الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السعادة دلالة الوطن والعيد

محمد الحاج ابراهيم

2005 / 1 / 24
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


بين الغنى والفقر تموج السعادة باحثة عن موطن لها لاتجده إلاّ عند من يملك مقوماتها، وهذا هو المستحيل بعينه في أوساط الفقراء الذين صاروا يمثلون 60% من شعوب العالم الثالث ،وبذلك يفتقر الفقراء للإحساس بوطن يعيشون فيه بالمعاني الروحية والنفسية والسياسية، حيث الفقر يخلق مشاعرالإنفصال عن مسقط الرأس قرية كان أم مدينة أم وطنا ،والسعادة على قطيعة معهم طالما يعيشون الكفاف،وعُرِّف الفقر في الوطن بأنه الغربة.
الأعياد في التاريخ ارتبطت بمناسبات تخلق البهجة والسعادة لكل الناس الذين يجتمعون دون غياب أحد، ليتشاركوا في هذه المناسبات التي تُضفي سعادة على الجميع عندمالم يكن هناك فقراً مدقعا ولاغناً فاحشاً يزرع الألم والحسرة في قلوب وإمكانيات من لايملك تحقيق الحد الأدنى من الابتسامة لأطفاله وعياله في هذه المناسبات ،إذ أن الفروق هي التي تصنع هذه الآلام للبشر.
الأعياد في الأديان كمّلت مسيرة ماقبلها بمساعدة المحرومين وتعويض المقلّ بمساعدة الأغنياء ليسعد الجميع ،إذ قُرنت الأعياد بالأخلاق التي تمّ الحفاظ عليها زمنا طويلا ،وحافظت على ماء الوجه للمحتاج ولم تُبكيه سرّاً لعجزه عن إسعاد من يحمل المسؤولية نحوهم في مثل هذه المناسبات.
الأعياد في زمننا بارعةٌ في خلق الألم والحسرة وفاضحة لماء الوجه، حيث المعاناة الاقتصادية تصنع الخلل الاجتماعي وتفكك العلاقات العائلية وحتى الأسروية لتصنع الكراهية في ربوع من كانوا أحباء في الأزمان الغابرة،فأغنياء اليوم حُمِّلوا على الغنى دون توفر مقومات هذا التحميل، لأن مصدر غناهم كان بطرق غير مشروعة،وهؤلاء هم من ساهم في صناعة الخلل الاجتماعي عبر صفقات مربحة لهم وتعجيزية للفقير الذي بالكاد يؤمّن لقمة العيش بحدودها الدنيا،تلك الشروخ التي حدّدت دوراً اخطبوطياً لهؤلاء بسط أذرعه في كل مكان من حياة الناس ليدخل غرف نومهم الصامتة مؤجِّجاً للمشاعر التي تُزرف الدموع الجامدة في عيون أصحابها البؤساء سرّاً عن أولادهم.
الأعياد في هذا الزمن كافرةٌ لأنها تفضح أستار الحاجة وتفتق الكثير من الجروح النفسية التي يحاول أصحابها لجمها وكبتها وخنقها لوتمكنوا ،لكن العيد القادم من تقليد أضحى عبئاً ثقيلا على المعوزين والمفكّكين بكل المعاني،أصبح يُمثّلُ رمزاً لعذابات المقهورين في هذا العالم بكلِّ تنوعاته الدينية والإجتماعية إذ صار يذكرهم بالضعف، كم من زيارة قمت بها لأوساط المقهورين وكم من مقابلة أجريتها معهم لمعرفة أثر العيد كمناسبة فيهم،لم أجد إلاّ تقاطعا وحيدا بين مختلف البيئات الدينية والاجتماعية يقول:العيد ليس من ثقافتنا إنه لأهله وليس لنا،القلُّ الاقتصادي له منعكسه الاجتماعي والنفسي الذي يفرض علينا أن نُمثِّلَ على أولادنا دوراً ندّعي فيه أننا متحررون من هذه المناسبات كي لانُظهر ضعفاً نخشاه، عندما نعجز عن إعطاء أولادنا مصروف العيد أو شراء حاجاتهم له ،هذا يعني أنّنا لسنا معنيين فيه،وكوننا لانستطيع إعطاء أولاد أخوتنا أو أولاد أقرباءنا مايُعرف بالعيدية فهذا أثّر في زياراتنا لبعضنا البعض وبالتالي تفككت العلاقات إضافة للجهل في التعامل مع مثل هذه المناسبات كعلاج بسيط لها،وبالتالي أصبح العيد مصدر تعب لنا فلاعلاقة لنا به.
من الآثار السلبية للقلّْ الاقتصادي عزوف الناس عن التجمعات في الأفراح كونها ترتب عبئاً ماليا يعجز المقلُّ عن مواجهته ويتهرّب في الأتراح ببعض البيئات لنفس الأسباب وهذا يُحتّم قلّة المشاركة التي تخلخل الخواء بمعنييه النفسي والاجتماعي ويُبقي المجتمع ضعيفا في مواجهة كل التحديات.
قبل عقود كانت الطبقة الوسطى تقوم بدور يحقق توازنا ما على الصعيد الاقتصادي في المجتمع فيقلل من الشروخ التي أصبحت فاضحة بكل معاني الفجور،وبعد غيابها عبرآلية سحقها التي مورست لم يبقى في المجتمع إلاّ طبقتين واحدة ناهبة والأخرى منهوبة ماأدخله في نفق ساهم بدرجة كبيرة في تعزيز حالة الخوف من مستقبل غير مضمون للفقراء حصرا وعلى ذلك فقدت هذه الشريحة سعادتها وبدأت تبحث عنها في مواطن وأعياد أخرى.
الأعياد أصبحت تقليدا بحكم العادة دون تحقيق مقدمات وجودها، فيكون هناك حراكا للحراك غير مبني على أسس تشكل دعامة لعلاقات طبيعية بين أفراد المجتمع ومؤسساته، بل عيد للعيد أي عيد بآلية ميكانيكية وليس عيدٌ لإفراح وإسعاد المعيّدين، وهذا شكّل ثقافة الإدمان على الألم في أوساط الفقراء وحللهم من العادات الاجتماعية الطيبة التي صنعتها الضرورة المنظمة منتجة الأعياد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. معركة ساخنة بين بايدن وترامب؟ | المسائية


.. الإصلاحي بيزشكيان والمحافظ جليلي يتأهلان للدور الثاني من الا




.. ميقاتي: لبنان سيتجاوز هذه المرحلة والتهديدات التي نتعرض لها


.. حماس تدعو الأردن للتحرك من أجل مواجهة مشروع ضمّ الضفة الغربي




.. أبرز التحديات التي تواجه الديمقراطيين في حال أرادوا استبدال