الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أدب سجن تدمر 3/3

جقل الواوي

2012 / 4 / 8
أوراق كتبت في وعن السجن


3

السجين و السجان و السجن عناصر ثلاثة تمحورت حولها عملية القص أو "التوثيق"،هذه العناصر ليست هي العناصر المعيارية في القضايا الحقوقية، القانون الكيان الأساسي و الذي يعتبر الملاط الرابط بين السجين و السجان كان غائبا ، القانون الذي كان غائبا أخذ مكانه السجان ذاته. صور الكَتاب المحاكمات التي كانت تتم بشكل فظ في قاعات السجن الذين ينزلون فيه في ظل غياب كامل للمحامين أما القاضي نفسه فقد ظهر كمحقق و في أحيان كثيرة كجلاد أيضا، مما جعل القانون بشكله النصوصي "نص القانون" و شخصه الإعتباري "القاضي" يندمجان في عنصري السجن و السجان.و قد يكون وجود قانون حقيقي يحتم بالضرورة عدم وجود سجن تدمر ذاته بشكله المعروف، بإعتبار وجود سجن من هذا النوع يتجاوز أي قانون و يتجاوز حتى قانون الطوارىء الذي كان معمولا به.

أنفصل السجن عن السجان لدى رواة سجن تدمر رغم أن كلاهما أداة قامعة، فقد شكل السجن لهم جسدا شاهدا فهو و إن زاد من عذاباتهم بشكله المعماري الفريد، فقد أحتفظ في طياته على قرائن فضحت سلوك "السجان" و قد روى كل من مر بتدمر آثار جريمة مروعة ارتكتبت بين جدرانه حين قُتل عدد كبير من السجناء بعد مهاجمة أحدى القطع العسكرية الخاصة للسجن و بتواطىء كامل مع إدارته، لم يكن السجن وفيا لاصحابة فقد حافظ "كما قال الرواة" على آثار مهمة تفضح هذه الجريمة. شراقة السجن و هي فتحة في سقف المهاجع كانت مصدر قلق و خوف دائمين تؤرق من يحاول النوم، ساحة الإعدام فراغ مطلي بالإسمنت حيث تنتزع الأرواح بشد حبل بلاستيكي وثيق حول العنق،و طقوس لها عناوين "إنسانية" و لكن السجن استخدمها بشكل إبتكاري فظيع للتنكيل مثل التنفس و الحلاقة و الحمام، بالإضافة الى الأوبئة التي عاثت في السجن كواحد من "أهل البيت" كالسل و الجرب، و الهوام التي كان السجن ملاذا آمنا لها كالقمل و الجرذان.

لم يكن السجن ككائن خرساني مصمت عذاب كله فقد شكل موقعة القريب من المدينة سلوى من نوع خاص لكل سجين حسب "هويته" شعر الإسلاميون بالطمأنينة و الهدوء عندما كان صوت المؤذن ينساب صافيا في آذانهم من المسجد القريب للمدينة،وصف مصطفى خليفة مشهدا مؤثرا من مشاهد السجن من الشراقة بالذات يؤرخ ذلك اليوم ب 25 أيلول عندما هبت عاصفة شديدة فقذف الهواء صفحة كاملة من جريدة لتلتصق بالشراقة "أبتهل" السجناء للرياح كي تسقط الجريدة في الداخل فلم تفعل شكل المساجين هرما تسلقوا بعضهم البعض و أنزلوا الكنز الثمين صفحتين كاملتين من الكلام المطبوع المنضد، لم يكن في الجريدة آخبار كانت مجرد إعلانات رسمية حكومية و أخبار دوري كرة القدم المحلية كانت تلك الأخبار حدثا هاما و تاريخا مميزا للمهجع.

رواة سجن تدمر يعتبرون السجان رجل سادي يتحرك بفعل جيناته فينكل بالجميع، الإختلاف كان في طبيعة تلك الجينات، الإسلاميون يعتقدون بأن دافعا "فئويا" يحرك السجان بكافة أشكاله إبتداءا بالمحقق و أنتهاءا بجلاد السجن مرورا بالقاضي نفسه، هؤلاء جميعا لديهم "غل" طائفي و لا يمكن إطفائه إلا بطريقة عنيفة سجن تدمر شكل من اشكالها. و قسوة العقاب هي "إنتقام حاقد" يحمله شخص مختلف مذهبيا، حماد (ص50) يكتب فصلا بعنوان "من لائحة الجناة" فيعدد أسماء مدير السجن و معاونة و جلاوزة التعذيب و يقول بأنهم من طائفة الأقلية الحاكمة و يتابع سردا بالأسم لمن أحتل مكان من و لا ينسى أن يقول بأنه من نفس الملة و العلة ثم يستنتج بأنها سياسية قائمة على "منهجية الفرز الطائفي البغيض و تمكين الأقلية الموتورة من حكم الأغلبية المغلوبة على أمرها" ص(51)، مثل هذه التعاريف منثورة بشكل أكبر عند عبد الله الناجي ص (87 و 91 و 96) و يذهب بعيدا في التوصيف المذهبي الى حد الطرفة فيقول تعليقا على زيادة حدة إصابات السجناء (ص 105) " الدواء و العلاج ممنوعان عند القرامطة". قراءة خالد فاضل و تحليلة لعنف الجلاد جاء مباشرا ص (53) "هذا الحقد الرهيب على المعتقلين ما الذي أثاره فيهم؟أجبت نفسي بحسرة ما أثاره إلا عقيدة بل عقائد باطلة فاسدة باطنية مكتومة". حرصت روايات الإسلاميين بشكل خاص على ذكر الأسماء و أحيانا بشكلها الثلاثي و ذكر الطائفة خلف الأسم كعلامة مميزة تشكل دليلا كافيا على القسوة و الظلم. كتاب اليسار كانوا أكثر تحفظا و لكن آرام كربيت رفض هذا النوع من التمييز و قسم الفريقين على أساس حاكم و محكوم أما القسوة فيردها الى عامل مختلف ص64" إن احتقار الجلاد لضحاياه هو نتيجة لإحتقاره لذاته و منشأه الوضيع المنحط".

لم تقف الروايات متفرجة على جراح ابطالها حاولت أن تنال من السجان ذلك الرجل المخيف الذي يطيح بالجسد،سخرت منه و هجته و حاولت بكل ما تستطيع أن تُلحق أذى به بالقدر الذي الحق بها، آرام كربيت الذي يتميز غيظا كال الشتائم و السباب للسجان "في سره طبعا"فيصف رجال الشرطه بأن اصواتهم كالنباح ص80 "ما أن يبدأ ليل تدمر.....يبدأ عواء الشرطة ونباحهم الليلي الطويل"، الإسلاميون لجأوا الى طريقة مختلفة في "التنكيل" بالجلاد عندما صمموا لهم نهايات متنوعة حماد ص88 " عندما غادر أبو جهل السجن عام 82، وأشيع أنه هرب إلى العراق - وإن كنا لا ندري صحة تلك الإشاعة" و أبو جهل لقب أطلقة السجناء على أحد جلاديهم و هي طريقة أخرى في الرد على عنف السجان بإطلاق لقب غير محبب عليه " أبو جهل، حيَو، أخو الشرموطه......"،مصطفى خليفة كان الأكثر تأثيرا في كيفية الرد على السجان عندما صمم مشهدا غاية في التعبير و السخرية ص 116 " في أحدى حفلات الأعدام وبعد أن أنزلو الدفعة الأولى وضعوا الحبال في رقاب الدفعة الثانية ورفعوها الى الأعلى، سبعة معدومين من ثمانية ارتخت أجسادهم، وبقي الثامن يصارع، كان يأبى أن يموت، جسده متدل ويلعبط، انتظر الجميع دقائق ولكن روحه كانت عنيدة، أبت أن تخرج، يحرك رجليه يحاول أن يرتفع بجسده الى الأعلى، وطال الإنتظار، احساس بالإختناق وضيق التنفس ينتاب الجميع، المساعد تلمس رقبته بيده اليمنى وفركها، الجسد المعلق في الهواء يصارع، أخذت ألهث تحت البطانية ... وصاح المساعد:
- يا وحش خلصنا من هـ الشغلة! .. خليه يرتاح.
تقدم الوحش، وقف تحته وأمسك برجليه وأخذ يشده الى الأسفل، كان السجين المعلق - كالعادة - يلبس ثيابا رثة .. أسمالاً، ولذلك عندما شده الى الاسفل انشدت الثياب واصبح السجين عارياً بجزئه السفلي، تابع الوحش الشد، يشد ... ويشد ... ونجح اخيراً، مات السجين، لكن فور موته يبدو ان مصرته الشرجية قد ارتخت نهائياً فأفرغ كل ما في امعائه فوق الوحش الذي لا زال يشد، وكانت كمية الفضلات كبيرة وسائلة ... غطت الوحش، رأسه، وجهه، صدره "

السجين الذي تدور الروايات حوله و تتكلم باسمه يحاصره الجلادون و يحصره السجن يؤمن بهدف سام نبيل دخل السجن من أجله و هو غير مستعد أن يتغير رغم التعذيب الذي يسهب في وصفه، ثقته بما يحمل من مبادىء اشد متانة من "قشاط الدبابة" الذي ينهال على جسده العار بلا رحمة، يظهر كراهية شديدة للجلاد كما يظهر تعاطفا مع زملاءه المساجين، تصفهم الروايات و كأنهم شخص واحد نحيل هزيل محضوم الحق و كذلك مظلوم، لم تتحدث الروايات عن جرائم، فالسجين غير معترف باي جريمة و العكس هو الصحيح سجن تدمر و القائمين عليه و كلذك السلطة نفسها التي تديره هي المجرمة.و هذا إتفاق تام أجمع عليه كل من كتب عن سجن تدمر.

أغلقت السلطات سجن تدمر سنة 2001 و لكن ثقافته ما زالت قائمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس...منظمة مناهضة التعذيب تحذر من تدهور الوضع الصحي داخل ا


.. الأونروا مصممة على البقاء..والوضع أصبح كارثي بعد غلق معبر رف




.. كلمة أخيرة - الأونروا: رفح أصبحت مخيمات.. والفلسطينيين نزحوا


.. العضوية الكاملة.. آمال فلسطين معقودة على جمعية الأمم المتحدة




.. هيئة التدريس بمخيم جباليا تنظم فعالية للمطالبة بعودة التعليم