الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفصل العاشر رحيل رفيق العمر زكي خيري ودوام حضوره

سعاد خيري

2012 / 4 / 12
سيرة ذاتية



في صباح 18/شباط/1995 , وكان السبت ووداد معنا وكالعادة بعد مزاولة التمارين الرياضية البسيطة نجلس على الفطور الذي يمتد الى اكثر من ساعة تتخلله المناقشات السياسية حول اهم الاحداث العالمية والوطنية . ثم ذهب زكي لاكمال مقالته لمناقشة مقالة عبد الرزاق الصافي نشرت في طريق الشعب ترمي شعبنا بالتخلف, استاء منها كثيرا . وانشغلت ببعض الاحاديث مع ودودة ثم باعداد الطعام . وبعد استراحة الغداء قمنا بجولتنا المعتادة , رغم الثلوج المتراكمة على الارض التي كانت قبل اشهر خضراء يانعة . فالبستها البساط الابيض الذي يعكس اشعة الشمس التي نادرا ما تظهر في اشهر الشتاء في السويد, والاشجار باغصانها المطعمة بالثلج وكانها نقوش من الدانتلة البيضاء في محيط ازرق . كنا نتمتع بجمال الطبيعة في كل فصولها وتثير فينا ما تثيره من ذكريات وافكار جديدة ويسرح كل منا بفكره حينا ونشترك احيانا بالاعجاب بما حولنا او بالافكار التي تتوارد على خواطرنا . ويحب زكي دائما ان يستوقفني للاستماع الى ما يستجد من ارائه. وكأنه لايكتفي بالاستماع الى كلامه بل يحب رؤية ما يتركه كلامه على وجهي من تعابير!!
وفي تلك الليلة جلس كعادته لمشاهدة برامج التلفزيون وكانت وداد وصديقها وليد يتحدثان وانا اراعي الجميع باحضار الشاي تارة والفواكه تارة اخرى . وما ان استرحت قليلا حتى شعرت بحنين لمشاركة يحيى لتجمعنا . فاتصلت به تلفونيا وكالعادة ادعو زكي ليتحدث اليه ايضا. وكعادته يمزح معه ثم طلب منه بعض الكتب عن الاقتصاد الامريكي. وكان يحيى بعد ان حصل على الماجستير للمرة الثانية في جامعة برايتون في لندن بتفوق, بعد حصوله عليها من معهد تمريازف في موسكو , عمل مستشارا افتصاديا في احدى الشركات الامريكية في مجال تحويل الصناعات الحربية الى صناعات مدنية في روسيا . وفي الساعة الثانية عشر ذهبنا للنوم . وبعد ساعة ايقضني زكي , قائلا , لا استطيع النوم !! وجلسنا نتحدث فقلت له تمدد على الفراش ونتحدث. قال , لا استطيع!! فكلما تمددت اشعر بالاختناق !! فاعطيته بعض الادوية الخاصة به والتي قرر تركها منذ شهر , دون ان اربط قراره هذا برحيل اخته زكية خيري قبل اربعين يوما بالضبط !! دون ان يعبر عن حزنه صراحة رغم كل ما كان يكن لها من مشاعر الحب . ولكنه شعر بالارتياح عندما اقمنا لها تأبينا عاما في النادي العراقي وقدمت فيه كلمة مؤثرة عن تاريخ نضالها الطويل وتصميمها البقاء في الوطن لرعاية شؤن عائلة تضم ما لا يقل عن الخمسين شابا وشابة من الابناء والاحفاد تحصنهم بالوطنية وتشد لحمتهم العائلية في اقسى ظروف الارهاب والحصار الاقتصادي. وفي اخر مكالمة لها معنا قالت, انا لا زلت على العهد وقد سميت حفيدي الاخير , فهد, !! رغم انف الاعداء!!
وفيما كنا نتحدث كانت تواجهنا مكتبة زكي خيري وقد اصبحت عامرة بالكتب وانا اعلم كم يحب الكتب وكم تألم لفقدان مكتباته لعدة مرات على يد الانظمة التابعة المتتالية في العراق. فقلت له, ها ان مكتبتك اصبحت عامرة , قال , نعم ولكن ينقصها الكثير ولاسيما استكمال مؤلفات لينين والاجزاء المتبقية من مراسلات ماركس وانجلس التي جلبناها اخيرا من يتيبوري . وتحدثنا طويلا وكان بين فترة واخرى ينهض ويتمشى . وسألني اخيرا, اليس من الافضل ان نستدعي الاسعاف !! قلت وفي هذه الساعة المتأخرة !! ومن سيفحصك قبل الصباح !! لننام قليلا ثم نرى. لم ادرك خطورة الوضع لانه كان يتحدث بشكل اعتيادي وضننت انه مجرد ارق !! فاعطيته حبة منوم واخذت واحدة لكي ننام . وبعد فترة وجيزة ايقضني قائلا , لا استطيع النوم استدعي الاسعاف!!
استدعيت الاسعاف ولم الحظ على وجهه اي تغيير وبقي واقفا الى جانبي وانا اتصل بالاسعاف وسألني هل اغير ملابسي استعدادا للذهاب الى المستشفى !! قلت كلا لاداع لذلك فانهم سيستبدلونها بملابس المستشفى . وفيما ذهبت لاعداد ما يتطلبه من لوازم الحلاقة . فقد تعود زكي وفي كل الظروف على ان يحلق يوميا ويتعطر بالكولونيا. وفي تلك الاثناء حضرت سيارة الاسعاف وذهب بنفسه ولوحده الى السيارة. ولحقت به دون ان اشعر باي شيءغير اعتيادي ودعوني للجلوس الى جانب السائق دون ان يسمحوا لي بالصعود الى جانبه. واخذوا يسألوني عن امراضه فشرحت لهم وكان ذلك عاديا. ووصلنا الى المستشفى وانا لم اشعر باي شيء غير عادي! ونزلت لارافقه الى داخل المستشفى . ولكنهم منعوني قائلين , لقد انتهى فور خروجنا من البيت !! وسنحاول انعاشه بالصدمات الكهربائية , وخلال خمسة دقائق سنبلغك بالنتيجة!! قلت وانا اصرخ, ماذا حدث ! لقد خرج اليكم بمفرده وعلى رجليه !! لم يعد هناك حتى من يسمعني فقد ذهب الجميع وتركوني وانا ارتجف فزعا من هول الصدمة. وبعد خمسة دقائق جاءوا ليبلغوني , لقد انتهى!! وانا اصرخ كيف!! ولماذا!! وبعد فترة احضروه الي وهو نائم بهدوء وكعادته يده اليسرى تحت راسه واليمنى على صدره . ماذا افعل!! ناديته كعادتي, بابا استيقظ هيا اكمل ما كنت تكتب . وسألوني بمن تريدين الاتصال!! فقلت بابنتي في البيت . اتصلوا بها ولم اعلم كيف تلقت الخبر . ولكنها جاءت بعد ان اتصلت بالشخصية العراقية المعروفة بمواقفها الانسانية وشعورها بالمسؤلية الاجتماعية تجاه الجالية العراقية في السويد, عموما والشيوعيين خصوصا , عبد الواحد.
جاءت وداد وقد هزتها الصدمة من الاعماق وجففت دموعها ولا تدري ما تقول لي وعلامات الاستفهام ترتسم على ملامحها. جاء عبد الواحد ومعه اثنين من رجال الدين وبدأوا بقراءة القرأن وحضر ابو سرباس وبعض الرفاق . وجاءوا ليأخذوه الى المشرحة فرفضت !! قالوا اذا يجب اخذه الى الثلاجة حتى تقرروا كيفية اجراء الدفن!!
لا ادري كيف عدت الى البيت بدونه!! وانا غير مصدقة ما حدث . هل صحيح رحل زكي خيري !! هل يمكن لذلك الحضور الدائم ان يغيب !! هل يمكن لتلك الطاقات المتدفقة ان تتوقف!! وجاء يحيى لتوديع والده وليقف الى جانبي وهو يعرف عمق العلاقة بيننا وجاءت اختي كلير لتقف الى جانبي في محنتي . كما حضرت نوال ابنة اخته زكية ولم يفارقني رفاق ستوكهولم . ونشرت الخبر نشرة , الجسر, التي تصدرها منظمة الحزب الشيوعي في جنوب السويد وانتشر الخبر بسرعة في جميع انحاء العالم وبدأ التساؤل متى واين سيوارى!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ابنك عملا مستشارا لدى الامريكان ؟؟
علاء حسام ( 2012 / 4 / 12 - 10:35 )
-عمل مستشارا افتصاديا في احدى الشركات الامريكية في مجال تحويل الصناعات الحربية الى صناعات مدنية في روسيا -
هل هذا العمل يليق بابن شيوعي ومن عائلة شيوعية عريقة
هل يليق به ان يعمل لدى الامريكان لتفكيك اسلحة السوفيت التي كانوا يرعبون بها الامبريالية الامريكية لتتحول هذه الصناعة المرعبة لغرض الصناعات المدينة ربما لصناعة الصابون او ادوات المكياج لحسناوات باريس واكيد ستكون بضاعة رديئة قياسا الى صناعات الامبريالين العريقة
رحم الله ابناء العراق القتلى الذين تركتوهم وليمة لضواري البعث وذهبتم للعيش متنعمين في دول الامبريالية وفي الوقت الذي كان ابناء العراق يعيشون بحسرة الحصول على حبة لمعالجة المغص كانت المستشفيات الامبريالية ترسل لزوجك سيارة اسعاف في عمق الليالي الباردة


2 - طول العمر ألك ايتها الغاليه
فؤاده العراقيه ( 2012 / 4 / 12 - 11:46 )
وتبقى الذكرى الجميله وهنيئا لك هذه الذكريات المفعمه بالعطاء التي تجعلك تعترفين بانك قد عشت حقا


3 - ازدواجية صارخة
طلال الربيعي ( 2012 / 4 / 12 - 12:11 )
عزيزتي د. سعاد خيري
مع احترامي الشديد لكل مشاعر ألألم والحزن بفقدان شريك حياتك وورفيقك, الا انني لا يملكني الا ان ان اعبر عن استغرابي الشديد لما تقوليه بصدد احضار رجال الدين لقراءة القرآن. ولا ادري هل كان ذلك من ضمن وصية الفقيد, ام اجتهادا شخصيا من قبلك او ألأخرين. الا يشكل هذا الفعل ازدواجية صارخة لمن يدعي الماركسية واهانة, وان كانت غير مقصودة, لذكرى وافكار واعمال قرينك الراحل؟
مع تحياتي


4 - alfateha
samer najy ( 2012 / 4 / 13 - 10:28 )
ela rahmat allah
and l am not with nommer 1 her

اخر الافلام

.. خبراء عسكريون أميركيون: ضغوط واشنطن ضد هجوم إسرائيلي واسع بر


.. غزة رمز العزة.. وقفات ليلية تضامنا مع غزة في فاس بالمغرب




.. مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة مدنية شمال غرب مدينة رفح جنوب ق


.. مدير مكتب الجزيرة في فلسطين يرصد تطورات المعارك في قطاع غزة




.. بايدن يصف ترمب بـ -الخاسر-