الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اخترْ ساعة مرضك!

سعد تركي

2012 / 4 / 9
كتابات ساخرة


أجدني مضطراً إلى التسليم بوجود مؤامرة ما على المؤسسات الصحيّة الحكوميّة، من دونها لم يعد هناك سبب بمقدوره إقناعي، شأن كثيرين، بوجهة نظر مغايرة. علمك بوفرة الأموال المخصّصة وتنامي عديد الكوادر الطبيّة وكثرة المستشفيات والعيادات الشعبيّة وتتابع الأخبار التي تتحدّث عن وصول أجهزة طبية حديثة و"فتوحات" يحقّقها أطباؤنا وممرضونا، كلّ هذا وغيره يوحي، من دون لبس أو غموض، أن الواقع الصحي والطبي في البلاد بأفضل حالاته، وأنّ من يرى عكس ذلك فأنه ـ يقيناً ـ مصاب بجنون الارتياب!!
اعتدنا، منذ أمد بعيد، ألاّ نأخذ مرضانا المصابين بعلل تستلزم تشخيصاً دقيقاً وفحصاً يستدعي إجراء بعض التحاليل وعلاجاً متوافراً بتفاصيله كافة، إلى المستشفيات الحكومية أو العيادات الشعبية، لأنّ وقت المريض والجهد سيضيعان بلا طائل.. واعتدنا ـ بحكم التجارب ـ ألاّ وجهة لمريض كبير السن سوى العيادات والمستشفيات الخاصة إن كان ذووه قادرين على الإنفاق، وإلا فان إبقاءه في البيت ورؤية المرض ينهشه ويقربّه من الموت بلا رحمة، أهون الشرور، إذ لا جدوى من إمراره بسلسلة من المراجعات قد تستمرّ أياماً تكون نتيجتُها الوحيدة المؤكّدة نصيحةً ذهبيّةً يهمس بها طبيب يقرّر أنّ العلاج غير ممكن إلاّ في عيادته الخاصة!!
استسلمنا لفكرة أن المستشفيات والعيادات أنشئتا لعللٍ وأمراضٍ بسيطة هيّنة وليس لما كان خطيراً أو معقّداً منها.. غير أن ما يجري حالياً يدفع المريض إلى انتهاج سبل أخرى، فالمؤسسات الصحية الحكومية تدفعك إلى الإيمان، الذي لا يدحضه شكّ، أنك ترتكب جرماً وإثماً كبيرين بذهابك إلى مؤسسات تخصّصت ساعات عمل موظفيها بالثرثرة والتمطي تكاسلاً والتنعّم بدفء القاعات والغرف شتاءً ونسيمها العليل البارد صيفاً.
وجود أي مريض في هذه المؤسسات إزعاج وإقلاق وقلة أدب يثير غضب ونرفزة العاملين الذين يجدون أنفسهم مرغمين، منّة وتفضلاً وتكرماً، على قطع ساعة راحة أو حديث حميم لأنّ جنابه "المريض" يشكو صداعاً في الرأس أو أن ابنه يعاني ارتفاعاً في درجة حرارته.. المرضى ـ غالباً ـ لا يحلو لهم أن يمرضوا إلاّ في أوقات غير مناسبة إطلاقاً!!
جميع المرضى، مع الأسف، لا يتمتعون بوعي وبأغلبهم حاجة إلى ثقافة صحية. عليهم ألاّ يمرضوا إلا في أوقات معينة، فليست ساعات الدوام الرسمي بأكملها مخصّصة لهم.. ساعات الصباح وبدء الدوام مخصصة لعبارات التحية وتنمية العلاقات الاجتماعية بين العاملين وإعداد الفطور وشرب الشاي والقهوة.. ما يلي من الساعات تكون للسؤال من الإدارة عن الرواتب ومخصصاتها وعلاوتها وآخر أخبار سلفة المائة راتب.. أما ساعات الظهيرة فهي للصلاة والاستعداد للمغادرة ووصل ما قطع من حديث ورسم خطط واستراتيجيات فطور اليوم المقبل.. على أي إنسان في هذا البلد غير قادر على توقيت الساعة التي يباغته فيها المرض ألا يُقلق أحداً سوى أهله وأحبابه و(يطبه ألف طوب)!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - fzfHDtYjHI
Julie ( 2012 / 6 / 9 - 01:46 )
You cuoldnt pay me to ignore these posts!

اخر الافلام

.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال