الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجرس

صالح جبار محمد

2012 / 4 / 16
الادب والفن


الجرس

توالت السنوات بلا عدد احسبه .. لكني ما زلت احمل أملا كبيرا في النفاذ نحو الحياة الدافقة
تطلعت طويلا في المرأة , لمحت الشيب المترعرع في ثنايا لحيتي وراسي ... لأبدو مثل رخامة بيضاء ...
فجأة انتابني الضجر مضيت نحو السرير المزوي في الركن البعيد .. تمددت فقراتي المتعبة على الفراش , لم اشعر بالطمأنينة رحت اسمع صدى نبضات قلبي المتناسلة مع الخواطر المثالة , في أتون الأيام المستمرة بفوران لايتوقف ...ترقب لعل الفرج آت , تناغمت ذكرياتي , مع عبق الود , حين يحوي الأجساد المنهكة , نبحث باستمرار , عن رزق كفيف , يملء قربة المعدة ويثوي عند قرصات الجوع , لكنها تبقى مشرئبة , نحو الحنين المتجذر في النفوس الطيبة ...
تمنيت الليلة , تأتيني زوارق الغياب , وندهن الجدار نذرا بحناء الوداعة ... لعل من رحلوا , يتنفسوا الدرب , وتدلهم حيطان العبث على تواريخ منسية لذاكرة ينهشها الخرف .
يتواءم الليل مع نبضاته المتدافعة , نحو الشيخوخة , ثمة أمل يطوي الفزع الملتاث , يمضي نحو تخوم تتداعى عندها وصمة الهذيان ..
شراع يطوي المسافات , برفيف أدرك معه .. عدة عملي تحمل عني آهة , تند في حرقة زفير اعتراضاتي المستمرة ..
سرت نحو باب المنزل الموصد باستمرار .. للتأكد بأن جميع إفراد أسرتي لم يغادروا الدار فقد كنت أخشى عليهم , من هول الانفجارات المتلاحقة بتواصل مفزع ..ربما لايترك لديهم فرصة للنجاة , فنحن نعيش حياة من نوع أخر ...
عدت ثانية , حيث رائحة القهوة والشاي المعطر .. لطالما كنت اسمع كلمات الثناء والمديح على الشاي الذي اصنعه , استلم الإكراميات الصغيرة , لأجل ذلك , فأقوم بإخفائها في جيب سري لسروالي الأسود ... لأني أعي أن زوجتي ستبحث في ملابسي, لتأخذ ما ادخرته .. وهي تصرخ :
( لم يعد الراتب يكفي .. لأن الدروس الخصوصية وأسعار الوقود .. تمتص المعاش)
انتبهت للجرس المثبت على الجدار الأصم إمامي يرن ... نهضت بلا اكتراث , تحركت مفاصلي , شعرت بها تتحرك وحدها في الفضاء بدون نقطة ارتكاز ... والبلاطات تتمطى مثل بالونه منفوخة .. حاولت مد يدي نحو الباب المتراخي بإهمال واصل إلى الرتاج الذي يحمل بصمات الهدوء ... دفعته , لم يصر منذ أن دهنته في الشتاء الماضي ,خفت صوته .. لكني أحس بصريره يصدر من مفاصلي الموجوعة ..
تذكرت لقد شاهدت البارحة , في الباب الشرقي , عند باعة الأرصفة , أنبوبة دهان للمفاصل والأعصاب .. أتذكرها جيدا لصقت عليها صورة إنسان بلا جلد .. خلته يشبهني , ما جعلني أتمتم داخلي : آه يا أخي ..
أمور العمل لم تعد كما كانت في السابق , شحت الإكراميات , و البعض يعاملني بخشونة ما جعلني امتعض من أساليب المحيطين بي .. كنت اخفي اضطرابي وراء منظر وقور بسحنتي الداكنة ..
نهرني صاحب العمل بشدة , تمنيت لو أنفذ بجلدي المسلوخ من الزاوية إلى غير رجعة , لااستطيع فعل ذلك, وخلفي( كوم لحم ...) كما تردد زوجتي دائما
في الخارج صوت الرصاص يسمع بوضوح , تطلعت من النافذة , الناس يهربون بفزع موجع , جثة ملقاة على الجانب الأخر من الشارع .. شعرت بالخوف , أحسست بقرب نهايتي ...
مرة أخرى رن الجرس ... لم اعره اهتمامي , فكرت بمصيري و عائلتي , خالجني هاجس بطعم الغرابة , هل استطيع الوصول إلى شارع ( أبو نواس ) لأحتمي بمقر الأمم المتحدة !!
لابد من وسيلة لذلك .. هبطت من البناية الجاثمة وسط الهلع ودوي الانفجارات اقتربت من الباب الرئيسي .. الشارع مقفرا , الأ من بقايا صحف وأوراق متطايرة ... أشلاء ممزقة .. بلا ملامح محددة .. هالني المنظر , فكرت طويلا قبل الخروج نحو المجهول
حاولت أيقاد قنديلا في تجاويف ذاكرتي وأتساءل:
لابد من قانون يوقف النزيف المجنون .. يعطيني وإفراد أسرتي الحماية من الطوفان المتشظي في الإرجاء بلا رادع ...
تركت الجرس يرن مضيت وسط الأهوال , اسحق الزجاج المتكسر على امتداد الطريق , أقاوم رغبة عنيفة بالبكاء من المنظر البائس
ازت بالقرب من راسي رصاصة , سمعت احدهم يصرخ بي , كان مختبئا خلف برميل القمامة ... بعدها اهتز المكان بدويا مخيفا
استلقيت على ظهري المحدودب الشقوق تخترق جلدي الممزق ... لم اشعر بألم مفاصلي بحثت بأصابع مرتجفة , عن مساماتي التي أودعتها تحت الملابس , لم اعثر عليها , ارتدت يدي , تحمل سائلا لزجا , بلون الدم ..
حل الظلام في عيني , سكن النبض في جسدي , سمعت أصوات أبواق متلاحقة ..
شعرت كأني أطير بخفة عجيبة ... تسألت : هل أحلم
حاولت فتح أحداقي .. لمحت نورا يأتيني من فوق جسدي المسجى , يلسع عيوني أعدت اغماظها ... سمعت صوت باب يفتح , وهمهمات لم افهمها ... عاودت بعناد , فتح أجفاني المغلقة , شاهدت من وراء ضباب عيوني أناس يحملوني بتؤدة لمحت خلفهم سيارة إسعاف... تساءلت مع نفسي : هل الجرس ما زال يرن .. ؟
دسست يدي في الجيب السري لبنطالي الأسود .. أتحسس نقودي ثم هدأت ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا