الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديالكتيك الماركسي غطاء للمسيحية - 2-3

أنور نجم الدين

2012 / 4 / 11
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


التناقض بين الطريقة الفلسفية والطريقة التجريبية:

إذا ما نظرنا إلى العالم المادي وقوانينه من وجهة نظر هيغل، فلا نصل إلا إلى التأمل االالماني عن العالم المسيحي، وهذا التأمل، هو الذي يعتبر مصدر الوعي البشري - مصدر المعرفة - لدى هيغل، ففي الطريقة الفلسفية، يتم الانطلاق من الفكرة لا من الواقع، وليس الواقع لدى هيغل سوى مملكة الحقيقة، مملكة الفكر المحض. فقد انطلق هيغل من قوانين الفكر -أي من المنطق الجدلي- بالاستناد إلى الفكر اليوناني القديم، والمنظومات الديالكتيكية الالمانية التي كانت تمثلها فلسفة كانط، وفيخته، وشيلنغ. أما تطور المنطق الديالكتيكي الهيغلي، يصل ذروته في مفهوم "الحقيقة المطلقة".
اذن، فالمعرفة الفلسفية -التأملية- تعتمد أساساعلى الفكرة المجردة، حيث ان الأداة الوحيدة في يد الفلاسفة لاكتساب المعارف عن العالم، هي المنطق الجدلي، أي نظرية المعرفة بدل الوقائع المادية، فميدان الفلاسفة للبحث عن الأشياء هو الفكر وقوانينه لا القوانين المادية - الفيزيائية أو الاقتصادية -.
أما طريقة العلماء الاقتصاديين، مثل العلماء الطبيعيين، لاكتساب المعارف عن العالم، تختلف كل الاختلاف عن الطريقة الجدلية، كما وتختلف أيضًا عن طريقة الفلسفة الحسية، والتي تعتبر الاحساسات، أي الملاحظات الحسية على الاشياء المرئية مصدر المعرفة، فالأداة المتوفرة بين أيدي العلماء، ليست نفس أداة الفلاسفة للبحث عن الاشياء، فالطريقة الديالكتيكية تناقض جذريًا الطريقة التجريبية للوصول إلى المعرفة.
ونحن نعني بالقوانين العلمية ملاحظات دقيقة صارمة عن تركيب الاشياء وخصائصها المكونة التي لا خلاف عليها، أما نعني بالفلسفة كل فكرة غير مثبتة علميا، لذلك فلا بد الانفصال بين العلم والفلسفة، فالمعرفة الفلسفية تختلف جذريًا عن المعرفة العلمية. ومع ذلك، فمازال هناك من يصر على الخلط بين المعارف الفلسفية والعلمية المختلفة والمتناقضة عن العالم المادي، فالمادي الديالكتيكي مثلا في محاولة لتغيير معنى الفلسفة التأملية على نحو يتوافق مع العلم التجريبي. أما في الواقع فمن الخطأ الجمع بين الفلسفة والعلم بأي شكل كان، فالفلسفة تبقى في مسارها المنفصلة عن العلم مهما حاول البعض الخلط بينهما، كما ولا يمكن الجمع بين الأداة الفكرية للفلسفة -الديالكتيك- والأداة العملية للعلم.

طريقة الديالكتيك:

إذا حاولنا تعريف الديالكتيك بآلة لانتاج المعرفة العلمية، فسنحاول تعريف العلم بفلسفة تأملية، فللديالكتيك جواب جاهز لكل سؤال بخصوص العالم، وهو ينشأ من الاعتقاد بأن وراء جميع الظواهر الاقتصادية والطبيعية سببًا واحدًا، غير مرئي للبشر، وهو العالم المسيحي - ملكوت الحقيقة - الذي يعيدنا إليه هيغل من خلال الديالكتيك. وهذا الاعتقاد نجده في أقدم الحضارات في العالم، وأنه ببساطة يعني أن المعرفة البشرية ثابتة، غير قابلة للتغير، مثلما لا تتغير القوانين الاجتماعية للمجتمع البشري.

وهكذا، فليس من الضروري إطلاقًا التحقق من القوانين المادية -الطبيعية أو الاقتصادية- بصورة تجريبية، وليس من الضروري أصلاً صرف أي جهد علمي لاكتشاف القوانين، فالديالكتيك موجود في كل مكان وفي كل الأزمنة بحيث أصبح حقيقة مطلقة. وبالطبع، فإذا كانت الأداة المتوفرة بين أيدينا هي المنطق الجدلي، فمن السهل إذن جواب جميع الأسئلة بخصوص العالم المادي، فحسب الديالكتيك يتألف كل شيء في العالم من جانبين متناقضين، ويتحول كل شيء من الكم إلى الكيف، وينفي لاحقًا بعضهم بعضًا بصورة متواصلة. وهذا هو أساس الديالكتيك، فالماركسيون يخلطون بين (القوانين الديالكتيكية) وهي في الأساس قواعد وقوانين التفكير الصحيح، و(القوانين المادية)، وهي القوانين التي يحدد بموجبها العناصر المكونة للاشياء وخصائصها بصورة تجريبية، يعني لا ديالكتيكية. وهذه العناصر والخصائص -الفيزيائية أو التاريخية- هي التي تعكسها أفكارنا، أي هي التي تعطينا معرفة واقعية، مادية، تاريخية، تجريبية عن العالم كما هو موجود في الواقع لا كما يتصوره الديالكتيك.

إن الطريقة التي يستخدمها الفيلسوف للوصول إلى الحقيقة، هي المنطق الجدلي، وكأن التاريخ وحركته، مثل الطبيعة وتحاولاتها، يتحرك بصورة متوافقة مع المنطق الجدلي. ومن خلال المنطق يلعب الفيلسوف بالكلمات ومعاني المصطلحات. ولم يأخذ المنطق الديالكتيكي منهجا للبحث إلا في أرسطو، فحسب هيغل، عبرت طريقة أرسطو - وأرسطو هو الذي جعل من المنطق الديالكتيكي أكثر منهجيا - عن ثلاثية ديالكتيكية: بدء، وسط، انتهاء.

مثال:

كل إنسان فانٍ: بدء

سقراط إنسان: وسط

سقراط فانٍ: انتهاء

وهكذا، أصبح المنطق الجدلي -المنطق الديالكتيكي- عند أرسطو قواعد التفكير وقوانينه، فحسب أرسطو، لا يمكن التفكير بصورة صحيحة، أي لا يمكن التميز بين الخير والشر، وبين الحق والباطل، وبين الخطأ والصواب، ما لم نضع الفكر في قواعد المنطق الديالكتيكي، فالمنطق الديالكتيكي هو قانون التفكير الصحيح، حسب الفلاسفة. وأنه سمي المنطق الصوري لأنه يدرس صورة التفكير، أو أسلوب التفكير وطرق الاستدلال لا الأساس المادي للتفكير والأشكال التاريخية المتنوعة للوعي البشري، على سبيل المثال الفلسفة والعلم.

وهكذا، فما دام الإنسان -حسب الفلاسفة- معرضًا للخطأ، فيحتاج قانونًا للتفكير، وهذا القانون هو المنطق الجدلي. فالإنسان بحاجة إلى قياس تفكيره، والمنطق الديالكتيكي هو هذا المقياس.

وما هذه القواعد؟

إن قانون الهوية (الذاتية) في أبسط صورتها، وهو إحدى قوانين التفكير (أي قانون من قوانين المنطق الديالكتيكي)، تعبير عن أبسط الأحكام المنطقية، ينص على أن: الشيء هو نفسه.

مثال:

الإنسان هو الإنسان

الرجل هو الرجل

إذن فرمز هذا القانون هو: أ = أ

أما رمز قانون مبدأ التناقض، فهو: الشيء لا يمكن أن يكون "أ" و”لا أ" في آن واحد، فنقيض الشيء هو نفيه، أو كما يقول هيغل: "كل الاشياء هي في نفسها متناقضة، ولا سيما بمعنى ان هذا المبدأ، مقارنا بالمباديء الاخرى، يعبر عن حقيقة وجوهر الاشياء" (هيغل، مختارات 1، ص 130).

وقانون الثالث المرفوع يشير إلى: "أن شيئا ما يكون إما "أ" أو “لا أ" (هيغل، مختارات 1، ص 129).

وهذه العملية المنطقية معروفة باستدلال قياس الاستنباط الأرسطي، فعملية البرهان في الفلسفة أو في المنطق الجدلي، استدلال يهدف إلى تأكيد خطأ أو صواب.

وهكذا، فيعتبر المنطق الجدلي قواعد وضوابط عقلية للخطأ والصواب، أو آلة فلسفية لادراك المعقولات. أما اذا رجعنا إلى الأصل الاشتقاقي، الاغريقي (لوغوس)، فيدل المنطق من الناحية اللغوية، على النطق -الكلام والالفاظ-.

هذه هي بايجاز طريقة المنطق الجدلي للبحث عن الأفكار، فهذه الطريقة تقيس صحة أو خطأ الافكار. ويلخص هيغل قوانين المناطقة -قوانين الفكر، ما تسمى نظرية المعرفة على الشكل الآتي:

"إن الجدل قانون مكون للفكر، وإن الفكر، من حيث هو فهم، ينفي وينقض ذاته بذاته. هذا المبدأ يتضمن أولا بأول شيء هو معارض، معين، سواء كموجب أو كسالب" (هيغل، مختارات 1، ص 69).
"المنطق هو علم الفكرة.. يمكن القول أن المنطق هو علم الفكر، تعييناته وقوانينه.. المنطق ينطبق في الهوية مع الميتافيزيقا .. هذه البداية، نجدها في الفلسفة الالياتية (مدرسة مدينة ليليا: بارمنيد، زينون)" (نفس المرجع).

وهكذا، فالجدل -الديالكتيك- الذي ينطبق في الهوية مع الميتافيزيقا، ينظر إلى المفاهيم وكأنها تحدد نفسها بنفسها لا من خلال ارتباطها بواقع مادي محدد يوجد خارجه، والفكر يعكسه. وحين يضع جدلي -ديالكتيكي- أفكاره في قواعد محددة مثل قواعد المنطق الجدلي مثلا، فيظن أنه يصل إلى نتائج ايجابية دقيقة. أما في الواقع فانه يقوم فقط بتجريد مفاهيمه عن الأشياء الواقعية وقوانينها المادية، أي تجريد الفكر عن واقعه الفعلي، وكأن الفكر له قانون خاص به، وهو الجدل، الديالكتيك، وهذا ما يناقضه المفهوم المادي التجريبي عن التاريخ.

الطريقة التجريبية:

ان أول من هاجم هذه الطريقة اليونانية القديمة التي تؤكد بأن العقل وحده كفيل بالوصول إلى العلم، إلى المعرفة، هو فرنسيس بيكون الانجليزي (1561 – 1626) الذي يخالفه هيغل أكثر من غيره، فكل نتيجة -استنتاجات فكرية-، كل معرفة، متضمنة في المقدمات التجريبية لا في الفكر، حسب الطريقة الجديدة للبحث. فثار بيكون ضد تراث أفلاطون وأرسطو حول مصدر المعرفة، أي طريقة الوصول إلى المعرفة، وأعلن أن مدرستهم مليئة بالثرثرة، غير واقعية بل ومملة، وليس هناك أمل في تطوير العلوم خطوة واحدة دون اللجوء إلى منهج استخراج القاعدة العامة، القانون العلمي من مفردات الواقع نفسه واستنادا إلى التجارب عليها، فبيكون يضع على الاقل حدًا بين الطريقة القديمة -الجدلية- والطريقة الحديثة -التجريبية- للبحث.

هنا، وهنا بالتحديد، نصل إلى مفترق الطريق بين الطريقة القديمة والطريقة الجديدة للبحث: طريقة الجدل وهي أداة الفلاسفة للتحقيق عن صحة وخطأ الأفكار، والطريقة التجريبية وهي أداة الابحاث العلمية بالمعنى المعاصر للكلمة.

وسؤالنا الأساسي هنا هو:

أين موقع الفلاسفة وموقع العلماء، وعلى الأخص موقع هيغل بوصفه فيلسوفًا وكارل ماركس بوصفه عالمًا اقتصاديًّا ما بين هذين العالمين: عالم اليونان القديم وأداته الكلاسيكية للبحث، أي المنطق الجدلي، والعالم الحديث وأداته التجريبية للبحث؟

لنرَ الآن من أين يبدأ هيغل؟

يقول هيغل: "نور الفكر بزغ في اليونان .. فلسفة الاقدمين فكرت الفكرة المطلقة" (المختارات 2، ص 170).

وهل يبدأ ماركس من نفس النقطة التاريخية التي يبدأ منها هيغل؟

يقول ماركس: "ان تاريخ اليونان، بما فيه عصر بيريكليس، يرجع الى صراع بين تجريدات: العقل، الروح، القلب، الوجود الارضي، الخ. هؤلاء هم فرقاء المتجابهون في اليونان، في هذا العالم الشبحي ..." (الايديولوجية الالمانية، ص 136).

وهكذا، فلم يبدأ ماركس من اليونان وهؤلاء الفرقاء المتجابهون في هذا العالم الشبحي.
ومن أين اذن يبدأ ماركس؟ من الالمان ومنطقه الجدلي؟

لندع ماركس نفسه في الحال يبدي رأيه بخصوص المنطق الجدلي الهيغلي:

"المفهوم هو (الأنا) (انظر المنطق لهيغل، القسم الثالث)، المنطق بوصفه الأنا، هذه هي العلاقة المحضة للانا بالعالم، علاقة مجردة من جميع العلاقات الفعلية المتعلقة بها؛ ولقد سبق ان بينا أعلاه كيف (يسعى) سانشو عبثا، بواسطة هذه الصيغة، لايضاح مختلف التحديدات التجريدية الخالصة، مثل الهوية، والتناقض، الخ، بارجاعها الى جميع الاشياء الفعلية الممكنة والقابلة للتخيل.
فلنبدأ في الحال بمثال محدد، مثلا العلاقة بين (الأنا) والشعب.

الأنا ليست الشعب،
الشعب = غير الأنا
الأنا = غير الشعب

وبالتالي فاني انكار الشعب، والشعب ينحل في أناي.
ويمكن التعبير كذلك عن المعادلة الثانية بالمعادلة الملحقة التالية:
أنا الشعب غير موجودة

أو

أنا الشعب هي الصورة السلبية لاناي.

... بخصوص المعادلات المعطاة أعلاه، فلم يكن حتى من الضروري بالنسبة إلى القديس سانشو أن تكون لديه أية فكرة عن الشعب؛ كان يكفيه ان يعرف ان أنا والشعب (اسمان مختلفان لشيئين مختلفين كليا)؛ كان يكفي الا يكون للكلمتين حرف مشترك واحد، وإذا كان لا بد الآن من مزيد من التأمل عن الشعب، فانه يكفي ان يلصق بالشعب و (بالأنا) ، من الخارج، أي نوع من التحديد التافه، المأخوذة من التجربة اليومية، الامر الذي يهيء لقيام معادلات جديدة ...
... ويمكن ان نحصل بهذه الطريقة على وهم التطور الفكري بالانطلاق من هذه التسميات وبارجاعها بصورة تدريجية، بواسطة سلسلة من المعادلات أو الابدالات، إلى غير الأنا التي كانت في الواقع أساسًا لها منذ البداية ...
... ويعرف القديس سانشو فيما بعد غير الأنا المناهضة للأنا على أنها ما هو غريب عن الأنا، على أنها الغريب بكل بساطة ...
... ولما كان المقدس شيئا غريبا، فان كل شيء غريب يتحول إلى المقدس.

... ان عرضنا بكامله قد بين كيف ينقد القديس سانشو جميع الشروط الفعلية بتحويلها إلى (المقدس) .. ان هذه الحيلة البالغة البساطة، القائمة على تحويل الاشياء جميعا إلى المقدس، قد تحققت، كما رأينا أعلاه بصورة مفصلة، من جراء قبول جاك المغفل لاوهام الفلسفة بكل خلوص نية، من جراء اعتباره التعبير التأملي الايديولوجي عن الواقع، المنفصل عن أساسه التجريبي على انه الواقع بالذات، بالضبط كما اعتبر أوهام البرجوازي الصغير بشأن البرجوازية على أنها (الماهية المقدسة) للبرجوازية ...
.........
لقد استعرضنا هذه المرة الحيل المنطقية الرئيسية التي يستخدمها القديس سانشو كي يكرس العالم القائم وبذلك ينقده ويلتهمه. ومهما يكن من أمر، فانه لا يلتهم فعليًا من هذا العالم إلا المقدس، دون أن يمس شعرة واحدة من العالم نفسه ..." (الايديولوجية الالمانية، ص 291-296).

يتبع









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - يا كومونوا العالم اتحدوا
فؤاد محمد ( 2012 / 4 / 17 - 08:22 )
عزيزي الرفيق انور تحية
جهودك مشكورة ورائعة في توضيح الفرق بين الفلسفي والعلمي بعد ان اختلط الحابل بالنابل والمادي بالمثالي وشوة ماركس ولا ندري اهو فيلسوف ام عالم
اعانقكم


2 - العزيز الرفيق فؤاد محمد
انور نجم الدين ( 2012 / 4 / 17 - 10:41 )
لو سأل طالب استاذه في الدين أو في الفلسفة: ما سبب ارتفاع الاسعار؟ لأجاب استاذه رأسا ان ارتفاع الاسعار تعبيرا عن الاخلاق الدنيئة، اما انخفاضه فواجب وطني.
أما إذا سأل الطالب استاذه في الاقتصاد: ما سبب ارتفاع الاسعار؟ فلأجاب استاذه رأسا ان القوانين الاقتصادية تحكم السوق، فقانون العرض والطلب مثلا عامل أساسي في تموجات السوق.
وهذا هو الفرق بين هيغل وماركس.
تحياتي الرفاقية

اخر الافلام

.. Human Rights - To Your Left: Palestine | عن حقوق الإنسان - ع


.. لمحات من نضالات الطبقة العاملة مع امين عام اتحاد نقابات العم




.. كلمات ادريس الراضي وخديجة الهلالي وعبد الإله بن عبد السلام.


.. الشرطة الأمريكية تعتدي على متظاهرين داعمين لغزة أمام متحف جا




.. الشرطة الأميركية تواجه المتظاهرين بدراجات هوائية