الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوداع يليه وداع

عبله عبدالرحمن
كاتبة

(Abla Abed Alrahman)

2012 / 4 / 11
الادب والفن


في حضرة الوداع، نختار رحيلنا مثلما نختار الوان حقائبنا، نختار ألا نحمل اشياء تذكرنا بلحظات فيها بعض من سعادة، نختار ان نترك وراءنا اشياء حتى لا تكون شراعة امل او الم يصاحبنا اثناء رحيلنا، بيدا ان الوداع يظل قاسيا حتى لو كان اختياره إراديا حبات المطر تنزل مدرارا حتى لا نستطيع ان نخفيها، والأكف على تحررها لا يمكن لها ان تلحق بركب دمعة مجنونة خالفت مسارها وحطت على ارض ستقفر محطتها من همس الصباح وطرطقة الاكف وكلام يتلون باللحظة الواحدة عشرات المرات.
خطوات الحافلة تنهب الشارع حتى لا تسمح لنا برؤية جنبات الطريق، اذ انها تتواطأ مع الريح حتى يكون الوداع ابديا، هل ستذهب بنا بعيدا حتى لا يعود متاحا لنا ان نتراجع مطلقين ساقينا للريح هل سنعُطى فرصة أخرى ونعود الى حيث لم نعد نريد!، اية مفارقة نقع فيها، حتى لا نعرف ما الذي نريده، هل نريد الاستمرار ام التوقف ام العودة من حيث كنا، هل نريد النظام ام اننا لا نريده، والا كيف سنرضى بصور مللنا رؤيتها لتحتل اطار حياتنا وكأننا لا نستطيع العيش الا بها او بالنسخة الاصلية منها.
في حضرة الوداع، نتذكر بأننا على موعد دائم معه، فالحياة اصبحت مجرد محطات من غير حقائب، اذ لم يعد متاحا لنا ان نحمل شيئا ولا حتى المفتاح لان الوداع بات مجرد وداع تقليدي من غير استذكار بأهمية التسميه. الاسماء لم تعد مهمة ولا حتى المكان، ربما لاننا اصبحنا كما هي حقائب السفر المحمولة التي ننتقل بها او التي تنتقل بنا، اذ لم يعد مهما من يسافر بالاخر، بعد ان اختلطت المفاتيح علينا، فلم نعد نعرف ايهما الاصلي وايهما التقليد، وايهما سنحمل والى اين سنتجه، الخيام باتت قدرا حتى يحين الوعد.
سنوات الوداع زحفت على ملامح جدتي، لكنها ما زالت تذكر ملاعب الطفولة واقرانها الذين كانوا يشاركونها لهو الطفولة وهواء الوطن، ومصطبة البيت، تمازحني وهي تطلب دبوس الشعر حين قالت لي: لا يذهب بك التفكير بعيدا لا اريد ان ازين به شعري كما كنا نصفّه بالوانه المتعددة على قُصة الشَعر، حتى نصبح بجمال قوس قزح، بل اريد ان احتفظ به لانفض بعضا من سمغ يعلق بأذني بين الحين والاخر، اي وداع اخر يتعين على جدتي تذكره، وهي ما زالت تتذكر تشاركهما مع الشحاذ خبزه عندما فارقوا الدار قسرا، لم يبقى لها الا الوداع الاخير بعيدا عن الوطن ومصطبة الدار.
في حضرة الوداع تنتشر الخيام حتى تغطي الارض، اذ تضيق الارض وان رحبت، وتضيق الصدور حتى تنأى بحمولتها، وتفنى الروح قبل فناء الجسد، أي حياة واي وعد ما دمنا قيد ثورة لم تأتي اكلها، واي وعد وعدونا ينبثق من مطارحنا، واي وداع لا بد ان يطالنا وكأنه ظلنا وقدرنا.













التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - محطات سريعة
سيمون خوري ( 2012 / 4 / 11 - 17:59 )
العزيزة عبلة المحترمة تحية لك مقال جميل كعادتك أسلوب معبر وراق ، الحياة فعلا تحولت الى محطات بلا حقائب ننتظر على الرصيف موعد مرور القطار. ، اليوم هناك زلزال في أدونيسيا نأمل أن لا يكون على شاكلة التسونامي الماضي . وهنا أعبر عن قلقي على سكان هذا البلد وصديقتنا الغالية السيدة ليندا التي أتمنى أن تكون بخير ..مع التحية لك


2 - الوداع
ابراهيم البهرزي ( 2012 / 4 / 11 - 19:01 )
عمتِ مساءاً عبلة
الوداع هو جرح وجودنا القائم ابدا , حتى في نقيضه , حتى في اللقاء , ثمة وخز خفي يذكرنا بذلك الوعد القدري الغامض مع الوداع
لنمسك بقوة اشد على اللحظات التي ندرك انها لابد ستنسرب من بين الاصابع , لنتمسك اكثر بما نظن انه اليقين قبل انحدارنا الى ممر الوداع الحتمي , لنحب بقوة اعتى من احبتهم حياتنا , لنقبض على الجميل والحقيقي بارادة عنيدة ونؤبده طوال فرصة الرحلة ...ينبغي ان نطيل التأمل في فكرة الوداع
كنت سلسة , صادقة , معبرة
لا اوجعك الوداع بعزيز ياعبلة ودمت كريمة متألقة بالامل


3 - الكاتب المبدع سيمون خوري
عبله عبد الرحمن ( 2012 / 4 / 11 - 20:51 )
الكاتب الرائع والمبدع سيمون خوري فكرت بعنوان يعبر عن مدى سعادتي بروحك البهية وسمو عطاءك بحياتي لم اجد اجمل من اسمك الغالي ، الحياة محطات علينا ان نتمسك بما هو جميل فيها سوف انتظر في المحطة من دون ملل
بالدعاء للصديقة العزيزة ليندا بأن تكون بخير كما نرجوا الخير لكل البشرية
فصح مجيد للجميع


4 - الشاعر المبدع ابراهيم البهرزي
عبله عبد الرحمن ( 2012 / 4 / 11 - 21:03 )
تحياتي استاذ ابراهيم البهرزي ، كلماتك معبرة جدا عن الوداع ، جعلتني ابكي خوفا حين قلت حتى في اللقاء ثمة وخز يذكرنا بالوداع سأشحذ روحك واتمسك بالامل،
اعيد الدعاء لك استاذ ابراهيم وللاستاذ سيمون خوري لا اوجعكما الله بعزيز
تحياتي اليك


5 - حقيبة فدمعة فوداع
ليندا كبرييل ( 2012 / 4 / 12 - 07:30 )
يعيش بعضنا لحظات الرحيل أو الوداع حتى وهم في بيوتهم عندما يداهمهم شعور الغربة فيبتعدون بالشعور والإحساس عن محيطهم
ولو نظرنا للحياة لرأيناها كلها محطات وداع ، كل لحظة تمر بنا نودع فيها ما سبقها
علينا ألا نستسلم لهذا الشعور الذي يطغى على البعض فيحبط من مساعيهم نحو التقدم
الوداع بذاته يحمل في طياته بذور لقاء جديد ، ماذا ينتظرنا بعد أن غادرنا تلك اللحظة ؟
إنه في الغيب ، لكن علينا أن نشحن أنفسنا بالأمل للقاءات الجديدة قد تحمل لنا من الأمل ما يفوق تصورنا
أتمنى لتفاؤلك أن يطغى على حزن البعاد ، وتبقى المشاركات الإنسانية خير الحلول لحضور إيجابي يبعد عنا مشاعر الوداع الأليمة
مع التحية والتقدير لمشاركاتك الإيجابية دوماً


6 - العزيزة الاستاذة ليندا كبرييل
عبله عبد الرحمن ( 2012 / 4 / 12 - 10:52 )
تحياتي استاذة ليندا ، احب ان اثني على روحك المبدعة واشكرك على اضافتك الكريمة، اتمنى لو اننا جميعا نقبض على اللحظات الجميله ، فالحياة قصيرة ولا تحتمل مزيد من التردد تحياتي اليك اتمنى انك بخير
فصح مجيد


7 - اللقاء يليه لقاء
فؤاده العراقيه ( 2012 / 4 / 12 - 13:02 )
اهلا بك عزيزتي عبله
لا بد من نهايه لكل شيء , كل شيء
لكننا طالما نحيا فستكون حياتنا لقاء يليه لقاء وعمل يليه عمل وابداع يليه ابداع هذه هي الحياة الحقيقيه لكن مع الاسف حياتنا نحن اصبحت مجرد وداع
تحيه لكِ وللعزيزه ليندا على تعليقاتها وننتظر منها ان كتابات جديده


8 - تحياتي استاذة فؤادة
عبله عبد الرحمن ( 2012 / 4 / 12 - 14:06 )
عزيزتي الاستاذة فؤادة يعجبني تفاؤلك، جميل ان ننظر للوداع وكأنه لقاء، اذ ان اللقاء دائما يحمل سحر البدايات، ولكن مهلا اريد لتفاؤلك ان يبقى
اضم صوتي الى صوتك بانتظار جديد للاستاذة ليندا
تحياتي اليك


9 - شكراً لثقة العزيزتين فؤادة وعبلة المحترمتين
ليندا كبرييل ( 2012 / 4 / 12 - 16:03 )
كنتُ في ( رحيل ووداع ) وسفر خلال الفترة الماضية، فتأخرت بنشر مقالي الرياضي الموعود للأسف ، ها أنذا أعمل على تشذيبه وأرجو أن أنشره قريباً . أتمنى قيامة مجيدة لإنسان اليوم مسلحاً بالوعي والمعرفة وكل عام والجميع بخير

اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي