الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مهماتنا: الجزء الأول المجتمع المدني

عيسى ربضي

2012 / 4 / 9
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


مهماتنا: الجزء الأول المجتمع المدني
لفهم واقعنا الحالي في فلسطين لابد ان نراه ضمن سياقه الشمولي والتاريخي فلا نرى الظواهر بسماتها الفردانية وكأنها قضايا مستقلة بذاتها. بمعنى ان قضية الجندر او النوع الاجتماعي مثلاً لا يمكن اعتبارها قضية منفصلة عن سياقها التاريخي والاجتماعي وبدون ارتباطها بحركة التحرر الوطني والسياسي....الخ. ان كينونة القضايا جميعها تترابط في مفاصلية تجمعها ولا يمكن الفصل بينها الا ونكون قد فقدنا قدرتنا على الرؤية والتحليل العلمي الجدلي.
وكذا قضايا الشباب فهي ليست منفصلة عن قضايا المجتمع الا بخصوصية الجيل، بينما تعتبر مسألة " المجتمع المدني" اساساً للكثير من الخلافات الجوهرية لا بالتعريف فحسب بل ايضاً بالدور والفعل والقدرة على التغلغل بالمجتمع وممارسة ادوار متناقضة به.
يقول الكاتب هشام بستاني ان مصطلح المجتمع المدني " يستعمل لوصف مجموعة من المنظمات والفعاليات لا رابط مشترك بينها على الاطلاق، بل هي تمثل مصالح متعارضة، فمثلاً: منظمات أصحاب العمل ومنظمات العمال كلتيهما تعتبران من منظمات المجتمع المدني رغم التناقض الكلي بين الاثنتين اللتين تمثلان مصالح متعارضة، وكذلك الامر فيما يتعلق بمنظمات محسوبة على السلطة السياسية وأخرى محسوبة على المعارضة، ومنظمات مرتبطة بالمراكز الامبريالية وأخرى تمثل الطبقات المسحوقة...الخ." ويؤكد البستاني " برأيي أن "المجتمع المدني" هو مفهوم تم افتعاله في مواجهة العمل الشعبي والمنظمات الشعبية الطابع، فبدلاً من النضال القاعدي الثوري الطبقي للاطاحة بالاشكال الاستغلالية واقامة اشكال اكثر عدالة مكانها، تحول الامر الى مكاتب مكيفة ومراسلات الكترونية واموال توظف في معالجة ثغرات نظام الاستغلال وابقاء الناس فقراء بما لا يتجاوز حد الثورة: اعطائهم مسكنات ومهدئات بصيغة مساعدات وقروض ومشاريع صغيرة تعيق انجاز اي برنامج تحرري وعدالة حقيقية، بل وتحقق ارباحا لنظام الاستغلال القائم. "
فالمجتمع المدني بتركيبته الحالية تعبير عن صراع مفتعل بين منفذي سياسات وبرامج وأجندات مختلفة منها ما يخدم قضايا التحرر الوطني والاجتماعي ومنها ما يعيق ويعطل هذه البرامج سواء بشكل مقصود وواعي او عن طريق اللهاث السرابي وراء تمويل موجه مثل الذي تقدمه الوكالات الامريكية والبريطانية والاسترالية وغيرها للمؤسسات – لنتفق على تسميتها بالمؤسسات الغير حكومية مؤقتاً لحين نجد لها اسماً اكثر ملائمة.
بعد الاطاحة ببن علي في تونس أدركت الامبريالية ان سياسة الحفاظ على التوازنات من خلال منح مؤسسات المجتمع المدني بعض الفتات لتمنع به الثورة لم يعد كافياً وان النظام السياسي بحاجة لدماء شابة لديها حضورها بالمجتمع ووجدت ضالتها في حركات اسلامية سلفية رجعية كانت تحابي الأنظمة الليبرالية وتتساوق معها فعلياً وان كان خطابها الديني يفلت بعض المصطلحات الثورية " الجهادية" كنوع من البراغماتية في الخطاب، وهذا ما ادركته الطغم في المركز الامبريالي وكونها كانت لسنوات طويلة تجمع المعلومات عن هذه الحركات وكون لها تجارب ناجحة في استغلال هذه الحركات لتحقيق أهدافها السياسية والاجتماعية والاقتصادية مثل التجربة الافغانية فقد عمل المركز الامبريالي على تطويق هذه الحركات ودفعها باتجاه السلطة المشروطة. فهذه الحركات هدفها هو الوصول إلى السلطة وليس استعمال السلطة لتحقيق الانجاز الثوري او حتى العدالة الاجتماعية وطبيعة تركيبة هذه الحركات لا تختلف عن الأنظمة الليبرالية السابقة الا باتقانها استغلال الإرث الديني واجادة استخدام المفردات الدينية في الخطاب، ومن هنا تم استبدال السلطة السياسية بسلطة اخرى تجمع بين القوة السياسية والسيطرة على المنابر لكنها تفتقد لأي من مقومات النضال.
ان التغيير السياسي الذي تم فرضه على بعض الدول العربية هو محاولة للأستمرار بالسيطرة على مقدرات الشعوب والاستمرار بتعزيز تبعيتها تحت عناوين اخرى وهذا نوع من التعاطي من قبل المركز الامبريالي مع بدايات الثورة الشعبية والتفاف على ضعف منهجية استخدام المجتمع المدني كعنصر تخدير للشعوب، فكان لا بد من مخدر اقوى: الدين السياسي. ومن هنا يقع على عاتقنا كماركسيين ان نعيد انتاج رؤيتنا النظرية وتحليلنا لطبيعة العلاقة بين المركز الرأسمالي وبين المجتمع المدني.
لفهم الواقع السياسي لما يسمى بالدولة فعلينا ان نفهم المجتمع المدني فالدولة – وان كانت كما قال لينين اداة الطبقة الحاكمة – فهي لا تستخدم بالضرورة ادواتها المباشرة مثل اجهزة الشرطة والتعليم...الخ. لوحدها انما تستخدم ادوات غير مباشرة ومنها مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب وغيرها. وقد لا يكون هذا الاستخدام منسق مسبقاً بين اداة الطبقة الحاكمة – الدولة – والمجتمع المدني انما قد يكون تقاطع مصالح ونتاج لمخرجات النظام الاجتماعي ونظام التعليم والنظام السياسي...فالتعليم كمثال الذي يفرض على الطلاب قبول الخرافات وولاية الكبير والرضوخ للسلطة كلها تربي في الجيل الناشىء النزعة للخضوع فيكون النتاج مجتمع مدني خاضع ومتساوق وينزع للاصلاح بدل التغيير.
احد رواد الفكر الماركسي بمجال المجتمع المدني انطونيو غرامشي حدد معالم جيدة للعلاقة بين هذه المجتمع والدولة ( التي اسماها المجتمع السياسي) وربط بين نشاط المثقفين بهذا المجتمع على وجه الخصوص. وبناء على دفاتر السجن الخاصة بغرامشي يمكن استنتاج تعريفه للمجتمع المدني على انه" يضم جميع ما يسمى بالمنظمات الخاصة...والتي تتميز كلها عن عملية الانتاج وعن الاجهزة القمعية للدولة." لكن ما يهمنا بالاساس هنا ان نفهم دور المجتمع المدني كبؤرة للصراعات السياسية والاجتماعية والايديولوجية بين الطبقة الحاكمة وتلك المحكومة كُرهاً، ففي هذا المجتمع الذي تتواجد به الاحزاب السياسية والاجتماعية والنقابات والهيئات الدينية ...الخ، يدور الصراع بين الطبقة الحاكمة وتلك المستغَلة فتحاول الدولة ان تستعمل هذه المؤسسات والهيئات والاجسام لتأبيد سيطرتها وتعزيز سيطرتها السياسية من خلال نشر وتعزيز قيمها السياسية والاجتماعية والايديولوجية...الخ. وبذلك تؤبد وجودها بالسلطة. وفي حال ما يسمى العالم العربي والذي يعتبر محيط للمركز الرأسمالي فالمجتمع السياسي – الدولة – يحظى بمساندة ودعم في مواجهة الطبقات المستغَلة واحد طرق هذا الدعم هو من خلال تمويل مؤسسات المجتمع المدني الخاصة وتمويل ودعم الاحزاب الأقرب للفكر الليبرالي او التصالحي مع الرأسمالية في مقابل محاربة الاحزاب الثورية وتجفيف مصادر تمويلها لتطويقها بهدف اخضاعها او الغاءها كما حصل بالعديد من الحركات الثورية مع تركيز خاص على الحركة الثورية الشيوعية من منطلقين اساسيين برأيي اولهما التنافر والتناقض الحاد بين الفكر الليبرالي القائم على الاستغلال والقمع والشيوعي القائم على اساس التغيير الثوري الجذري من جهة، ومن جهة ثانية بسبب وعي الحركة الثورية الشيوعية النظري للعلاقة بين تمويل المجتمع المدني ودعمه من دول المركز الرأسمالي في سبيل تعزيز السيطرة الرأسمالية على خيرات الشعوب بدون تكاليف الحكم العسكري الباهظة و"تشويه" الوجه " الديمقراطي" للمركز الرأسمالي اذا بقي يتمظهر بشكل الطغمة العسكرية. فهو يستبدل بزته العسكرية ببزته المالية سعياً لنفس الهدف الا اذا اضطر إلى ارتداء بزته العسكرية كما حصل بالعراق وليبيا وعندها يقوم بذلك تحت غطاء دولي من قبل شركائه بدول المركز واتباعه في المحيط وبالتالي يصبح الوحش العسكري اقل بشاعة من جهة واقل تكلفة على المركز الرأسمالي من جهة اخرى. لكل ذلك نقول ان التمويل السياسي الذي يفرضه الممول من دول المركز الرأسمالي يتسبب بتأبيد السيطرة السياسية لدولة القمع ويؤبد تبعية وذيلية هذه الدولة للمركز الرأسمالي وعلى الشيوعيين محاربة هذا التوجه. ويكون من اساسيات عمل الشيوعيين سؤال انفسهم كيف يمكن فعل ذلك؟ كيف يمكن كسب "معركة" المجتمع المدني؟
ان المعركة الاولى والكبيرة امام الشيوعيين اليوم على صعيد المجتمع المدني هو كسب هذا المجتمع ليكون مجتمعاً مقاوماً لا مساوماً وهذه مهمة ليست بالسهلة وفيها كم كبير من العقبات لكنها مهمة حاسمة في طريق التحرر الوطني والاجتماعي والتخلص من التبعية للمركز الرأسمالي، ومهمة حاسمة امام القوى الثورية لانجاز الثورة الفعلية التي تسعى للتغيير الحقيقي. ان الصراع بين الطبقة المستغِلة والمستغَلة على الهيمنة والسلطة تقع رحاها في المجتمع المدني وبعدها يشكل المجتمع السياسي كأدة وكنتاج لهذه المعركة في المجتمع المدني. وليكن لنا من تجربة الثورة التونسية درساً يعتبر فما يسمى بحركة النهضة – اسلامية – استبدلت نظام بن علي ولم تنتظر حتى تثبت موقعها السياسي لتمارس القمع بأدوات الدولة فقامت باستخدام اجهزة الشرطة في اول مواجهة بالشارع ومن المفارقات ان تكون هذه المواجهة مع جرحى الثورة واهالي الشهداء!!! أي بالذين قدموا اكبر التضحيات في سبيل التخلص من النظام القائم. ولم تكن النهضة قادرة على ممارسة هذا الفعل لولا سيطرتها وقوتها في المجتمع المدني مستعينة بالخطاب الديني والشرعية الألهية وطبعاً منابر الجوامع. اذن فأن القوة في "السيطرة" على المجتمع المدني تتيح بالضرورة الفرصة للسيطرة على المجتمع السياسي أي الدولة.
ارى ان على الشيوعين كبداية اعادة الحياة والاعتبار للعمل الطوعي غير المدعوم وتعزيزه كثقافة مجتمعية من خلال تنفيذ انشطة الأيام التطوعية الدورية ومشاركة جميع الشيوعيين بهذه الأيام كلٌ في موقعه ( على غرار السبوت الحمراء). على كل شيوعي الزام نفسه قبل الأنصار بممارسة هذه الطقوس وتفضيلها على أي عمل اخر مهما كانت المغريات حتى تعود هذه ثقافة سائدة وتتمكن من تعزيز الفكر الشيوعي مجدداً بين صفوف الجماهير. طبعاً هذه مجرد مقترحات اولية بحاجة إلى ابتكار الشيوعيين لانتاج فكر غير نمطي قادر على جذب الجماهير وتفعيلها بهذا المجال.
خطوة اخرى علينا تنفيذها بجرأة وفاعلية. على المؤسسات والاحزاب الشيوعية تقوية ائتلافها وفرض وثائق تعبوية وحدوية من داخل المجتمع المدني. على هذا التحالف اعلان هوية ايديولوجية وسياسية وفكرية وان يقوم بتعبئة الجماهير في رفض التمويل السياسي ورفض تطبيق الاجندات التي تعزز من التبعية وهذا بدوره يتطلب تحالف اممي وطرق ابتكارية لتجنيد الاموال وأليات صرف مقننة وهذا دور الشباب الشيوعي في المؤسسات والنقابات والاحزاب ان يسعى لتجنيد الانصار لدعم التوجهات الاستقلالية عن التمويل والسيطرة الرأسمالية واذيالها في دول المحيط.
على الشيوعيين فهم طبيعة نظام التعليم والصحة والاقتصاد...في المجتمع ليتمكنوا من التعاطي معه. فنظام التعليم الذي يعتبر جزء من المجتمع المدني ( المدارس والجامعات....ألخ) الا انه لا ينفصل عن ان يكون احد الادوات التي يستخدمها المجتمع السياسي لتعزيز فكره. ومن هنا على الشيوعيين اعتماد نماذج للتعاطي مع هذا النظام من اجل تحييده بمعنى تعزيز دوره التثقيفي والغاء دوره التعبوي من خلال السعي لتغيير المناهج، طرق التدريس، مواد التدريس خصوصاً كتب الدين والتاريخ التي تتلاعب بأفكار الطلاب وتفرض منظومة اخلاقية دونية تعزز بقاء المستغَل مستكيناً، والغاء سياسة التوظيف للمعلمين والادارات القائمة على اساس الولاء للدولة وطرد كل من يكون مناهضاً للسياسة العامة للدولة وتجريم المعتقلين السياسيين ورفض توظيفهم...اي باختصار علينا القيام بثورة على النظام ككل في كل ساحاته وان لا نفوت ساحة للنضال الا ونكون رائدين بها. ان الدولة القمعية تسعى لتطويق التغيير الثوري وتسعى لإظهار عملية التغيير عملية مستحيلة لكنها ليست كذلك الا اذا استكان الشيوعيين ولم يمارسوا دورهم الطبيعي – الضروري – بين صفوف الجماهير واذا اكتفوا بأن يكونوا من اشباه المثقفين واشباه المنظّرين.
في النظام الاقتصادي والصحي وغيره يتم ربط دخل الفرد بمشاركته بعربة الانتاج الرأسمالي القائم على اساس توزيع غير عادل للانتاج واستخدام فائض الانتاج لتعزيز قدرات الرأسمالية واذيالها على السيطرة وهذا بالضرورة يستدعي اما قمع الفعل النقابي الثوري او حصره بمطالب لا تتجاوز سقف عجلة الانتاج المتدني أي انها لا تطالب بالتغيير الحقيقي ولا تسعى لتمكين العمال من السيطرة على ادوات ووسائل الانتاج وهنا يبدو دورنا كشيوعيين اكبر حيث اننا نواجه تشويه مقصود لمفاهيم وعلاقات الانتاج وسيطرة للطبقة المستغِلة معززة بمفاهيم دينية مما يجعل مهمتنا في تحويل الطبقة العاملة إلى طبقة لذاتها مهمة اصعب وهنا يكون التحدي الأكبر للشيوعيين وهذا ما يعزز توجهنا إلى ضرورة تربية الملاكات في النقابات واماكن العمل وتعزيز نضالنا النقابي – حتى المطالب اليومية منه – تحت شعارات تصب في اتجاه كل السلطة للعمال. فيجب ان تكون بوصلة النضال النقابي موجهة باتجاه تحقيق السلطة للعمال وعدم الرضوخ للسقف المتدني الذي تفرضه الدولة من خلال مؤسساتها في المجتمع المدني سواء النقابية او التعليمية او غيرها.
سيكون لنا حديث بالاجزاء القادمة عن نموذج السلطة الفلسطينية بشقيها اليميني الليبرالي واليميني الديني وايضاً سنتناول في اجزاء اخرى دور الشباب الشيوعي ومهماته في محطات مختلفة لتعزيز معركتنا على صعيد المجتمع المدني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. توسع الاحتجاجات الجامعية في أنحاء العالم


.. إجراءات اتخذتها جامعات غربية بعد حرب إسرائيل على غزة




.. استشهاد فلسطينيين أحدهما طفل في قصف إسرائيلي استهدف منزلا شر


.. على خطى حماس وحزب الله.. الحوثيون يطورون شبكة أنفاق وقواعد ع




.. قوة روسية تنتشر في قاعدة عسكرية في النيجر