الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدين والثورة والواقع

جورج حزبون

2012 / 4 / 18
مواضيع وابحاث سياسية



الدين عقيدة ، ولا أكراه فيه ، وترك للإنسان مساحة من الحرية ليحاسب على عمله فيما بعد ، فطالما هناك حساب عسير ، فلماذا يتنطع البعض لمعاقبة الناس إن هم لم يتفقوا على تصور للحياة الدنيا ، فان كانت السماء كررت مبعوثيها واختلفت رؤى بعضهم البعض ، فما مسؤولية الناس هنا ، وما هي صلاحية من ينصب نفسه مفسراً أو وصياً عن السماء ليضع رأيه ويحاسب البشر عليه ، وبالتالي كيف يمكن إن تتكون أحزاب وتنظيمات لتفرض على البشر تصورها ولتحكم في النهاية باسم السماء .
ان مسيرة البشرية الطويلة ، والانجازات المتراكمة في العلم والاجتماع ، خلقت حالة حضارية إنسانية فوق مستوى الإقليم والقارة ، ولا يجوز ولا يستطيع إي كان ان يعبد البشر إلى مراحل سلفت في التاريخ ، بذرائع ومفاهيم اقرب إلى الشعوذة ، وخاصة حين ينصب نفسه ولياً ، فقط كونه حافظ الاديان او بعضها فأصبح عالما والآخرين جهلة ، تماما كما أورد سيد قطب في كتابه ( معالم على الطريق ) إن هناك فسطاطين دار حرب ودار إسلام ،" وان المسألة في هذا كله إيمان أو كفر أو إسلام أو جاهلية وشرع او هوى" ،ويلاحظ هنا انه فكر متشدد تسلطي ، فقد سبق من الفرق الإسلامية في صدر الإسلام إن قالت المعتزلة / المنزلة بين المنزلتين ) وان الإنسان مسئول عن عمله وإلا لما كان الوعد والوعيد .
لقد مرت على المسيحية تلك المراحل ، فقتلت وعذبت باسم الدين والوصاية على البشر حتى قال انجاز في كتاب ( حرب الفلاحين في ألمانيا ) دار دمشق ، / كانت العقائد الكنسية شعارات سياسية ، وكذلك نصوص الكتاب المقدس لها مقام القانون إمام أية محكمة / وكانت الحركات الإصلاحية محاولات لفك تسلط الكنيسة التي مارست كل أنواع التحكم بالبشر ويكفي الإشارة إلى محكمة جاليليو / لأنه قال بكروية الأرض . ويحاول اليوم أصحاب الإسلام السياسي الوهابي المدعوم نفطياً ، ان يعيقوا حركة الحياة والتاريخ مستخدمين الدين ترغيباً وترهيباً ، واحتواء تحرك الطبقة الوسطى في العالم العربي لإحداث تغير نحو حياة ديمقراطية حرة في التعبير والمأكل والمشرب والملبس ، لم يعد ممكنا إعادة / الجني الى الزجاجة / فقد انطلق رغم الإمكانيات الهائلة الساعية لاحتواء هذه الهبة الشعبية العربية ، ونظرة بسيطة للأمر تبين ان هذه الانطلاقة تهدد مصالح الإقطاع السياسي ، والكمبرادور ، والشركات الفرق قومية ، وتحلق ضرراً بمحاولات الرأسمالية الفكاك من أزمتها المالية التي انفجرت عام 2007، ولا زالت متفاعلة ، وتهدد الوحدة الأوربية ، وتعمق أزمة الولايات المتحدة ، وتحد من قدراتها على التأثير في الفعل السياسي الدولي ، خاصة بعد خروجها من العراق وأزماتها في أفغانستان وباكستان ، يتضح هذا من ردود الفعل إزاء الأزمة السورية .
يعتمد النهج الرأسمالي المعاصر وخاصة منذ سياسية ( ريغان تاتشر ) على اقتصاد السوق ،وسياسية العولمة كذلك ، كون الدول الصناعية الكبرى تستطيع إزاحة البلدان الصاعدة والتابعة من المزاحمة ، فإنها بذلك تبسط سلطانها على الأسواق التي أهمها ، البلدان العربية ، وتعمل في الوقت عينه على وقف تطورها الاقتصادي والاجتماعي وتبقيها أسيرة للنزعات الاستهلاكية ، التي هي وحدها القادرة على توفيرها ، في منطقة زاخرة بالمال النفطي والتزايد السكاني ، ولا يمكن تطويع هذه البلدان إلا عبر استخدام الدين من حيث هو صاحب الأثر الأكبر في وجدان تلك الشعوب الأوسطية عموماً ، مستفيدة من منطق الإسلام السياسي والسلفي المستكين والرافض للتطور والقابل بان يظل سوقاً استهلاكية لا يسهم في الإنتاج الإنساني تحت مقولة دينية مخدرة للعقل / سبحان من سخر هذا لنا / وكان الآخرين مسخرين لخدمة المستكينين وليس سلبهم عقولهم وجهدهم ومستقبلهم وأوطانهم .
لقد أصاب العميد طه حسين إذ يقول : لكي نتقدم كما يتقدمون لا بد ان نفكر كما يفكرون ) ، ولا يعني هذا بالضرورة مواجهة الدين ، بل بالعكس قد يكون التدين حاجة موضوعية في التفكير العلمي والعلمانية ، بقدر ما فيه من تهذيب للنفس حين يتم ابعاد الإرهاب الفكري عنه والتسلط والإملاء ، وهذا هو الزمن الأفضل والأنسب لتتحرك القوى التي أطلقت شرارات الثورة وإرادة التغير ، حتى لا تقف مذهولة إمام إرهاب الإسلام السياسي ، الذي نظر إليها بشكل عدائي ، ثم انطلق لاحتوائها بغض النظر عن درجات ذلك الاحتواء ما بين تونس ومصر وليبيا وما هو جار في سوريا ، فبدل ان تطرح حركة التغير برنامجها السياسي ، طرح الإسلام ذاته اخوانيا وسلفيا ، ومع انفتاح الصورة بعد هذه الفترة من النضال والتفاعل فلم يعد مجدياً التباكي بقدر ما يستحق التفعيل لطرح راي وفكرة ثورية جدية إمام الجماهير ليكون إمامها خيار واضح ، اما القول ان هناك ليبراليين وعلمانيين ، فهو أمر غير ذي معنى ، فان كانت الشعوب متدنية التي تم الحراك بينها ، فليس صعبا على المتاسلمين بتقديم روائهم بسهولة ، ويتضح هذا اكثر في مصر ، وبالعكس فان هناك فوارق وانقسامات بين أصحاب الإسلام المسيس سواء بين الإخوان والسلفيين وغيرهم فرق كثيرة ، ومع ظهور نزعاتهم الذاتية وتضارب مواقفهم ، فان الوقت ألان هو الأنسب للتقدم بفكر وبرنامج واضح مع عدم الرهبة من الدخول في مواجهات أيدلوجية ، خاصة وان كان الجميع اصحاب عقيدة دينية كانت إسلامية او مسيحية شيعية أو سنية ، وهذا أمر ُيفعل التناقض بين تلك التيارات الاسلاموية ويوفر مناخاً أفضل الالتحاق الجماهير بالتغير الثوري ، ويمكن ملاحظة حالة وجدانية تحتاج إلى اهتمام ، مثل ذلك الحنين الذي بدأ لأيام عبد الناصر ،كمؤشرات لنهضة قومية ، وكذلك ولو على النقيض فقد رحبت الجماهير بعمر سليمان ، في إشارة الى الاهتمام بالأمن ووقف الفوضى والانفلات ، فلم يعد مريحا ولا يحمل تغيراً ذلك الخوار الدائر بين التيارات الإسلامية ، ولا تلك الأسماء من المرشحين ، الذين يعلنون العودة إلى الماضي دون أية تصورات لمستقبل انطلقت الجماهير هادرة من اجله ليكون سعيداً ووعداً .
وكما وان استمرار تلك ( الفوضى الخلاقة ) كما إرادتها ( رايس ) بوما ما إثناء ولايتها ، لا تشكل عبئاً سوى على الشعوب العربية وأمنها القومي ، وترهق اقتصادها وتهجر شبابها وتعيق تقدمها ، وهي الهاء تستفيد منه إسرائيل في الأساس ، تبين هذا في الإسراع الاستيطاني ،والتغول على الشعب الفلسطيني وأسراه وقيادته ، وتركهم لمصيرهم ، يواجهون أزمات لا تنتهي من إفقار وحصار واعتقال ومصادرة للوطن فقد كانت الشعوب العربية تعتبر وبحق ان فلسطين هي قضية العرب الأولى ، ومع الثورة وهيمنة السعودية والخليج على القرار العربي تركن فلسطين لمصيرها ، فهم يدركون ان إقامة الدولة الفلسطينية سيكون مقدمة للالتفات نحو الداخل العربي ، وبالضرورة إسقاط هذه الأنظمة البائدة بالتاريخ والحاضرة .
وحيث ان الشعوب العربية تقف اليوم على مفترق طرق ، يتخذ الدين إدارة لفرملة التوجه الثوري للأجيال الواعدة ، وإخضاعها للأمر الواقع والقبول بولي الأمر مهما كان حتى لو ضرب ظهورنا بالسياط ، وهي مرحلة لا يمكن ان تكون ردة في النضال التحرري للشعوب العربية يستخدم الدين وسيلة للقمع بدل ان يكون أداة للثورة ولاهوت تحرري ، وهذا ما جعل القيادة الفلسطينية تتجه نحو الدبلوماسية وليس فقط التفاوض ، فهي تشعر بالخذلان وسبب هذا ارتباط القرار الفلسطيني بالأنظمة العربية ، وليس بالشعوب العربية ، وقد رفعت شعار عدم التدخل بالشؤون الداخلية للدول العربية ، في ذات الوقت الذي كانت تبحث فيه عن هانوي العرب ، فلم تستطع تحقيق أي منها وأصبحت جزء من النظام العربي المأزوم حاليا ، وهو ما يعكس أزمة السلطة معه ، التي تعيش بين حجري الرحى ، فهي ماليا تصل حد الإفلاس وسياسيا تخاطب إسرائيل بالمراسلة ، ؟!والاستيطان جار بقوة ، وحماس سادرة في غيها والمواطن ينتظر كما بقي منذ 48 ، فالأنظمة خذلته والثورة تشظت والإسلام ينشئ إمارته ويتماهى مع الإخوان المصرين لضم الإمارة معهم والباقي ليأخذه الشيطان .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دمار شامل.. سندويشة دجاج سوبريم بطريقة الشيف عمر ????


.. ما أبرز مضامين المقترح الإسرائيلي لوقف إطلاق النار في غزة وك




.. استدار ولم يرد على السؤال.. شاهد رد فعل بايدن عندما سُئل عن


.. اختتام مناورات -الأسد الإفريقي- بالمغرب بمشاركة صواريخ -هيما




.. بايدن: الهدنة في غزة ستمهد لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسر