الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما تصبح الحمائية شعارا انتخابيا..!

فهمي الكتوت

2012 / 4 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


لم يخطر ببال احد ان رئيس دولة من اعرق الدول الراسمالية يتصدر برنامجه الانتخابي" الحمائية التجارية " لو جاء هذا الطرح ببرنامج مرشح لرئاسة دولة نامية لاتهم بالانتماء الى " العصر الخشبي" . مع انهيار التجربة السوفييتية مارست ابواق الاعلام الممولة من الليبرالية الجديدة حملة ارهاب فكري ضد الرأي الآخر، فكريا وسياسيا واقتصاديا، ومورست اشكال الاغراءات والضغوط السياسية والاقتصادية كافة لاخضاع اقتصادات البلدان النامية لصالح الاحتكارات الراسمالية المتعددة الجنسيات، وقد نجحت بفرض هيمنتها الكاملة على اقتصادت عشرات الدول النامية، واخضاعها الى تبعية الاحتكارات.
الرئيس الفرنسي ساركوزي يركز في حملته الانتخابية على الجانب الاقتصادي للفوز بفترة رئاسية ثانية، حتى وان كان على حساب مبادىء الليبرالية الجديدة، الذي يعتبر الاكثر انحيازا لها في فرنسا، ويعلن عن رغبته بالخروج من منطقة الشنغن الأوروبية إذا لم يقم الاتحاد الأوروبي بزيادة الحمائية التجارية... معلنا إنه جاد للدفع نحو زيادة الحمائية التجارية في أوروبا وزيادة السيطرة على الحدود.
من المعروف ان الحرية المطلقة لحركة رأس المال وازالة الحواجز الجمركية لتسهيل انسياب السلع والمنتجات الراسمالية، وتحرير الاقتصاد، والاسعار والتجارة الداخلية والخارجية، من اهم مبادىء العولمة الرأسمالية، وبناء منظومة متكاملة من التشريعات التي تضمن سيطرة الاحتكارات الراسمالية على السوق، من خلال منظمة التجارة العالمية. فقد استخدمت السبل كافة لادخال الدول النامية بنفق مظلم، لدرجة اعتبرت عضوية المنظمة شهادة ولاء لمبادىء النظام الراسمالي الحر. مع ذلك ساركوزي يفاجىء الراي العام بالانقلاب على هذه المبادىء. هل تآكلت ادوات النظام الراسمالي ودفعت بأحد رموزه باستبدالها بأدوات النظام الاشتراكي، للخروج من الازمة الاقتصادية التي تمر بها فرنسا..؟ ام للخروج من الازمة السياسية وضمان البقاء في قصر الاليزيه لدورة جديدة، وايهام الشعب الفرنسي بالاقلاع عن نهج اثبت فشله.. ؟
لم يكن ساركوزي اول من طرح افكارا غريبة على بعض مفاهيم الليبرالية الجديدة، فقد اقدمت اميركا في نهاية عصر دبليو بوش، "عصر اليمين المحافظ" وواصل النهج ذاته باراك اوباما بعد فوزه بالرئاسة الامريكية، بالاستعانة بالعديد من المفاهيم والمبادىء والوسائل غير الراسمالية لحماية النظام الاقتصادي من الانهيار، بوضع القيود والضوابط للراسمال المالي، واعطاء دور اكبر للدولة في الاقتصاد، اضافة الى بعض الممارسات الحمائية.
ما هي دوافع غلاة اليمين في النظام الراسمالي، وما هي اسباب التغييرات الدراماتيكية بالسياسات الاقتصادية، سواء بالدفاع عن الحمائية التجارية اوعن دور الدولة بالاقتصاد، اعتقد ان الفشل الذريع الذي لحق بالنهج الليبرالي على المستويين، الاول سقوط قانون الاحتكارات الراسمالي الاستعماري، بتقسيم العالم الى قسمين: منتجين للسلع والخيرات المادية والمعدات، ومستهلكين ومصدرين للخامات والمواد الاولية، اي اقتصادات منتجة، واقتصادات ريعية. وقد جاء سقوط القانون الاستعماري، بعد النجاح الباهر الذي حققته بعض الدول النامية باختراق حاجز الدول المتقدمة، وبناء اقتصادات عملاقة احتلت مكانة متقدمة عالميا، وقيامها بتشكيل تكتل اقتصادي عالمي عرف باسم " بريكس " من الصين والبرازيل وروسيا والهند وجنوب افريقيا، ويشكل اقتصادها حوالي 22% من الناتج المحلي الاجمالي، و43% من عدد سكان العالم، ويعمل التكتل على انشاء بنك دولي مرادف للبنك الدولي. كما تصدت عشرات الدول في اميركا اللاتينية لنهج الليبرالية الجديدة، ونجحت بايصال قيادات شعبية تبنت سياسات اقتصادية تنموية، للدولة دور ملموس فيه، عرفت بسياسات السوق الاجتماعي، وهي المواءمة بين تحقيق تنمية اقتصادية شاملة، وتحقيق العدالة الاجتماعية. اما السبب الثاني فهو الازمة المالية والاقتصادية التي تعيشها هذه المجموعة منذ عام 2008 والتي اكتشفت ان الاهداف التي عملت على ترسيخها من خلال العولمة الرأسمالية، اصبحت تشكل عائقا امام نمو اقتصاداتها، من خلال القدرة التنافسية العالية التي تتمتع بها اقتصادات البلدان الصاعدة.
لقد نجحت الاحتكارات الراسمالية بالاستيلاء على مؤسسات معظم البلدان النامية على خلفية اخراج الدولة من النشاط الاقتصادي، وحرمان الصناعات الوطنية من الحماية والدعم، وتعريضها للافلاس، بوحي من الفلسفة الليبرالية التي فرضها المحافظون الجدد خلال العقدين الاخيرين، على البلدان النامية بعد اغراقها بالمديونية واخضاعها للابتزاز السياسي والاقتصادي، وبالتواطؤ مع الانظمة الديكتاتورية الحاكمة، ووكلاء الشركات الاجنبية " الكمبرادور" لتسويق منتجات الاحتكارات الراسمالية، مقابل افقار ملايين البشر. وبغض النظر عن الادوات التي تستخدمها الاحتكارات الراسمالية، الانفتاح الاقتصادي ام الحمائية التجارية، تَدَخّل الدولة ام عدم التَدَخّل، المهم تمركز الثروة بايدي حفنة من الاغنياء، على حساب توسيع قاعدة الفقر والبطالة، وتزايد اجراءات التقشف على الكادحين، وحرمان الدولة من اقامة تنمية اقتصادية متوازنة، وابقاء البلدان النامية تعاني من تشوهات هيكلية في اقتصاداتها . لقد حان الوقت لتشكيل حلف عالمي من الدول النامية، ضد تسديد الديون او شطب نصفها على الاقل كونها ضحية السياسات الاقتصادية التي اوصلت البلدان النامية الى القاع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا.. مظاهرة في ذكرى النكبة الفلسطينية تندد بالحرب الإسرائ


.. مسيرة تجوب شوارع العاصمة البريطانية لندن تطالب بوقف بيع الأس




.. تشييع جثمان مقاوم فلسطيني قتل في غارة إسرائيلية على مخيم جني


.. بثلاث رصاصات.. أخ يقتل شقيقته في جريمة بشعة تهز #العراق #سوش




.. الجيش الإسرائيلي: دخول أول شحنة مساعدات إنسانية عبر الرصيف ا