الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


للبغل أبناء !!

زيد ميشو

2012 / 4 / 10
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


ليس غريباً أن العن الزمن الذي بلانا بحكم أحادي الفكر - جائر لا يفقه غير لغة العزل والإستعباد ، ففي كل مناسبة وكل حدث وفي كل مكان وزمان تعود ذاكرتي لحقبة عشتها على أرض العراق الجميل وينتابني شعور الأسف على من مسك بـزمام الأمور ودمر أرض الخيرات وشعبه الطيب بدل ان يبنيه ويسعى لتطويره ..
وماذا أملك غير شتيمة عهد البعث الذي ولى دون رجعة وما زال الأثر النفسي يرافقني وكأنني إنسان مليء بالعقد من أعلى رأسي إلى أخمص قدميّ .
لم تكن حياتنا طبيعية ، ولم نكتشف أو نتعرف على الإختلافات لنختار ، وإن كان من حقنا أن نختار فلا يتعدى ذلك على تشجيع إحدى النوادي الرياضية أو نشتري الخبز بدل الصمون وغيرها من الأمور البسيطة .. أما العقل فهو موجّه ، قليل الإستعمال ولا تحليل فيه .
جيلي من الأجيال المسحوقة فكرياً ، عرف الدراسة لكنه لم يكن يملك الحرية التامة في إختيار الإختصاص والوظيفة من بعدها ، وهناك من أنهى دراسته لكي يتأخر عن أداء الخدمة العسكرية الطويلة الأمد ، ومنهم من أعاد ما إستطاع من السنين رسوباً أو تأجيل ولنفس السبب ، والنتيجة كانت شمول خدمة العلم الإجبارية للجميع بحجة الدفاع عن الوطن ...
إبن جيلي عرف أيضاً حريته بإختيار البقالة التي يتبضع منها لكن فرض عليه أحياناً أن يشتري الباذنجان مع الطماطم . وكان له مطلق الحرية بالوقوف أو عدمه في الطابور الطويل لشراء صندوق بيبسي أو دجاج او لحم ، ولا أحد يعترضه إن إستعمل الحـمام الفرنجي أو الشرقي ..
أبناء جيلي عرفوا مقولة القائد الضرورة الشهيرة ( كل العراقيين بعثيين وإن لم ينتموا ) وفي دواخلنا نردد ( كل العراقيين كرهوا البعث وإن إنتموا ) كونه حزب وضيع بكل ما تعنيه الكلمة .
حرم علينا التفكير وحلّل لنا الكفر والتكفير . أكفر وأسكر وأنكح وأرشي وأرتشي ومارس الموبقات لكن أيّاك أن تفكر بأكثر من شهواتك ، وأياك التشكي فالشكوى لغير الله خازوق بأحجام مختلفة ..
لو إستشهد أحد أفراد عائلتك او أقربائك فهو كبش رحل فداء للقائد المفدى وحزبه ، ومن سجن أو أعتقل أو أعدم فهؤلاء قرابين الحكم الدموي .
بجّل قائد الأمة علناً وألعنه في سرّك ، وقبل أن تنفجر من غيضك ، لك منفس واحد وهو شتيمة الله فهي مسموحة وجاء من بعده ليحرم الشعب حتى من هذا المنفس .
عشنا بإطار فكري يشبه قطعتين الجلد الموضوعة على عيني الحصان أو الثور كي لا ننظر سوى للأمام منقادين ومربوطين بحبل الأوغاد ...
لم نكن نعرف ماهية كلمة فكر الآخر ولا ثقافته حتى أننا رددنا جهلاً ما قيل لنا ، الملك – بريطاني .. واليهود - مجرمين .. والشيوعيين – كفرة .. وعبد الكريم قاسم – دكتاتور .. وفلسطين حرة عربية ، وأمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة وهي لا أمة ولا عربية أصلاً وليست واحدة ولم تحمل أي دولة منها رسالة محترمة منذ أن إعتلى عروشها الحكام الأوحدون الذين قادوها إلى الهاوية وشعوبها إلى الحضيض ، ليسعى من بعدهم الى تبديل السياسة من فكرة الحزب الواحد إلى الدين الواحد ، والأحرار يداسون بالأرجل أو يهاجرون ..
ما جعلني أكتب إستيائي هذا هي حفلة أقامها الحزب الشيوعي في مشيغان شاركت بها وكانت المرة الأولى إلتي أشارك فيها إخوتي الشيوعيين سهرتهم الوطنية بعد أن كانت إقامتها أو مجرد التفكير بها جريمة لا يحاسب عليها القانون فحسب وإنما الأعراف الحكومية التي كانت سائدة حينها ..
كانت المرة الأولى التي أسمع فيها شعراً فيه كلمة الشيوعية وأغاني فيها نفس الكلمة وأتضح بأنني لم أزل أتحسس هذه الكلمة وكأنها من النكرات ...
سمعت الأغاني والتي كان يرددها جميع الحضور ، فقد حفظوها غيباً ، كلماتها صافية نقية وطنية صرفة ، تناغي العراق وتتغزل به وتحترم العراقي وتجعله يتعلّق بأرضه ، وتعود للفنانين جعفر حسن وكوكب حمزة وآخرين ، بينما كنّا نسمع فيما مضى الله يخللي الريس ألله يطول عمرة والعزيز إنت وصدام إنت العزم وغيرها من المبتذلات !
الأغاني الوطنية قبل عهد البعث والتي تبناها الشـيوعـيّـون غالبيتها حماسية تجعل العراقي راقي ، تحثه ليقول أنا فداء للوطن وأغاني البعث تجبر الوطن وشعبه ليكونوا فداءَ للقائد !! .
لا أمتدح الشيوعيين هنا ولست منهم بالأساس ، ولم أكن أعرف وما زلت أكثر طروحاتهم ، وليس لدي الوقت لأعرف ، كوني نشأت كغيري ضمن السياسة اللافكرية ، لكني أتألم كوننا ترعرعنا في زمن لا نعرف به غير تخوين الجميع ، فلم يكن مسموحاً لنا الإختيار .
قد يكونوا على خطأ ، وقد تكون جميع الآيديولوجيات أيضاً على خطأ ، لكن من يقدر على الحكم غير من له مطلق الحرية في معرفتها والإنخراط بما يختار .
كيف لي أن أدلي برأيي لشيء لم أعرفه ؟ كيف لي أن أصدر حكماً على فـكـرٍ دون تفكير ؟
لا أريد أن أكون شيوعياً ولا بعثياً ولا ليبرالياً أو ديمقراطياً أو متعـصباً دينياً أو لا دينياً .... كل ماأريده أن أحيا بتعددية لإختيار ما يناسبني أو لا أختار .
قبل فترة وبينما كنّا نتكلّم عن مآسينا التي لم تـنـتهِ قال أحد الأصدقاء " لقد إنتهى زمن البغل ، فضحكت على هذا التعبير وقلت له " هذه المرة الأولى التي أعرف فيها بأن البغال تنجب " !!
فبعد موت البغل لم تـنـتهِ السلالة بل إكتشفنا بأن للبغل أبناء ورثوه ، لتصبح معانات الشعب العراقي أسوء من الماضي ...
وإن أنّبني أحدٌ على إختيار البغل وتشبيهه بمن يعتبره عظيماً ، فسأمتثل لتأنيبه وأختار ما هو أنسب وأهديه بيت من الشعر لا يخضع للموازين الشعرية كنا نردده ونقول ...
مات كلبٌ في المدينة قد خلصنا من عواه .... خلّف الملعون كلباً .... " طِلَع أنكَس من أباه " أبـيه ؟؟؟.
ومن لايتفق معي في الإختيار ويتهمني بأنني أظلم الحيوانات في تشبيههم بمن هم أدنى منهم فليذهب ويشكيني عند بريجيد باردو ويطلب مساندة جمعيتها لتقديم شكوى ضدي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مرثيات عراقية ونكتة الاخيتيـــــار
كنعــان شـــماس ( 2012 / 4 / 10 - 15:08 )
تحية يا استاذ زيد ميشو واشم انفاس البابلي الحكيم في المقال ... هذا بطل ( قنينة ) انت حر تدور حواليه او تقعد عليه ... تختار الدوران ... حسنا عندما تتعب اقعد عليه ... هكذا كانت اختياراتنا في ازمنة توالد البغــال في الحوار المتمدن اليوم مقال جميل حول تحقيق الامنيات النكبويــــة للاستاذ امين يونس تحية


2 - الأستاذ العزيز زيد ميشو المحترم
ليندا كبرييل ( 2012 / 4 / 11 - 08:42 )
مقالك الصادق هذا فيه الكثير مما يتردد في صدورنا نحن أبناء جيل البعث الذي جنى علينا بالمقولات القومية الفارغة وكتم أنفاسنا وجعل ألستنا لا تردد إلا أهدافهم الحمقاء وشعاراتهم المبتذلة الممجدة لفرد واحد هو رئيس قبيلة يستحلّ فيها ما يشاء له ولأبنائه وأقاربه
أنا أيضا لست شيوعية، لكني أعيش قيمهاالإنسانية ولم أدرِ بذلك
كان كل من حولي من الأصدقاء شيوعيين ، وتسربت لنفسي مبادئهم فأيقظت شعور الإنسانية وقربتني من العالم أكثر
لا أريد أن أكون متحزبة وأرفض ذلك تماما فأنا أعشق الحرية
لكني أحترم جداً أفكارهم
نحن الآن في عصر الحريات ولنا المجال لتبنّي الفكر الذي نرغب به
زمن تبجيل قائد الأمة، والأب القائد، والقائد الأوحد، والقائد إلى الأبد
كلها انتهت ، الآن علينا أن نفكر في الآتي وأنا ممن يؤيد أن تصعد كل الاتجاهات في تنافس شريف لكي تنكشف الأمور على حقيقتها
كشف الأوراق لا بد منه لجيل عانى من غسيل العقول ليعرف أين الصح والغلط
إنهم يكفّرون الآن الاتجاهات المتطرفة
لكن المتطرفين يدّعون الوطنية وحب البلد
هيا بهم والأمر يحتاج لوقت ليذوب الثلج ويبان المرج
أحييك مع الود والاحترام


3 - مثال من الواقع
زيد ميشو ( 2012 / 4 / 11 - 16:50 )
الأستاذ كنعان شماس
تحية وأعتزاز
أعطيت مثل رائع لو كنت أعرفه لأستشهدت به في هذا المقال ..... هذا المثل كان أيام البغل بينما أبناءه يقولون أقعد على البطل ودور لتبحث عن مأوى آمن
أما عن أنفاس إبن عمي العزيز الحكيم البابلي في المقال ..... فهذا أعتبره إطراء كون الحكيم معروف بإسلوبه وقابليته في الكتابة .... إنما مقالي هذا وكل مقالاتي تعتبر هويتي
سيكون فيها نَفَسُكِ أيضاً إن كنّا متفقين على الفكرة ... لأني أكتب قناعاتي والتي لم تُخلَق من قبلي ... وإنما هي أيضاً نتيجة لخبرات الآخرين وآراءهم



4 - ليس هناك أمل
زيد ميشو ( 2012 / 4 / 11 - 16:57 )
الأستاذة العزيزة والغالية ليندا كابرييل
كم أتمنى أن يكون لدي ثقتك بالتغيير نحو الأفضل
أنا عكسك تماماً ..... لاأمل لي بشرق سعيد
كل دولة تخرج من حفرة ستسقط في بئر
مادمنا قد وصلنا إلى وقت يترحّم به البعض على أيام البغل .... فما أتعسه من مستقبل
شكراً لك

اخر الافلام

.. عمليات بحث تحت الأنقاض وسط دمار بمربع سكني بمخيم النصيرات في


.. مظاهرات في تل أبيب تطالب بإسقاط حكومة نتنياهو وإعادة المحتجز




.. رغم المضايقات والترهيب.. حراك طلابي متصاعد في الجامعات الأمر


.. 10 شهداء في قصف إسرائيلي استهدف منزلا في حي النصر شمال مدينة




.. حزب الله يعلن قصف مستوطنات إسرائيلية بعشرات صواريخ الكاتيوشا