الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا يتمسك الإخوان والسلفيون بكتابة الدستور منفردين؟

نادية الشربيني

2012 / 4 / 11
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


لم يتمسك الفصيل الإسلامي بقضية قدر تمسكه بقضية الدستور. لقد تبنى الإسلاميون ما سمي بالإعلان الدستوري واعتمدوه خريطة طريق وكان الهدف الأساسي من تحمسهم لهذه الخريطة المشوهة هو الهيمنة على كتابة الدستور بعد أن تصير لهم السلطة التشريعية خالصة من دون القوى الأخرى. ولم يخرج الإخوان، على وجه الخصوص، في حشد احتجاجي إلا اعتراضا على وثيقة السلمي التي أرادت وضع مبادئ حاكمة لمن سيكتب الدستور. فلماذا إذن كل هذا الحرص على الدستور من قبل الإسلاميين؟ وما قيمة هذا الدستور بالنسبة لمشروعهم السياسي في مصر؟
الدستور كوثيقة حاكمة للعلاقة بين المواطنين قد نشأ سابقا على ظهور الدولة الحديثة منذ الماجنا كارتا التي صيغت على أيدي متمردين إنجليز على سلطة الملك، كتبوا بنودها في منفاهم في الأراضي الفرنسية. وقد ركزت هذه الوثيقة على الحريات الفردية التي كانت مفهوما جديدا في ظل حكم الملوك المطلق والهيمنة الإقطاعية على الأرض والنفوس. وقد ظل الدستور وثيقة عقد اجتماعي بين المواطنين بعضهم ببعض وبينهم وبين السلطة التي تحكمهم. وهو بتعريفه هذا لا يوجد له مكان في مفهوم الإسلاميين الذين يعتبرون العلاقة بين المواطنين وحاكمهم علاقة رعية وراع، ليس على الرعية سوى الطاعة والدعاء بأن يكون الحاكم عادلا. وبهذا لا يلزم كتابة وثيقة تسمى بالدستور لأنه لا يجب على الرعبة إلزام الحاكم بشيء سوى ما تمليه عليه إرادته وإرادة خاصته المنوط بهم وحدهم تقويمه وتبديله ورسم سياساته. إذن لا يوجد ما يسمى بدستور في عرف الإسلاميين، وما سعيهم لإلغاء المحكمة الدستورية إلا خطوة في طريق سحق الدستور تمهيدا لإلغائه في المستقبل والاكتفاء بتعريف يلصق باسم مصر من شاكلة "الجمهورية الإسلامية" أو "الولاية المصرية". إذن مبدئيا الإسلاميون مضطرون إلى صياغة هذه الوثيقة لأنها من تقاليد السياسة المصرية ومن الصعب إلغاؤه في هذه المرحلة، كما أنه سيكون وسيلتهم في السيطرة على العقل السياسي المصري.
الإسلاميون يحتاجون إلى تحصين ما هو قادم من منظومة قوانين قمعية بصبغة دينية. والدستور وسيلتهم الأسرع إلى ذلك. فالمادة الثانية الموجودة في الدستور الملغي لا تكفي لهذا التحصين، ويجب أن يدعم الدستور الجديد بصياغة تتناثر في جميع أنحائه لا تقر فقط بالشريعة الإسلامية أحكاما ومقاصد ومبادئ، بل تجعلها ركنا أساسيا في صياغة أي قانون وأي تشريع مستقبلي. أي تعطي أساسا دستوريا راسخا لكل منظومة القوانين القادمة أنه كي يصبح القانون صحيحا دستوريا يجب أن يختم بختم إسلامي، ربما يكون موافقة مجلس أهل الحل والعقد الذي وعد بتكوينه خيرت الشاطر، مرشح الإخوان في انتخابات الرئاسة.
الانفراد بكتابة الدستور سيفسح المجال للتأويلات المرغوب فيها ولتحميل النصوص معان متضاربة، مثلما هو الحال مع التعديلات الدستورية التي صاغها ترزية قوانين الإخوان والتي أتت ركيكة المحتوى واللغة وقابلة للتأويل والالتباس. وهذا الالتباس في صيغ بعينها هو باب خلفي للمناورة أو الهروب عند الحاجة. وعلى اعتبار أن المناورة هي أحد أدوات الإخوان الأساسية في علاقتهم مع الآخر غير الإخواني، فإن وجود نصوص دستورية يملكون هم وحدهم شفرتها سيمكنهم من البقاء على قيد الحياة السياسية أطول وقت ممكن.
لا يمكن تصور أن الإخوان ينوون التخلي عن السلطة لا عن طريق انتخابات ولا عن طريق سواها. وكتابتهم للدستور اليوم سيضمن لهم الإمساك بتلابيب السلطة من الآن وضمان استمرارها لهم. ووجود السلفيين معهم في الصفقة الدستورية هو من باب "أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب". وهو تحالف هام لأن الطرفين، رغم اختلافهم المذهبي، لديهم نقاط تماس مذهبية وسياسية كبيرة. ومشروعهم واحد ألا وهو إرساء دعائم الخلافة الإسلامية. وتذكروا أن من وقفوا بالمطار في استقبال رئيس الوزراء التركي حاملين لافتات ترحيب بخليفة المسلمين كانوا من الإخوان وليس السلفيين. وهم سيظلون متحالفين حتى يتم استتباب الأمر للدولة الدينية وبعدها يبدأ صراعهم الذي لن يكون سلميا بأي حال.
الدستور جاهز في أدراج الإخوان وهو سلوك ينبيء عن عقلية استبدادية. ولابد أن بنوده ستكرس هذه السلطة المطلقة وتخنق منافذ الديمقراطية التي قد يعبر منها الرأي الآخر والاحتجاجات. وقد أتى حكم المحكمة الإدارية ببطلان تكوين الجمعية التأسيسية للدستور ضربة قاصمة لهذا المشروع الإخواني الإقصائي. ومن المؤكد أن الإخوان سيناورون ويلعبون بورقات أخرى، لعدم رغبتهم في فتح جبهات عداء كثيرة في الوقت الحالي. وعلى القوى المؤمنة بالديمقراطية التمسك بهذا الحكم العادل وبحق المصريين في صياغة دستور حقيقي، وليس دستور مفصل على مقاس الحاكم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا بعد موافقة حماس على -مقترح الهدنة-؟| المسائية


.. دبابات الجيش الإسرائيلي تحتشد على حدود رفح بانتظار أمر اقتحا




.. مقتل جنديين إسرائيليين بهجوم نفذه حزب الله بطائرة مسيرة


.. -ولادة بدون حمل-.. إعلان لطبيب نسائي يثير الجدل في مصر! • فر




.. استعدادات أمنية مشددة في مرسيليا -برا وجوا وبحرا- لاستقبال ا