الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أيّها الحارق غرقا ..

أم الزين بنشيخة المسكيني

2012 / 4 / 13
كتابات ساخرة


أيّها الحارق غرقا ..
تعطّلوا عن العمل و عن الحياة ..تهمّشوا عقدا من الزمن ..جاعوا طويلا و لم يعد بوسعهم أن يصبروا ..ثاروا و ماتوا ..تجاهلتهم الحكومات و الرئاسات ..تجاهلت موتهم و تجاهلت حبّهم للحياة ..يومئذ ذهلت أرواحهم عن أوطانهم ..تنكّر لهم الوطن فتنكّروا لأنفسهم ..قرّروا الرحيل خلسة و على عجل ..رحلوا حرقا عبر البحر و غرقا نحو روما ..لا الأعماق أرهبتهم و لا قوانين الدول ..ففي أعماقهم جروحا عميقة لا يقدر على احتضانها أيّ وطن ..
ثلاث مائة ممّ طفوا على سطح الزمن ..أرواح تاهت عن أجسامها ..و أجسام ملّت الاقامة في جوعها و يُتمها ..أدركوا بعد زمن طويل من العطالة أنّ حياتهم و موتهم تساوي تحديدا حرق حدود الوطن و التحرر غرقا من حماقة هذي الدول ..لا فرق حينها لدى الحارقين بين عهد بائد و عهد لاحق ..فكلاهما رسب في انصافهم من البؤس و التهميش ..رحلوا و لم يتركوا غير بصماتهم بين أيادي أهلهم ..لا شيء تبقى غير دموع الأمّ ..من يمسح هذي الدموع ؟ من يعطيها اجابة عن حالة ابنها الحارق ..هل هو في عداد المفقودين أم في عداد الأحياء أم في عداد الموتى ..الأمّ أضناها السؤال فحملته في جرحها و جاءت الى الحكومة تحضن صورة ولدها ..وجاءت كاميرات الوطن و جلس حكّام الزمن على الأريكة يبتسمون ..بماذا سيجيبون هذي الدموع ؟ أجهدوا أنفسهم و أكثروا من الدعوات و الكلام المجمّل بالفقه و المثقل بالصلوات و بالديون ..جاءتهم الأومر أن أرسلوا بصماتهم عبر الفضاء في لوح محفوظ ..و بوسع روما أن تحفظ اللوح و بوسعها أن تكلّف البحر بأموات البحر ..و ستحفظ القضية ككلّ قضية ..رسبوا في استرداد حقوق الأحياء من الأحياء ..و فشلوا في جلب الجلاّد الى مكان الجريمة ..فهل سينجحون يا تُرى في انصاف الموتى من الموتى ..و من يقدر على اطفاء حريق اندلع غرقا في أعماق البحر و من أعماق الجرح و الجوع و القهر و الظلم ؟ و ستكتفي الحكومات و الرئاسات و الديمقراطية المقوّاة بالحنظل الكاذب ، بأسئلة حمقاء الى هؤلاء الحارقين : أيّها الحارق غرقا لماذا رحلت قبل الانتخابات و بعد العدالة الانتقالية ؟ أيّها المحروق بحرا لماذا لم تقنع بقدرك بطّالا و جوعانا ..كذا قدّر الله لك و لا مردّ لحكم الله ؟ أيّها الحارق و المحروق لماذا اخترت بطون القروش على الوطن المثقل بالجراح القديمة ؟ أسئلة حمقاء لا أحد من الحارقين سيقرئها و لا أحد من الغارقين سيجيب عنها ..سيبصق عليها البحر ..و ستبددها الأمواج سخرية من حمق البشر ...أيّها الحارق غرقا ..ضاق بك الوطن فتراك اخترت الموت في البحر على الموت في سراديب المدن ..يا لعُري الوطن ..يا لخزي الزمن ..ما بلاد تضيق في وجه الزهور ..احترقوا بلهيب ثورتهم ..تُرى هل أصابهم الندم ؟ رحلوا و لم يتركوا أيّ أثر ..حتّى جثامينهم بخلوا بها عن قبور البشر ؟ لا هم من الشهداء و لا هم من الموتى العاديين و لا هم بالمجرمين في حقّ الوطن ..كيف ستصنّفونهم ..و في أيّة خانة ستضعون الحارقين غرقا بعيدا عن الربيع العربي ..أم تُراه صار خريفا كئيبا في لون الفتاوى و الأصنام الجديدة و في لون الوثن ؟ ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا