الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دروز بلغراد ... دروس في الهوية

جقل الواوي

2012 / 4 / 9
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات



فازت الرواية بجائزة أدبية و لم يفز بطلها حنا يعقوب بمعرفة الجواب على سؤالة "لماذا أقتلعتم من يدي سلة البيض المسلوق و قذفتم بي في قبو قلعة بلغراد"، السؤال الوجودي الذي طرحه حنا يعقوب ببراءة بائع البيض الماهر. و لكنه نسي السؤال و فقد فضول معرفة الجواب عندما رأى زوجته و أبنته و مرة ثانية، و قد أجزم بأنه عاد ليبيع البيض في اليوم التالي لعودته من "تغريبة الطويلة".لم تركز الراوية على ملامح حنا يعقوب ركزت أكثر على هويته الدينية و أكدت في أكثر من مناسبة بأنه يسكن ملاصقا لكنيسة و جعلة الكاتب يصرخ بصوت عال مصرحا بتلك الهوية و محل إقامته كان هذا الصراخ بدلا من بطاقة الهوية الورقية التي يحملها المواطنون في جيوبهم، فعل الكاتب ذلك لأن حنا يعقوب ذو الأسم المميز فقد اسمه في زحمة حرب أهلية و قبول باشا تعتمد عليه السلطنة "البرطيل".

حكاية تبديل الأشخاص قديمة استخدمت أكثر من مرة أحدها في مسلسل أخوة التراب كتبه حسن م يوسف و أخرجه نجدت أنزور، ربيع جابر لم يسطو على الفكرة بل استخدمها بحكمة و أعتذر مقدما عندما قال في أول صفحات الرواية بأن أحداثها غير واقعية ابدا و التشابه هو مجرد تشابه. يساق حنا يعقوب بائع البيض المسلوق و زوج هيلانه الذي تحول الى سليمان عبد الغفار الدرزي المنفي الى بلاد البلغار مشدودا الى مجموعة من الدروز المفترض أنهم اشقائه. من قبو قلعة بلغراد الموحش المظلم الى صيانة الطرق و بناء الجدران، ثم التنقل في البلقان حيث كان يتبع الرجل الذي أمامه. يهيم حنا يعقوب و المجموعة و تتشابك العلاقة مع وسطه الجديد حيث لا يوجد بيض مسلوق يوجد قيود ووحشة ودروز لم يكن لديه خيار و لكن لديه رغبة كان يريد العودة فقط.كان يذوي و يتفتح و كأنه نبته تحركها الفصول تبقيها على قيد الحياة و لا تقتلعها ابدا. لم يمت و لم يتأثر جسده كما حصل مع رفاقة يخرج في كل مرة " كالشعرة من العجين" بينما يتساقط آل عز الدين عضوا عضوا حتى يفنوا عن آخرهم و يبقى وحيدا مرافقا لقافلة حج تعيده الى حيث كان.

فضل الكاتب أن يبقى مع حنا يعقوب أغلب الوقت و هو حضور أمن حماية قصوى له و قد كانت حماية ضرورية، فهو الهوية المطموسة التي يجب أن تبقى لتزيح الحبر عن قسماتها الممسوحة، حماية حنا يعقوب جائت و كأنها إعتذار عن المسيحيين الذين قتلوا في الحرب الأهلية. دفاع حنا يعقوب و ربيع جابر عن الهوية ليس فيه تعصب طائفي، هو حفاظ نبيل على عنصر اساسي من عناصر خلطة "التبولة"، نجا من قطع اللسان في المرفأ و اللسان مهم عملية التعبير عن الهوية، و خرج من صمته الإجباري لسنوات طويلة محافظا على اللكنة التي يحملها لم تشوهها اللغات الكثيرة التي تلهج حول مسمعية. سليمان عز الدين و هو الوجه الآخر للعمله تأبطه ابوه الشيخ غفار و أدار ظهره راضيا بنسختين من سليمان عز الدين و صدى لصوت عال يعلن موت حنا يعقوب. ورغم وجود نستختين من سليمان عز الدين إلا أن ربيع جابر ظلمه عندما تركه يختفي مع الشيخ غفار دون أن يعود إليه مرة واحدة و هو صنو حنا يعقوب و توأمه و شريكه في خلطة "التبولة".

أختار ربيع جابر مشاهد من رحلة حنا يعقوب الطويلة و أدخل فيها لحظات من حياة زوجته هيلانه، وضع لها عناوين منفصله فأخذت شكل مشاهد من شريط سينمائي و دعم صوره بنسيج لغوي ذو لكنة متعجلة تعتمد جملة كثيفة قصيرة لا رابط بينها سوى النقاط و كأن كل جملة وحدة صورية منفصلة أعطى للنص طاقة حركية، بعين العناكب التي تلتقط التفاصيل المجهرية وصف صورته و أوغل في التفاصيل فأقترب المشهد من العين أكثر من اللزوم أحيانا و ترك ابطاله يتحركون و ينشطون كما يحلو لهم و أوكل لنفسه مهمة وصفهم رغم حلاوة الدخول الى الصورة و مشاهدة الابطال من أقرب نقطة تسللت الى الشريط لحظات عديمة القيمة كانت قليلة جدا و لكنها من النوع الذي يزعج المشاهد أحداها مشهد هيلانة و هي تطبخ السسبانخ تابعها الكاتب بدقه فخرج المشهد و كأنه حلقة من حلقات برنامج منال العالم.

أخلص ربيع جابر للتاريخ و كذلك للجغرافيا و لكن الراوية لا تحمل هما من هذا النوع، همها كان هوية حنا يعقوب، و ربما الهوية بشكل عام. أتكأ الكاتب على التاريخ و رسم بكل دقة تضاريس الجغرافبا ليخط عليها رحلة معاناة حنا يعقوب،خيار الكاتب أجبر بعض من قرأ الرواية على الإستعانة ببعض المراجع و هو الأمر الذي فعله الكاتب نفسه وربما سهل على القارىء مؤنة البحث فاثبت سجلا بمراجعه، ليست كثيرة و لكنها من ذلك النوع الحار الطازج و قد جاءت الرواية كذلك حارة و طازجه أحضرت ذلك الزمان و فردته كمفرش الطاولة، مشهد حنا يعقوب و تراقص آل عز الدين من حولة لم يحجبوا كل المشهد أطلت بساتين بلغراد و جبال البلقان مجللة بفصولها المتنوعة، و حضر باشاوات بني عثمان بكروشهم و عمائمهم و نسائهم ايضا، ساعدت هذه التوشية النص في زيادة أمساك القارىء بسيرة سجن حنا يعقوب و لم تنفصل عنها و كانت كلها وحدة روائية متينه.

شخصية حنا يعقوب و هي الشخصية الأبرز و الأكثر حضورا، تصرفت كبائع بيض ممتاز لا يحسن إلا هذه الصنعة، لم يكن ماهرا في كسب الأصدقاء، اقترب ممن حولة بقدر ما سمحوا له، و أنعدم تفكيره في لحظات كثيرة من الراوية حتى بدا بليدا، الحوادث المهولة التي تعرض لها لم تفعل في شخصه شيئا كفعلها في هيئته كست شعرة بالبياض و جعلت عوده يحني و لكن البيض المسلوق ظل همه الكبير،رغم الصعاب التي مر بها كانت رحلة الذهاب الى "أوربا" و العودة منها سلسلة ميسرة و كأنها مرسومة على خريطة توجهها بوصلة ممتازة و حتى مسارات رصاص البنادق تمت " برمجته" بل مسبق لحيد عنه أو ليحط في أجساد آل عز الدين بدلا عنه، و حين اصبح وحيدا و مقبوضا عليه بالجرم المشهود بسرقة بيضة و لا ثمة أحد من أل عز الدين يتلقى الضربة عوضا عنه كان مزاج الباشا رائقا فلم يقطع يده. و رغم مرم حنا بمحنة كهذه يمكن أن تطلق عليهه لقب "محظوظ" لأنه عاد منها و لم يخسر من حياته سوى إثنا عشر عاما فقط.

دروز بلغراد رواية جميلة لا تملك إلا أن تتعاطف مع بطلها حنا يعقوب و لا تملك إلا أن تتابع كل خطوة من خطواته و قد ترغب أن ترافقه لتحمية أو تسلية و لكن ربيع جابر أوكل لنفسه هذه المهمة عندما أخذه من الميناء برفقة خمس مائة و خمسون درزيا و أعاده الى ذات الميناء بدونهم.

http://www.theloudwawi.com/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ليبيا: ماذا وراء لقاء رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني


.. صفاقس التونسية: ما المسكوت عنه في أزمة الهجرة غير النظامية؟




.. تونس: ما رد فعل الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي بعد فتح تحقيق


.. تبون: -لاتنازل ولا مساومة- في ملف الذاكرة مع فرنسا




.. ما حقيقة فيديو لنزوح هائل من رفح؟ • فرانس 24 / FRANCE 24