الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مروراً بدير ياسين

دعاء حوش

2012 / 4 / 10
الادب والفن


على جثثٍ أقاموا ألمائدة, وتقاسموا الإعجاز بالإعجاز, كيف لهم أن يقلبوا التاريخ ويقيموا فوقه المستوطنات وينكرون حقائقاً باتت بعهر فضيحةٍ رَشَقت على جوائزهم دنسَ الدماء..
كلما اقتربَت الذكرى انفجر معها الف احتقان وتلاشى معها مئة احتمال للصمت وكُشفت لنا يد خفية اخرى كانت طرفا في مأساتنا, كَثُر المرتَكبون والجريمة واحدة, سيناريو اخر لـ"راشومون" أقل حَداثة وذكاءً منها, يعترفون ليحصدوا الألقاب هذه المرّة, ما أبشع الجرائم التي ارتُكبت في زمن الفوضى, ما أبشع التاريخ إذ يلعب دور المُحقّق, ما أبشع ذكرى الميلاد الثانية عشر لو سألتم غسان كنفاني !!
في التاسع من نيسان أُصاب بحمى الذهول وتتراكم كل تلك الأسئلة التي تملك اجابة واحدة, وأستعيد بلاهة الايام الاولى في القدس.. تلك التي كانت تُستيقظ باكراً في باب العامود وتُسهر على غرار مساءات الشمال في مقاهي الشيخ جراح, التي انشطرت لتصبح ألف توأم منظمين في زيارتهم في رتابة لا تُطاق..
أذكر كيف في بداية أسبوع منها أشرت لسائق اجرة رَكن بجانب البناية ففتح زجاج العدم لأجيبه دون سؤال: "جفعات شاؤول", أشار لي بالصعود حيث كان يضمر لي سقوطاً حاداً, مرت ثوانٍ على نيته حتى تنفس المخلوق وخرجت كلماته الاولى في زفيره الثاني: "على فكرة, اسمها دير ياسين, بتعرفي؟"...
وحده الذي رأى نظرة المقدسي تلك, يعرف حجم الإتهام الذي حظينا به جميعاً ويستطيع رصد احتمالات الأحكام القادمة عليه.. ثمة صعقات تدفع بملامحك المصدومة أن تجيب عوضاً عنك.. ويسألني إن كنت أعرف, أعرف لكن واقعك العتيق يؤلمني, نعم أعرف لكن اسمها مِلحاً لا أريد لجرحك أن يُكشف عليه..
فهل تطاولتُ يومها على 60 عامأ مضوا حين أجبته: "إلى دير ياسين إذاً" ؟ تلك التي قصدتُ بها دير ياسين الحَدَث هذه المرَة, وهل تماثل معي حداً يفهم فيه قصدي الملغوز؟ لا أدري حقيقةً, بيد أنه أسرع نحو الهَدَف !
أنظر عبر العدم, والوطن يمر بي على عجل غير معهود, كيف استأمنتُ هذا المُسرع نحو النهاية ولم أجرؤ على النظر لساعة تفضح توقيت المغادرة ولا حتى "تمهّل" تلفظني فتبقيني على قيد الهدوء دقائق أخرى, كنت أشعر أن أي كلمة أقولها هي ارتكاب لحماقة أخرى كانت القدس بما فيها بغنى عني وعنها, كيف استأمنته والوطن على حياتي لربع ساعة من الذهول, أنا التي ما خنتهم سوى بمساحة مجزرة!
اقتربنا من الحَدَث وباتت ملامح القرية أكثر اختفاءً وطمساً, ما الذي كان يراه المقدسي حين كنت استحضر أشلاءهم, هل كان يشتم رائحة الخبز المحلّى حين مررنا بـ "أنجل" أم رائحة البارود؟ وهذا البيت الذي أبقى تفاصيل العروبة حيةً فيه أكان يراه وحيداً أم محاطاً ببنادق الـ "إرجون" والـ "بلماح" ؟
صامتةً كنت أسأل كل تلك الأسئلة, وتمثالاً كان هو يجيب كأنه يدري أن الصمت كان أقصر مسافة بيننا, ومثله أصلاً أريد لهم الصمت, "زرادشت" لو ظل صامتاً أيضاً لأراحني من نصف همومي على أقل تقدير..
ذلك اليوم الذي أعدّته لنا دير ياسين منذ 60 عاماً, هل لها أن تدري بما حكمت علي لأربع سنين تلت ؟ كيف تواطأت معي تلك العظيمة حين وصلتها, نظر المقدسي بثلث وجهه العلوي بعد أن أوقف العدّاد, أُهيئ محفظة النقود وهروبي معاً, ويهيئ هو السهم الأخير, ملء القدس قالها, ملء رئتاي شهقتها, ألقاها: 48 !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب


.. عاجل.. الفنان محمد عبده يعلن إصابته بمرض السرطان في رسالة صو




.. انتظرونا غداً..في كلمة أخيرة والفنانة ياسمين علي والفنان صدق


.. جولة في عاصمة الثقافة الأوروبية لعام 2024 | يوروماكس




.. المخرج كريم السبكي- جمعتني كمياء بالمو?لف وسام صبري في فيلم