الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل أصبحت مكافحة البطالة جسرا لتمرير سياسات الليبرالية الجديدة؟

قاسيون

2005 / 1 / 22
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


إعفاء... تساؤلات وتوازنات!
أصدر رئيس مجلس الوزراء قراراً بإعفاء د. حسين العماش من مهامه كمدير عام لهيئة مكافحة البطالة، بعد كثير من الجدل وتبادل الاتهامات بين الاثنين، الأول من موقعه كرئيس لحكومة مسؤولة عن المصلحة العامة والمال العام، والثاني من موقعه كلاعب أساسي في محاولة حل مشكلة البطالة التي تشكل هماً وهاجساً لدى المسؤولين، وأن حلها هو فقط مسألة وقت!!

وقد جاء قرار الإعفاء بعيد الهجوم الذي شنه د. عماش على رئيس مجلس الوزراء في إحدى الصحف الرسمية المحلية، ونشره «للغسيل الوسخ» الذي طالما فاحت رائحته في كثير من مواقع المسؤولية في بلدنا.
وتضمن قرار الإعفاء اتهامات كثيرة لرئيس هيئة مكافحة البطالة، منها مخالفات مالية وإدارية ومسلكية، (سوف نتوقف عندها في عدد لاحق) كانت الصحف قد تحدثت عنها أكثر من مرة، إلا أنها لم تلق أذناً صاغية لدى «الجهات العليا»، لأن السجال بينها وبين د. عماش لم يكن قد بدأ بعد!!
وهكذا يتضح لنا من جديد أن معظم الإقالات والإعفاءات والتعيينات، لاتزال تخضع لاعتبارات غير مفهومة حتى إذا كانت متعلقة باعتبارات موضوعية.
ماخفي كان أعظم
ربما تكمن المأساة الحقيقية للاقتصاد السوري، في وقوعه تحت سطوة التجريب والمجربين والاقتصار على حلول جزئية فيه، لاتزيد المشكلة إلا تفاقماً، وتسليط قيادات بيروقراطية عليه، تفتقر إلى الخبرة والنزاهة، وتدمن الولاء والخضوع، ينصب اهتمامها على ماتريده الجهات الوصائية الأعلى، ويتجسد همها الأول والأخير في نهب أموال الشعب، من خلال مشاريع تهدف في الظاهر إلى الخير العام والتنمية والإصلاح والتطوير والتحديث وغيرها من شعارات تلك الجوقة، والتي لاتتقن سوى إثارة الضجيج وخلط الأوراق وتضليل الناس، وشفط أموالهم، بغية الوصول إلى هدف محدد بدقة يتمثل في توسيع حجم الثغرة، كي يستطيع السيد «الليبرالي الجديد» الوصول دون تكاليف باهظة وسط ترحيب وتصفيق الجماهير، التي أرهقتها سياسات الجوقة، وقضت على أي أمل لديهم بإمكانية تحسين أوضاعهم في المستقبل.
مشاريع مكافحة البطالة
بدأت الحكومة تفكر بمعالجة البطالة مع العام 1991، الذي حدثت فيه تبدلات عالمية تمثلت بانهيار الاتحاد السوفييتي ونظريات فوكوياما التي أعلنت نهاية التاريخ وسيادة القطب الواحد، حيث ألقت تلك الأجواء بظلالها على سورية وسمحت للبرجوازية الطفيلية والبيروقراطية بإعلان مبادئها العامة في التحول نحو اقتصاد السوق، إلا أنها اصطدمت في ذلك الوقت بمشكلة كبيرة تتعلق بشرعية أموالها، التي نمت بالأساس من خلال نهب القطاع العام، فكان لابد من البحث عن طريقة يتم من خلالها تبييض وغسيل تلك الأموال، فكان القانون رقم 10 للاستثمار هو المنفذ بحجة أن القانون المذكور سيقضي على البطالة ويخلق فرص عمل جديدة. ورغم الإعفاءات والمزايا الكثيرة التي منحها لرؤوس الأموال، لم يستطع أن ينتج سوى بضعة معامل للعلكة والمحارم، وفرص عمل لاتتجاوز المئات، فعاد المسؤولون الذين طبلوا وزمروا لذلك القانون، ليقروا بفشله عن تحقيق الغايات المرجوة منه، خاصة في التخفيف من البطالة وخلق فرص عمل جديدة، بعد ذلك لابد من الانتقال إلى الخطوة الثانية في تنفيذ البرامج الليبرالية، وهي زيادة حجم التبعية للمؤسسات الدولية من خلال الاستدانة والاستقراض منها، تحت ستار الشعارات القديمة ذاتها، مكافحة البطالة وتشجيع الاستثمار، حيث تم إحداث هيئة مكافحة البطالة بموجب القانون رقم 71 لعام 2001 والتي أسند إليها القيام بتمويل مشروعات صغيرة وأسرية من خلال القروض والمنح الدولية إضافة إلى إسهامات الحكومة السورية.
تعثر المشروعات الصغيرة
اصطدمت المشروعات الصغيرة منذ البداية ببيئة استثمارية غير محفزة ومجموعة من العوائق تركزت بشكل رئيسي في صعوبة تأمين ضمانات من أجل الحصول على قرض، حيث تشير إحصائيات الهيئة أن 50% من الطلبات المقدمة ترفض من قبل المصارف لعدم كفاية الضمانات بالإضافة إلى إجراءات أخرى تتعلق بصعوبة الحصول على ترخيص إداري وسجل صناعي وتجاري ودراسة جدوى، حيث تصل تكاليف تلك الإجراءات إلى حوالي 50% من نسبة القرض الذي لايتجاوز في كثير من الأحيان 100 ألف للمشروعات الأسرية و500 ألف للمشروعات الصغيرة.
يقول السيد خالد حاجي بكر مدير المشروعات الصغيرة في الهيئة والمكلف حالياً بإدارتها بعد إقالة العماش: «أن الهيئة لا تعمل بمفردها، فنحن نرتبط بجهات أخرى في الدولة مثل وزارة الصناعة والتجارة والزراعة واتحاد الحرفيين والمهنيين وغرف التجارة والصناعة..إلخ، وهذا يخلق مشكلة كبيرة لعدم وجود آلية تنظيمية واحدة، فالترخيص مثلاً ليس سهلاً الحصول عليه لعدم وجود ضمانات، خاصة بين أوساط الخريجين من الجامعات بالإضافة إلى المنطقة المتعلقة بمكان المشروع، حيث يتم أحياناً أخذ الموافقة المبدئية للترخيص ولكن يظهر مستقبلاً بأن هذه المنطقة مخالفة وبالتالي فإن الحصول على الدفعة الأخيرة قد تتأخر لسنة أو سنتين، كما أن المناطق الصناعية غير مؤهلة حالياً لاستيعاب المشاريع الصناعية، حيث يتطلب الترخيص لهذه المشاريع وجود مناطق صناعية جاهزة، هذا بالإضافة إلى أن التراخيص لاتعطى في منطقة المخالفات، وهذه نسبتها كبيرة، تصل في دمشق إلى 60% مما تحرم شرائح واسعة من أبناء هذه المناطق من الاستفادة من قروض الهيئة.
ويتابع حاجي بكر بأن المشكلة الثانية كانت مع المصارف، فأغلبها لاتقبل سوى ضمانات عقارية بينما أغلب المتقدمين هم من الفقراء الذين لايملكون أية ضمانات عقارية، وعلى الرغم من صدور قرار من رئيس مجلس الوزراء لتسهيل عمليات الضمان إلا أن بعض المصارف لاتتقيد بهذه التعليمات بحجة أن لديها أنظمة خاصة بها، بالإضافة إلى الكوادر المصرفية غير المؤهلة لمتابعة المشاريع والقيام بالكشوف، خاصة وأن كل مشروع يلزمه ثلاثة كشوف في السنة وعدم مقدرة تلك الكوادر على التعامل مع الأعداد المتزايدة من الطلبات والمتقدمين.
وعن تكاليف الحصول على قرض يقول حاجي بكر: بأن تكاليف القروض الصناعية أعلى من مثيلاتها الزراعية والخدمية، حيث تبلغ التكاليف نسبة 30% من قيمة القرض تتضمن سجل صناعي وتجاري وإداري ورهن، حيث كلفنا أحد المشاريع 114 ألف من قيمة القرض البالغ 500 ألف فقط، هذا عدا عن 5% كفوائد إضافة إلى مصاريف أخرى كالنثريات.
أما فيما يتعلق بالقروض الزراعية، فقد اشترط للحصول عليها وجود مخطط من نقابة المهندسين، والذي يتقاضى على هذا المخطط نسبة 2.5 من قيمة الأرض، وتقدر تكاليف القروض الزراعية بحوالي 150 ألف علماً أن القرض هو حوالي 500 ألف فقط.
أما القروض الخدمية فهي تتضمن تكاليف أقل حوالي 30 ألف للمشروع تتضمن مصاريف السجل التجاري والترخيص الإداري.
خارج المظلة التأمينية
لم تكن المشكلة مع المصارف والجهات الإدارية فقط، بل كانت أيضاً مع مؤسسة التأمينات الاجتماعية التي تعتبر صاحب محل حلاقة أو محل لبيع الورود أو مربي بقرة رباً للعمل، حيث يمنع القانون رقم 92 لعام 1959 وتعديلاته تسجيل رب العمل في التأمينات، ما استثنى أعداداً كبيرة من زبائن الهيئة الذين يؤسسون لمشروعات فردية وصغيرة، حيث تشير الإحصائيات إلى أن هناك حوالي 14 ألف مشروع صغير، وحوالي 2500 مشروع فردي يتضمن شركاء تعتبرهم مؤسسة التأمينات الاجتماعية بمثابة رب عمل وتحرمهم من التسجيل لديها، هذا بالإضافة إلى أن قوانين المؤسسة تمنع تسجيل أفراد العائلة في التأمينات الاجتماعية، حتى ولو كانوا عمالاً، وهذا يجعل أصحاب المشروعات الأسرية جميعهم خارج المظلة التأمينية، خاصة وأن عدد المستفيدين من القروض الأسرية بلغ أكثر من 25 ألف شخص، وتقول قوانين المؤسسة أنه عندما يقل عدد العاملين في المنشأة عن خمسة أشخاص فأنها لاتمنحه سوى تعويض إصابة العمل وتحرمه من بقية التأمينات.
أخيراً، لابد من القول بأن مكافحة البطالة أو معالجتها لاتتم إلا بمعالجة أسبابها،وأي قفز فوق الأسباب يعد تضليلاً وتمريراً لمشاريع ستكون لها علاقة بأهداف أخرى خارج البطالة.
■ كاسترونسي
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحدي الثقة بين شيرين بيوتي و جلال عمارة ???? | Trust Me


.. حملة بايدن تعلن جمع 264 مليون دولار من المانحين في الربع الث




.. إسرائيل ترسل مدير الموساد فقط للدوحة بعد أن كانت أعلنت عزمها


.. بريطانيا.. كير ستارمر: التغيير يتطلب وقتا لكن عملية التغيير




.. تفاؤل حذر بشأن إحراز تقدم في المفاوضات بين إسرائيل وحماس للت