدُ أبَداً إلا في سفــكِ دمــاء الْقُرَّاءِ
هَلْ أخْطَأْتُ؟
كُنْــتُ أدافِعُ عَنْ هَذَا الْعَرْشِ
وَهَذَا الْدِّيْنِ
و عن أمِنِ الإنْسَانِ
وهنا نتساءل من هو ابن الأشعث؟وما حكايته مع الحجاج؟
ابن الأشعث كان أحد ولاة الحجاج الذين ثاروا على ظلمه ووقفوا ضده.و
كانت واقعته مع الحجاج من أكثر الوقائع هولاً في تاريخ الحجاج، وفيها كان له النصر على الثوار من أصحاب ابن الأشعث. وقُتل خلق كثير فيها،
وفيها ظفر الحجاج بكل أصحاب ابن الأشعث، بين قتيل وأسير، إلا ابن الأشعث، فقد هرب، لكن أصحاب الحجاج ظفروا به في سجستان فقتلوه، وطيف برأسه في البلدان.
و يعتمد الشّاعر هذه الحقيقة ليثبت المجازر المرعبة التي ارتكبها الحجاج ابن يوسف, ويسلّط الضوء على بعض تاريخه الدموي في القضاء على أعدائه ومعارضيه. هكذا نلمس ارتباطا وثيقا بين ما يكتبه المثقفين وبين الواقع بكل آلامه وفواجعه.فالمثقف دائما نابذ للظلم والقهر والاستبداد.وهو دائما منحاز لصفوف الجائعين والمشردين ومن اغتصبت حقوقهم.

ويستمر نفس النسق في القصيدة لنقرأ :
وَ دَمُ ابن جُبَيْرٍ..؟؟
لا تسألني عنه
فــَ آاااهٍ مِنْ رَّوْحِ ابْنُ جُبَيْرٍ
هَذَا مَا لا يُغفرْ
و ابن جبير هو سعيد بن جبير ألأسدي (46-95 هـ) تابعي حبشي الأصل، كان تقيا وعالما بالدين.قتله الحجاج بن يوسف الثقفي بسبب خروجه مع عبد الرحمن بن الأشعث في ثورته على بني أمية.كان دعاء سعيد بن جبير على الحجاج قبل مقتله "اللهم لا تسلطه على قتل أحد من بعدي". وفعلا مات الحجاج دون أن يقتل أحد من بعد سعيد بن جبير. وبعد مقتل سعيد بن جبير اغتم الحجاج غما كبيرا وكان يقول: ما لي ولسعيد بن جبير كلما أردت النوم أخذ برجلي (1)
هنا أيضا نواصل في نفس السياق وأعتبره استمرارا لما سبق من تواصل الإدانة للحجاج أو على الأقل تكملة له. حين يقول الحجاج ( فــَ آاااهٍ مِنْ رَّوْحِ ابْنُ جُبَيْرٍ ) هذه الروح التي ترهقه, ووجودها في داخل القصيدة بهذا الأسلوب وبهذه الروح المتألمة المعذبة حجة كبيرة على الحجاج كيف أن ضميره يؤنبه بما فعله بابن جبير واذراك الحجاج هذا الظلم الكبير الذي مارسه على أحد العلماء.
ورغم تواصل القصيدة في ظاهرها بعد هذا المقطع في نفس السياق التبريري .إلا أنها دليل إدانة على الحجاج واقتناعه هو نفسه بضعف هذه المبررات فكررها وأكثر منها ليقنع نفسه أولا وهو ليس مقتنع حيث أن ضميره يعذبه ويقنع الآخر المتمثل فينا نحن كرأي عام يدينه وهو نفس أسلوب حكامنا تقريبا يتكرر عبر كل مراحل التاريخ ويستنسخ بنفس الطريقة.

ونمر إلى نهاية النص ونجد في المقطع الأخير منه

وَ ابنُ أسْمَاء ؟
خرجَ على إجماع الناس و كان يهددُ حوضَ الدين و يبغي الفتنة في الأمة
أوَ يبغي الفتنةَ ثم يرادُ لمثلي أن يُغمضَ عينيه و يسكت
حِيْنَ مَدَدْتُ إلَيْهِ الْسَّيْفَ
أحْسَسْتُ بآلام الْنَّصْر
وقصة ابن أسماء خير دليل على مسلسل الاغتيالات السياسية التي كان يقوم بها الحجاج.وقد أنكر عليه الجميع صلبه وقطعه رؤوس الناس .وقد روي عن أسماء رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : يخرج من ثقيف كذاب ومبير فأما الكذاب فقد رأيناه وأما المبير فأنت فقال الحجاج مبير المنافقين (2)

الحجاج ذلك الوالي الذي قضى حياته في عبادة ولي الأمر و طاعته العمياء في ما حل و حرم يتلبس بلباس التدين و ككل الدكتاتوريات التي عرفت عبر التاريخ يتغنى بمنه على محكوميه بانجازاته التي يرى أنها معجزات كان يبني مدينة أو يخط لشارع أو ينجز عملا ما كتنقيط المصحف على سبيل المثال متناسيا ما يعانيه من يقع تحت سطوة بطشه
هذا هو التاريخ السياسي والإجرامي للحجاج كرمز فضيع للدكتاتورية عبر التاريخ وضّفه الشاعر هشام المعلم في هذه القصيدة لإدانة عصر الحجاج وكل العصور التي تصعد فيها الدكتاتوريات لتتحكم في مصائر الناس .مستخدمة كل الطرق الشرعية والغير شرعية لتبرير إجرامها و تقنين تحكمها في رقاب مواطنيها . وهي مغامرة كبيرة خاضها الشاعر هشام المعلم ونجح إلى حد كبير في الإشارة إلى ذلك بطريقة ذكية وأسلوب مبتكر يبدو للوهلة الأولى للمتلقي أنه يناصر هؤلاء المجرمين بمناصرته احد رموزهم الحجاج.لكن في الحقيقة من خلال قراءتي المتواضعة أن طابع الكتابة التي نسجت هذا النص والأسلوب الذي انتهجه الشاعر كان رؤية لعصرنا الحاضر من استبداد الدكتاتوريات والتضييق على الحريات العامة والخاصة ومن ضمنها الإبداع فجاءت القصيدة كصرخة ضد هذا التعسف وصوت حر يقول مازال هناك أمل للإنسانية أن تتحقق يوما ويحيى إنسان أجمل

المراجع التاريخية:
(1) الحجاج بن يوسف الثقفي:الموسوعة الحرة
(2) سعيد ابن جبير :الموسوعة الحرة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جولة في عاصمة الثقافة الأوروبية لعام 2024 | يوروماكس


.. المخرج كريم السبكي- جمعتني كمياء بالمو?لف وسام صبري في فيلم




.. صباح العربية | بمشاركة نجوم عالميين.. زرقاء اليمامة: أول أوب


.. -صباح العربية- يلتقي فنانة الأوبرا السعودية سوسن البهيتي




.. الممثل الأميركي مارك هامل يروي موقفا طريفا أثناء زيارته لمكت