الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زلزال عمر سليمان

أحمد حمدي سبح
كاتب ومستشار في العلاقات الدولية واستراتيجيات التنمية المجتمعية .

(Ahmad Hamdy Sabbah)

2012 / 4 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


في اطار الملحمة التي تعيشها الانتخابات الرئاسية المصرية واستمرارآ لمسلسل المفاجآت ، تقدم اللواء .عمر سليمان مدير المخابرات المصرية السابق ونائب الرئيس السابق محمد حسني مبارك الى الترشح الى منصب رئيس الجمهورية ، فيما اعتبر أكبر مفاجآت السباق الرئاسي وبعيد ثبوت الجنسية الأمريكية لوالدة المرشح السلفي حازم أبو اسماعيل وحتمية استبعاده من السباق وفقآ للقانون .

يعتبر ترشح عمر سليمان الى منصب الرئاسة لطمة قوية لصفوف الثوار والاسلاميين ، الذين اتفقوا على رفض هذا الترشح والتخوف منه لأنه سيعيد انتاج النظام السابق وان اختلفت أسماء الممثلين واللاعبين على المسرح الوطني والسياسي ، وهو ما يعارضه الثوار وفريق من الليبراليين لأنه يعني اهدار قيم الحرية والديموقراطية الكاملة ، ويخشاه الاسلاميون لأنه بمثابة شبح السجون والمعتقلات قد أطل برأسه من جديد أو على الأقل وقف زحفهم بالسيطرة على الدولة خاصة وأن عمر سليمان من مدرسة أن الشعب المصري ليس مستعدآ بعد للديموقراطية الكاملة ، بدعوى انتشار الجهل والتخلف وغياب ثقافة الحوار واحترام الرأي الآخر .

كما أنه يرى ان الثورة ليست الا صنيعة تيارات الاسلام السياسي ولا يعترف بحقيقة أن الثورة انما قام بها ليبراليون أحرار ثاروا على الظلم والمهانة التي يتعرض لها المجتمع ككل ولحق بها بعض الاسلاميون فيما بعد ، وهذا في حد ذاته انما يعد نقيصة ادراكية لفهم أبعاد المشهد السياسي لمصر ما بعد الثورة ، وهنا تظهر حاجة عمر سليمان الى استدعاء مخزونه الخبراتبي المخابراتي في المراجعة الفكرية الحقيقية لخطط التحرك والتنفيذ ليستطيع أن يرتب لمنظومة سلوكية سياسية لا تتناسب مع أهداف الثورة المعلنة في الحرية والعدالة والكرامة .

وهي للصراحة وان كانت دعاوي لها وجاهتها وحقيقتها على أرض الواقع الفعلي خاصة بعد تغول تيار الاسلاميين وتوزيع أغلبهم لتهم التكفير على معارضيهم والرغبة في اقصاء الآخرين وهو ما تجلى في انتخاب الجمعية التأسيسية للدستور ، وتصريحات وأفعال أغلب السلفيين الظلامية والتي وصلت الى حد تغطية التماثيل في الميادين والأماكن العامة التي يعقدون فيها مؤتمراتهم وما شابهها من ممارسات في دول الربيع العربي .

حتى وصل الأمر بتصريح أحد المناضلين التونسيين أنه حين قمنا بالدفاع عن الاسلاميين وهم في السجون في عهد النظام البائد قالوا عنا أبطالآ وبعد أن خرجوا من السجون قالوا عنا كفارآ ، وما الى ذلك مما عانيناه جميعآ بسبب تصرفات الاسلاميين خاصة وتفرق وضعف القوى الليبرالية خلال المرحلة الانتقالية التي أعقبت ثورة يناير العظيمة .

الا أن من يتغني بشعارات عدم استعداد الشعوب للديموقراطية الكاملة ، يتناسى أو يتجاهل أن سبب ذلك انما يعود الى ممارسات الأنظام السابقة التي كانت تهدف في مجملها الى تكريس الجهل والتخلف وعجزت على الرغم من العقود الطويلة التي قضتها في الحكم منذ ثورة يوليو 1952 وحتى اليوم ، وأن جماعات الظلام والتشدد الديني لم تجد طريقها الى الواقع العملي ولم تتسلل بأفكارها الظلامية والمدمرة الى عقول الناس وضمائرهم الا في عهود هذه الأنظمة بل وبمباركتها .

وذلك باتفاق مسبق وضمني أو حتى سري بأن تترك الأنظمة لبعض هذه التيارات حرية العمل في الشارع أو بمعنى أصح حرية العمل في عقول الناس وتصرفاتهم ومظاهرهم مقابل زرع أفكار عدم الخروج على الحاكم ومباركة قراراته بل وشرعنتها بأي شكل من الأشكال فكتب التفاسير الدينية التراثية وكتب الأحاديث المنسوبة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم ملأى بالتفسيرات والأحاديث (الغريبة و الموضوعة ولكن من سيجادل هؤلاء في الدين والا كفروه وأطلقوا عليه الأتباع والدهماء ) التي يمكن استغلالها لتبرير وشرعنة مواقف وقرارات الحكام والسلاطين .

وهذا ليس بجديد فهذا دائمآ ما كان دأب فقهاء السلطة والسلطان على مدار التاريخ سواء المسيحي أو الاسلامي ، فكانت النتيجة ظلام العصور الوسطى وتاريخ يخلو من مبادئ وقيم الحرية والعدل والسلام ومحاسبة الحاكم اذا استثنينا بالطبع فترة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وفترة العمرين عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز والى حد ما فترتي أبا بكر وعلي بن أبي طالب .

وبالتالي فاننا نجد أن سبب غياب ثقافة الديموقراطية وحرية الرأي والتعبير واحترام الرأي الآخر وعدم ادعاء احتكار الحقيقة والصواب انما يمتد بجذوره الى عمق تاريخ الحكام وعاصرهم ، فاذا كنا نريد أن نؤسس مجتمعآ ديموقراطيآ حقيقيآ يحترم المبادئ الأساسية لأية ديموقراطية سليمة فاننا بحاجة الى حاكم ونخبة يزرعون ذلك ويقفون على انمائه واخصابه لا دحره واخصائه .

وهو ما يتطلب نخبة حاكمة ومثقفة بعيدة عن الظلاميين وأدعيائهم ومؤيديهم ، تعمل على تطبيق نموذج متكامل للديموقراطية من خلال نظام متكامل من الثقافة والتعليم والقانون المتشدد والباتر لأية محاولة لتقنين وفرض وممارسة الاحتلال العقلي الظلامي التكفيري والتفتيتي والمكرس للكراهية والفتن الطائفية ، والاستعانة بالخبرات الحقيقية الداخلية والخارجية من دول تمرست على النهج الديموقراطي السليم .

وبالتالي فان عمر سليمان أو غيره من المرشحين يجدون أنفسهم أمام مرحلة غاية في الصعوبة والتعقيد ، تتعاظم معها الحاجة الى ادراك حقيقة أن الشعب المصري قد تغير ولن يقبل بالرجوع الى النظام القديم وممارساته ، ولكنه يظل يعاني من فروقات تتعلق بدرجة ومدى بل وبطبيعة التطلعات.

ما بين فريق أول يريد انهاء النظام القديم كلية والانهاء السياسي الحاد لكافة أشكاله وصوره ورموزه والتقدم دفعآ الى الأمام وهو فريق الثوار واحداث ثورة كاملة في المنظومة الاقتصادية وتحقيق العدالة الاجتماعية الحقيقية في مواجهة محتكري الثروات .

وفريق ثاني يطالب بتحسين النظام السابق واعادة انتاجه ولكن على أسس جديدة تضعف من القبضة الحديدية لمؤسسات الأمن على حريات الناس وتعاملها معهم وتحسين الظروف المعيشية واسترجاع المستطاع من ممتلكات الدولة المنهوبة وهو ما يمثل ما درج على تسميته بالأغلبية الصامتة أو ما يمكن تسميته بالتيار الصامت .

وفريق ثالث وهو الفريق الذي يمثل السواد الأعظم من تيار الاسلام السياسي والذي يقع على عاتقه بشكل أساسي مسؤولية محنة المرحلة الانتقالية التي تعانيها مصر ، واثارة مخاوف الفريق الثاني بل ونسبة كبيرة من الفريق الأول ، وهذا الفريق الاسلامي يهدف الى بناء دولة ذات منظومة خاصة به ومفصلة عليه تستبعد ما عداه حتى لو رفع شعارات مغايرة فانها في النهاية لا تبرح طريق الشعارات لنجد ممارساتهم تشيد أبراجآ من المفاهيم المتزمتة والمغرقة في الظلام أو المهيئة له والممارسات السلوكية التي تناقض تمامآ ما يقولون ويدعون .

وبالتالي فاننا نجد أن ترشيح عمر سليمان قد نزل بردآ وسلامآ على الفريق الثاني ونسبة من الفريق الأول ، ولا يمكن أبدآ تجاهل حقيقة أن الغالبية العظمى والأقرب الى الكلية من المصريين المسيحيين ستتجه الى انتخاب عمر سليمان خوفآ من رعب تيارات الاسلام السياسي خاصة بعد ما ظهر من ممارساتها الاحتكارية والاقصائية واثارتها للنعرات والفتن الطائفية من حين لآخر الى الدرجة التي جعلت نسبة كبيرة من المسلمين انفسهم يتخوفون منهم على مستقبل البلاد والعباد والأبناء ، خاصة وأن عمر سليمان يعتبر طاهر اليد ولم يعاقب بتهمة اهدار المال العام أو استغلال السلطات لتحقيق منافع مادية ، وكان معروفآ عنه معارضته للتوريث وسعيه للتفاوض مع الثوار أثناء الثورة المصرية المباركة .

صحيح أن عمر سليمان لايملك آليات حرية الحركة التي كان يمتلكها سلفه مبارك والتي مكنته من قمع المعارضة وخاصة الاسلامية منها ، وهو ما يفرض على عمر سليمان في دعايته الانتخابية وحال نجاحه اتباع نهج من المقاربات الجديدة تمكنه من تحقيق تحجيم مناسب لتيارات الاسلام السياسي ، واستخدام خبراته التخطيطية المخابراتية التنظيمية في مواجهة حالة السيولة وشبه الفوضى الادارية التي تعاني منها البلاد ، وذلك من خلال اتباع لنهج ما يعرف بالمفاهمات والاتفاقيات الضمنية مع مختلف القوى السياسية في البلاد بل ومع بعض الجهات السيادية الرئيسة.

وذلك من خلال :

1- اللعب على وتر الفزاعة الاسلامية الظلامية والتي انتقلت فعلآ خلال الفترة الانتقالية الى واقع التطبيق والممارسة ، وهو ما قامت به فعلآ أغلب تيارات الاسلام السياسي والتي أثبتت بممارساتها وتصريحاتها خلال الفترة الانتقالية حقيقة أنها تيارات ديكتاتورية تكفيرية اقصائية أشد خطورة من النظام السابق الذي لم يكن يملك الجرأة بشكل علني وصريح ومباشر أن يتستر بعباءة الدين ويلبسها لسياساته وقراراته في احتكار الدولة وهو ما تقوم به أغلب تيارات الاسلام السياسي الآن والتي قدمت صورة مشوهة للدين الاسلامي الحنيف ، وهو بالطبع ما سيمثل وسيلة ناجعة لجذب تأييد جانب كبير من التيارات الليبرالية (اليمينية واليسارية) ، والغالبية العظمى من تيار الصمت ، والمصريين المسيحيين .

2- استغلال ميزة الولاء والتأييد المسبق الذي يتمتع به من قبل المؤسستين الأمنية والعسكرية في فرض الأمن ومواجهة ظاهرة البلطجة واعادة الاحترام لهيبة الدولة ، خاصة وأن كلتا المؤسستين تضمنان معه الحفاظ على جانب كبير من مكتسباتهما وميزاتهما .

ولكنه على الجانب الآخر يظل عمر سليمان مطالبآ بتحقيق تقدم كبير في مجال الرعاية الحقيقية لحقوق الانسان والمواطن من بطش المؤسسات الأمنية وتحويلها من مؤسسات خدمة النظام الى مؤسسات خدمة الشعب بشكل محترم وسليم ، لأن محاولة عودة المؤسسة الأمنية الى ممارساتها السابقة لن تجد الا صدى النفور والرفض والهجوم من قبل الناس وهو ما يهدد أمن هذه المؤسسة مرة أخرى ويعيد ذكريات الثامن والعشرين من يناير 2011 ولو بشكل مقارب بل ويهدد مصداقية عمر سليمان نفسها .

أما بالنسبة للمؤسسة العسكرية والتي يهمها الحفاظ على مكتسباتها المالية والاقتصادية والحفاظ على سرية الموازنة العسكرية وهو مايصطدم مع التيارات الليبرالية والاسلامية واللتان تطالبان بالشفافية والوضوح في هذا الموضوع ، وبالتالي فان عمر سليمان يستطيع اتخاذ طريق وسطي بين كلا المعسكرين من حيث ضمان المصالح المالية والعسكرية للمؤسسة العسكرية طالما لا تحمل ميزانية الدولة ولكن مع ضرورة تقنين وزيادة المساهمة المالية العسكرية في المشروعات الوطنية والخدمية التي يستفيد بها الشعب في كافة المحافظات .

وضمان توزيع العوائد المالية للمؤسسة العسكرية بشكل عادل ومناسب على العسكريين باختلاف رتبهم ودرجاتهم من الجندي العسكري الاحترافي وحتى وزير الدفاع فلا يعقل أن يعيش الجندي المحترف حياة بسيطة يشوبها الحرمان وهو أول من تسال دمائه دفاعآ عن الوطن فيما تظل الرتب العليا ذات العدد والمخاطرة الأقل (بالطبع مع أهميتهم الكبيرة والتي لا غنى عنها فلا توجد معركة بلا قائد ولكن كذلك لايمكن تصورها بلا جنود ) تتمتع بوفرة مالية كبيرة ومستويات معيشية متميزة.

وكذلك العمل على تحقيق قدر من السرية في مناقشة ميزانية الدفاع والحفاظ على أحقية رئيس الجمهورية في صرف مبالغ اضافية لوزارة الدفاع وتتولى هيئة الرقابة الادارية ومن خلال وحدة خاصة بها موضوع متابعة صرف هذه المبالغ لضمان انفاقها في الصالح العام بعيدآ عن المصالح الشخصية بشكل مباشر أو غير مباشر .

3- يستطيع عمر سليمان أن يتمتع بعلاقات طيبة مع المجتمع القضائي وذلك من خلال التأكيد الواقعي والفعلي على استقلالية القضاء وعدم التدخل في مجرياته وأعماله وتعييناته ، خاصة وأن الاسلاميين لم يستطيعوا أن يمدوا بشكل قوي أواصر العلاقات السليمة والقوية مع القضاة نتيجة سابق الخبرة السلبية المشتركة حين كان الكثير من القضاة يلقون بالاسلاميين الى ظلمات السجون ابان حكم الأنظمة السابقة .

وكذلك محاولة الاسلاميين والليبراليين (ومعهم الحق في ذلك) بالمطالبة بمواجهة ظاهرة تعيين ابناء القضاة في السلك القضائي بل ومجاهرة فريق من القضاة بضرورة تشريع ذلك أو على الأقل عدم اعابته ، خاصة وأن احدى الدراسات القانونية التي أعدها د.رأفت فوده رئيس قسم القانون العام بكلية الحقوق بجامعة القاهرة أثبتت أن نسبة المعينين في السلك القضائي من أبناء القضاة أصبحت حوالي 65% من المعينين ، بالاضافة الى ضرورة الغاء انتداب القضاة الى الهيئات والوزارات ، وهو ما يحتاج الى ضرورة مواجهته والعمل على اعادة الأمور الى نصابها الصحيح في ميزان العدالة .

4- مستغلآ محاولات تيار الاسلام السياسي تقييد الاعلام والاءساءة اليه والى الاعلاميين وتشبيههم بسحرة فرعون أو التعدي على خصوصيات الاعلاميات في اطار الدعوة العامة بمكوث المرأة في المنزل والتزام الحجاب بعيدآ عن النقاش الجدي والفاعل في مواجهة المشكلات الحقيقية للبلاد ، والحد من حريته عبر ممارسات ومشاريع قوانين في مجلس الشعب ، بل وظهور مطالبا منهم بمنع الانترنت وتشبيهه بأنه شيطان في البيت كعهدهم بانهم لا ينظرون الا لنصف الكوب الفارغ أو لرغبتهم في اسكات صوت المعارضة لهم على صفحات الانترنت الحرة ، متجاهلين حقيقة أن الانترنت لعب دورآ رئيسآ في الثورة التي قفزوا عليها ومكنتهم من الوصول الى بعض مقاعد السلطة .

فان تاكيد عمر سليمان بضمان حرية الاعلام وعدم التدخل بالتوجيه والرقابة والمنع والمنح ومحاولة عزل الاعلاميين المعارضين أو الاساءة اليهم ، وما الى ذلك من أمور تعيق الاعلام عن أداء دوره الحقيقي في كشف الحقيقة مواجهة الفساد والاستبداد ، مما يحقق علاقات جيدة ومتميزة مع المجتمع الاعلامي والثقافي ويوفر على نفسه الدخول في معارك خاسرة ضد حرية الاعلام خاصة ونحن في عصر الانترنت والسماوات المفتوحة التي لم يعد يجدي معها سياسات التوجيه والرقابة ، ويستطيع بذلك أن يوصل رسالة بأن العقلية القديمة في الحكم والممارسة السياسية لم يعد لها وجود وهو ما سيقابل بترحيب وتأييد اعلامي ومساهمة اعلامية في مواجهة ظاهرة تغول تيارات الاسلام السياسي ورغباتها وممارساتها الاحتكارية والاقصائية.

وبالتالي فان عمر سليمان يستطيع من خلال ما سبق ومن خلال مساندة القوى الليبرالية في معركتها من أجل دستور ديموقراطي حقيقي يكرس مبادئ الحرية والعدالة والسلام والمواطنة الكاملة والمساواة الكاملة بعيدآ عن أي شكل من أشكال التمييز من حيث الدين أو الجنس أو اللغة أو اللون لكل المصريين ، يستطيع أن يعمل على تحجيم قوى الاسلام السياسي التي أضحت نسبة كبيرة ومعتبرة من المصريين تتخوف منها بشكل هائل ، خاصة وأن تلك التيارات لن تقفز بمصر نحو مستقبل ديموقراطي تعددي ، بل تجذبها الى ماضي ديكتاتوري وافكار ظلامية مستبدلة الدولة الاستبدادية السابقة بدولة جديدة أشد استبدادآ تتناسب فيها القوانين والأحكام والعقوبات والقيود مع ثقافة التكفير والرجعية ولعذاب الآخرة أشد وأنكى .

ومن خلال قراءة واقعية للمشهد بعيدآ عن العواطف فان المنافسة ستنحصر بين كل من مرشح الثورة و(الانطلاق) للأمام عبد المنعم أبو الفتوح ، ومرشح الاستقرار و(التقدم أو هكذا ما يجب أن يكون) للأمام عمر سليمان ، وكلا المرشحين سيخوضان معركة شرسة فكلاهما يتقدم من مدخلان ومدرستان مختلفتان ولكنهما بحاجة الى الوعد بتحقيق نهضة حقيقية قطيعة مع الماضي باستبداده وقمعه وفساده ، ولكن كلاهما سينحى لتحقيق هذه الأهداف مناحي مختلفة وسيسلك طرقات تختلف عن الآخر .

ففي حين أن أبو الفتوح يملك القدرة على التفاهم مع التيارات الليبرالية من جانب و الاسلام السياسي من جانب آخر ويقدم حلآ وسطيآ معتدلآ ويلقى القبول بين كلا المعسكرين ، خاصة وأن تيارات الاسلام السياسي على اختلافها ستكتشف مع مرور الوقت أنه المرشح الوحيد ذو الخلفية الاسلامية الذي تستطيع التعامل معه في وجود القوى السياسية والسيادية الأخرى ، كما أنه لا يقدم نفسه كشخصية صدامية مع المؤسستين العسكرية والأمنية مع عدم تخليه عن مطالبات الاصلاح لكلتا المؤسستين ، بالاضافة الى برنامج اقتصادي يتأسس ويمؤسس الدولة على نظام الاقتصاد الاجتماعي الحر وهو أنسب الأنظمة الاقتصادية ويقف وسطآ بين النظامين الرأسمالي والاشتراكي.

الا أن سليمان يملك القدرة وعبر الدهاء المخابراتي ووفق ما سبق بيانه ومعززآ بدعم التيار الصامت والمصريين المسيحيين وفريق من القوى السياسية والمؤسسات السيادية أن يواجه بقوة ممارسات تيارات الاسلام السياسي وشعاراتها ويحجمها وما تمثله هي نفسها من خطر بالغ على الديموقراطية الوليدة والحرية والتعددية في المجتمع المصري عبر رغبتها وسعيها لفرض نسق قيمي ظلامي على الحياة في مصر يعيد استنساخ الحياة الوهابية وتجذيرها في مصر .

ولكن ليس من المتوقع قدرة سليمان على نفي هذه التيارات لأن الأنظمة السابقة ومع ما امتلكته من وسائل القمع والبطش الا أنها لم تستطع اقتلاع هذه التيارات ومنع تصديرها الى مصر بل انها ساهمت في نموها وتشجيعها بشكل ضمني في عهدي السادات ومبارك ، كما أن العلاقات الخاصة التي يحتفظ بها عمر سليمان مع السعودية والتي وصلت الى العرض عليه أن يكون مستشارآ لملك السعودية عقب نجاح الثورة المصرية العظيمة ، ستشكل عائقآ أمام قدرته على التحجيم القوي والنهائي لهذه التيارات المتشددة ، ولكنه يظل في النهاية أقدر المرشحين المتواجدين على الساحة امتلاكآ لقدرة تحقيق الاستقرار بشكل سريع ومواجهة تيارات الاسلام السياسي وتحجيمها .

كما أنه يمكن وعبر تفاهمات خاصة أن يتنازل الفريق. أحمد شفيق لعمر سليمان مقابل تولي شفيق رئاسة الوزراء في حالة نجاح سليمان في انتخابات الرئاسة ، خاصة وأن شفيق يدرك أن حظوظه مع دخول سليمان الى الحلبة تضعف بشكل كبير وأن عدم تنازله المبكر سيكلفه فرصة التواجد على الساحة السياسية المصرية بعد الانتخابات ، وفي المقابل سيستفيد سليمان من ذلك حصوله على الكتلة التصويتية لشفيق والأهم معالجة نقيصة ومشكلة البرنامج الاقتصادي لدى سليمان خاصة مع دخوله سباق الرئاسة مبكرآ دون تحضير قوي مسبق .

وسيظل أبو الفتوح يمتلك الميزة النسبية المتعلقة بالثورية في مواجهة الفساد المتجذر من عشرات السنين ، والبرنامج الاقتصادي الأمثل ، خاصة وأن سليمان (في حالة عدم التحالف مع شفيق) لايمتلك الآن الوقت للشروع في بناء برنامج اقتصادي حقيقي ولا يمكن الاعتقاد في قدرته على تحقيق ثورية منهجية في مواجهة قضايا العدالة الاجتماعية ، وكذلك ميزة الابتعاد عن لعنة الاحتساب على النظام السابق .

الا أن أبو الفتوح سيظل يعاني من ظاهرة تفتيت الأصوات الاسلامية لتعدد مرشحي تيارات الاسلام السياسي ومعاندة جماعة الاخوان لترشحه ، كما يعاني ولكن بدرجة أقل من ضريبة تغول تيار الاسلام السياسي والخوف من أنه بنجاح أبو الفتوح يكون هذا التيار قد أكمل السيطرة على مفاصل السلطة في البلاد ، وهو التخوف الذي ترتفع وتيرته في صفوف تيارات العلمانيين والمصريين المسيحيين .

وبالتالي فانه في حال نجاح أبو الفتوح وسليمان في الجولة الأولى واضطرارهما الى الدخول في جولة اعادة ، وستظهر حالة من الاستقطاب الشديد جدآ بين تيار الثوريين والاسلاميين من جهة والتيار الصامت وفريق من التيار العلماني من جهة أخرى والمصريين المسيحيين ، فان أبو الفتوح سيستفيد كثيرآ من انتقال أصوات فريق من الثوريين والاسلاميين له والتي ليس من المتوقع تمامآ أن تصوت لسليمان وما يمثله من خطر عليها .

وفي هذه المرحلة سيستطيع سليمان أن يحسم السباق لصالحه ان هو استطاع أن يهدأ من مخاوف الثوريين ويؤكد على مسارعته لتحقيق آمالهم في الديموقراطية والحرية والعدالة ، ويلعب على وتر فزاعة الاسلاميين بعد أن تمثلت على أرض الواقع ، ويعيد تذكير الثوريين كيف أن الاسلاميين تخلوا عنهم بعد الثورة في أحداث ومواقع ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء وكيف أن فريق كبير من الاسلاميين يتاجرون بالدين ويستغلونه لتحقيق مآربهم السياسية وتشويه وتكفير منافسيهم في الانتخابات ، وكيف احتكر الاسلاميون اللجان والمقاعد في مجلسي الشعب والشورى والجمعية التأسيسية للدستور ، وانتشار حالة الاحتقان والفتن الطائفية منذ ظهورهم على السطح بسبب ممارسات كثيرين من المحسوبين عليهم .

ان كل أو بعض الخطوات والطرق الانتخابية السابقة وغيرها من الخطوات والطرق والاجتهادات الصادقة والأمينة ، لايصح اعتبارها بمثابة الوقف على شخصية اللواء. عمر سليمان وانما هي تنسحب بشكل أو بآخر الى كل المرشحين (الا قليلآ) الذين يريدون فعلآ معاونة مصر على تجاوز المرحلة الانتقالية ، وتحقيق حلم الدولة المصرية المدنية الديموقراطية القوية التي يفخر بها شعبها ويعتز بها وبثورتها المجيدة ، وأن يكرم الدماء التي سالت ويودع الأرواح التي أزهقت من أجل مصر حرة وعادلة وكريمة وتنعم بالسلام والأمن والرفاه .













التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أكثر من 50.000 لاجئ قاصر في عداد المفقودين في أوروبا | الأخب


.. مدينة أسترالية يعيش سكانها تحت الأرض!! • فرانس 24 / FRANCE 2




.. نتنياهو يهدد باجتياح رفح حتى لو جرى اتفاق بشأن الرهائن والهد


.. رفعوا لافتة باسم الشهيدة هند.. الطلاب المعتصمون يقتحمون القا




.. لماذا علقت بوركينا فاسو عمل عدة وسائل أجنبية في البلاد؟