الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفضائيات العربية - من مشهدية النقل الى أزمة العقل

طلال سيف
كاتب و روائي. عضو اتحاد كتاب مصر.

(Talal Seif)

2012 / 4 / 15
الصحافة والاعلام


الفضائيات العربية
من مشهدية النقل الى أزمة العقل
تظل فكرة استدعاء الماضي للتذكر والحنين ، أو للبرهنة والمقارنة بين ماض وحاضر، بمثابة عائق يضع الفكرة فى وعاء التذكير لا التفكير ، فالأولى تثبيت للحالة ، والثانية انطلاق الى النهضة ، ومن زاوية ضيقة جدا " cup" اذا ما نظرنا الى المشهد الفضائي العربي ، وليس المشروع الاعلامي العربي ، لكونه لم يبدأ بعد سنرصد التخبط على المستويين " الفضائي الديني والعلماني التحرري " لكون الأول ، يعتمد فكرة استدعاء الموروث ، من باب " وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين " وليس من باب " لعلهم يتفكرون " والفارق ما بين الذكرى والفكرة جوهري فى البناء والتنمية ، كجزء من النهضة الشاملة ، ونميل هنا الى رأي الأستاذ حسن حنفي ، فى كون الاستدعاء لمجرد التذكر معوق للعملية النهضوية ، على عكس الاستدعاء للتفكير والانطلاق ، وان كان هذا المشهد البائس هو المسيطر على القنوات المسماه بالدينية ، فإننا لا نخرج من هذا الرصد تلك القنوات التي أعلنت عن انتمائها للتيار العلماني ، والتي تبنت فكرة حرق المراحل ، والانطلاق من اللحظي كمنهج للنهضة المفترضة ، فقد سقطت دون قصد ، على افتراض حسن نوايا ملاك تلك القنوات ، فى عشوائية وفوضوية الخرائط البرامجية الغير ممنهجة ، والتى لم تعتمد المنهج العلمي فى عملية الاعداد للخريطة البرامجية والبرامج المقدمة ، وانجرفت رغما عنها نحو معطيات السوق فى تقديم برامج التشوه الفكري ، المسماة ب " التوك شو " ولكي نقدم رصدا علميا للمشهد الاعلامي العربي سنضطر للولوج الى تفاصيل ربما لا يعرفها ولا يهتم بها الا المتخصصين فى مجال الاعداد البرامجي ، هذا اذا ما افترضنا فنية وموهبة كل العاملين فى مجال الاعداد . ومنها حصرا ، ما نسميه نحن " ورقة الدراسة المبدئية " والتى تشتمل على عدة عناصر :
أولا : اسم البرنامج ...
وهو اسم مقترح يتناسب توافقيا ، أو من باب المفارقة مع طبيعة البرنامج ، ولادارة المحطة الحق فى تعديل الاسم تبعا لظروف سوق الاعلام .
ثانيا : الفكرة ....
ويستعرض فيها المعد الفكرة أو الأفكار الرئيسية التي سيتناولها البرنامج على مدار عرض الخريطة البرامجية ويشرح فيها باستفاضة ، فكرته الرئيسة والأفكار الفرعية وكيفية التناول ورؤيتة لخروجها فى قالب مصور ، أو أن يقدم الفكرة مختصرة ويرفق معها سيناريو تجريبي " سكريبت "
ثالثا : الجمهور المستهدف ...
ويعمل المعد على تحديد فئة الجمهور المعني بالتلقي ، كأن يكون الشباب . النساء. العمال. الأطفال .... أو غير ذلك من فئات الجماهير المستهدفة
رابعا : الهدف ...
تعد هذه النقطة أهم وأخطر النقاط فى عالم الاعداد البرامجي ، وهى لا تخص المعد المحترف وحده ، بل تخص المتلقي فى المقام الأول ، فعليها يحدد المتلقي قبول المنتج البرامجي " السلعة " أو رفضه ، كما يمكن للمشاهد العادي عدم السؤال أو الاهتمام بما سبق من عناصر فى ورقة الدراسة المبدئية والتركيز الكلي على تلك النقطة ، ليتسائل : ما الهدف وما الربحية العقلية أو الوجدانية التى أراد البرنامج تقديمها؟
نتوقف هنا لأهمية تلك النقطة ، ولن نكمل الاستفاضة فى تلك الورقة التى تستكمل بمدة العرض وأفضل توقيت للعرض ، ونلقي بأنفسنا كقراء وراصدين فى بحر الفضائيات العربية وبموضوعية تخلو من العاطفة تجاه تيار بعينه ، فالراصد للقنوات المسماه بالدينية ، يرى أن حوالي 95% من برامج تلك القنوات " لقاءات مباشرة " وهى نوعية برامجية تعتمد على وجود ضيف خبير ، يقدم رسالته للجمهور بشكل مباشر من خلال الصوت الواحد ، ثم نجحت تلك القنوات بعد حيز من الخبرة ، فى تجاوز مدة العشرة دقائق المقررة فى علم النفس كحد أقصى لبرنامج اللقاء المباشر ، وأنتجت تلك البرامج لمدة ساعة أو ساعتين كاملتين ، بكسر حيز الملل من خلال المداخلات الهاتفية والرسائل النصية على الشبكة العنكبوتية لكن السؤال المهم اذا ما نظرنا نظرة شمولية على برامج تلك القنوات التى قدمت للمتلقي العربي " حديث القردة الزانية . الجهاد والعودة بالنساء والسبايا والعبيد والمال . تحريم الطبخ بجوز الطيب . تغسيل الميت . التحريض على الرموز الوطنية . الدعاء للقيادات المستغلة . الاستهزاء بثقافات وحضارات الأخر .... وللموضوعية أيضا ، قدمت تلك القنوات سيرا للأنبياء والصالحين ، كفتح مكه ، وعدل عمر والرؤية والتخاطب عن بعد ... وما الى ذلك من رسائل بائسة على مستوى الفكرة والعرض ، أو على مستوى الهدف فى الرسالة النبيلة كسير الأنبياء والصالحين . فما الهدف اذا من تقديم حلقة عن قردة زنت وقام القرود برجمها ، وقد اختلف العلماء حول رجم الغير مكلف ، وقالوا أن القردة وعشيرتها كانت من الجن ؟ بالطبع لم يدرك مقدموا ومعدوا تلك الرسائل أن التلقي سيكون على ثلاثة مستويات ، الأول يشمل التلقي الوجداني من متلق سلبي ، يعتمد الرسالة كمسلمة وفرضية ، نتيجة الثقة فى المحطة أو المقدم ، لكن المجمل النهائي من الرسالة " الهدف " الترويج لأفكار لا تمت للتفكر الذي أمرنا به الله فى القرآن الكريم ومنافيا للأحاديث النبوية فى اعمال العقل للنهوض بالمجتمع الاسلامي ، وذلك اذا ما افترضنا أيضا صحة تلك الوقائع التى لم ولن تفيد المتلقي فى شيئ ، سوى تحري الخيال ومصمصة الشفاة للتدليل على عبقرية هذا الدين ، ثم يأتي المستوى الثاني للمتلقى العقلاني ، الذي يرفض استقبال تلك الرسائل ، كفرضيات لا تمت الى العقل بشيئ ، ويحدث الخلاف بين المهوسين دينيا والعقلانيين فى تلقى الرسائل الدينية ، وتبدأ المعطيات الساذجة فى التداول للبرهنة على قيمة التلقي النقلي بعيدا عن اعمال العقل ، كعدد ركعات صلاة العصر واختلافها عن المغرب مثلا ، وما الى ذلك من مسلمات لا تحتاج دليل عند العقلانيين أو الوجدانيين ، لتكون المحصلة النهائية لمثل هذه البرامج ، تثبيت حالة الجهل والتخلف والخنوع التى أصابت المشاهد العربي ، وتكون ثمرة البرنامج الدينى ، صراعات أيديولوجية ، لاتمت للنهضة بصلة ، أما المستوى الثالث من التلقي ، وهو تلقى الآخر الغير مسلم لتلك الرسائل ، التى تجعل من الدين سخرية أو التى تحول من بدأ فى التحول للاسلام تفكيرا الى الكفر الأبدي . ولم تخل الرسائل الهادفة والمحترمة فى تلك القنوات من هذا الكسل العقلي ، فعند تقديم حلقات عن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم أو واقعة رؤية عمر بن الخطاب لجيش سارية ، لا يتم التناول من خلال المتن ، بل يتم على هامش الهامش ، من ذكر الواقعة ، دون اللجوء الى التفكير فيها واعتمادها كنقطة تقدم ، كأن نناقش أهمية وضع قوانين صارمة للحد من الرشوة تأسيا بسيرة النبي الأكرم، أو كيفية اختراع أجهزة تنصت اقتداء بواقعة عمر .
إن هذا النتاج البرامجي الذي خلط بين الرسالة والمرسل . المعد والمقدم ، وضعنا فى أزمة اعتماد مشهدية النقل فى ظل أزمة العقل العربي ، المستسهل لعملية التلقي ، ناهيك عن عدم الخبرة فى خلق فجوات داخل النص البرامجي ، لاحترام عقلية المتلقي واعتباره جزأ أصيلا فى البرنامج . أما عن تلك القنوات التى أعلنت نفسها قنوات تحررية ، فلم تختلف كثيرا عن القنوات المسماه بالدينية ، فيما قدمته من برامج خاليه تماما من الهدف ، اللهم الربحية والبحث عن الشهرة ، وتمرير رؤى مؤدلجة لصالح ملاك قنوات الاتصال ، فأنتجت كارثة " التوك شو " تلك البرامج التى اعتمدت الصدام بين وجهتي نظر ، دون تقديم رؤى موضوعية خادمة للمتلقي فانتهجت طرح التصادم والتشكيك ، فكان النتاج متلق مشوه عقليا . حائر بين المصداقية والكذب ، وربما نشفق على المتلقى العربي ، نظرا لانعدام النقد الموازي والمواكب لهذا الزخم الفضائي ، فكانت المحصلة النهائية لما تقدمه الفضائيات العربية باستثناء بعض البرامج الواعية ، محصلة بائسة ، تجعلنا نصرخ بعنف " الفضائيات العربية . مشهدية للنقل ، لا إعمال للعقل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سرايا القدس: خضنا اشتباكات ضارية مع جنود الاحتلال في محور ال


.. تحليل اللواء الدويري على استخدام القسام عبوة رعدية في المعار




.. تطورات ميدانية.. اشتباكات بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحت


.. ماذا سيحدث لك إذا اقتربت من ثقب أسود؟




.. مشاهد تظهر فرار سيدات وأطفال ومرضى من مركز للإيواء في مخيم ج