الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في المنظومة الإقتصادية -الريعية- لمغرب الملكية الإجتماعية

فكري الأزراق

2012 / 4 / 18
الادارة و الاقتصاد



عرف المغرب في السنوات الأخيرة مسلسلا من خوصصة القطاعات الحيوية دون ضمان أية حماية للمواطن، وهي الخوصصة التي غلب عليها طابع الزبونية، وبالتالي انخرطت بلادنا بذلك في أبشع نموذج "ريعي" متوحش، حيث استغلال الأرض والإنسان من طرف ثلة من المحظوظين ( الذين يمتلكون أكثر من 90 بالمائة من الخيرات الإقتصادية) بشكل قد يؤدي إلى أزمات سوسيواقتصادية يمكنها بشكل أو بآخر أن تهدد الاستقرار الدولتي. ومن جهة ثانية يُلاحظ ارتفاع المديونية الخارجية للبلاد بشكل يثير العديد من التساؤلات حول قدرتها على تحقيق الموازنة في الأمدين المتوسط والبعيد، في وقت ترتفع فيه نسبة الثروة الخاصة لكبار المسؤولين، وعلى رأسهم الملك محمد السادس الذي وصفه الصحافيان "كاترين غارسييه" و "إيريك لوران" بــ "المفترس"، وكاتبه الخاص "منير الماجيدي" (الذي حقق في 10 سنوات ثلاثة أرباع ما حققه سلفه عبد الفتاح فرج) والعديد من المسؤولين المدنيين والعسكريين –ليس المقام هنا لجردهم- .
كما تسجل الشركات الخاصة والشبه عمومية المملوكة لنافذين في دواليب الدولة، أو المتحكم فيها من طرفهم بالنسبة للقطاع الشبع عمومي، تصاعدا مستقرا نوعا ما في أرباحها رغم تداعيات الأزمة الاقتصادية، مقابل اتساع دائرة الفقر والفقراء، فالغنى الذي يشاهده البعض في تمظهرات الحياة اليومية للمواطن المغربي يخفي وراءه فقرا مدقعا، وهذا ما يبين بشكل لا يترك المجال لأي شك بوجود منظمومة اقتصادية "ريعية"، أي نظام للارتقاء الاجتماعي قائم على البعد الريعي على حساب البعد الانتاجي، وبعد القوة والغلبة على بعد الحق، وبعد الانتفاع على بعد العمل، وبعد الولاء/ الزبونية على بعد الاستحقاق/ الكفاءة / الجدارة، وهذه المفارقة المتشعبة تهمش وتبخس الاستثمار العصامي، وتحبط الطاقات الجديرة وتهمشها، وتنزع من النفوس روح المغالبة اليومية الكفاحية، وترسي محلها ثقافة السهولة ونزعة المجانية ومرض الوصولية والانتهازية، لنغدوا، ليس فقط أمام آليات ووقائع مادية، بل أمام ذهنية متشربة هي في الأصل إعادة إنتاج متجدد لثقافة الفيء أو الغنيمة التي أصبحت كبنيان الفعالية الإقتصادية.
إن الريع قد تحول إلى نموذج للنجاح الاجتماعي، يجني المكاسب السهلة، فغدى الرأسمال المتراكم مكدس باحث عن عوائد ثابتة بعيدا عن هموم الاستثمار ومشاغله، وأحيانا مخاطراته، بينما، وبتواز مع ذلك، ظلت بنية معظم المقاولات شخصية أو عائلية. وإذا كانت قلة من الثروات عصامية و جديرة بالمواطنة فإن أكثرها يتوسع على حساب سرقة المال العام بصورة مباشرة، غشا وتدليسا وتهربا ضريبيا (رغم الإعفاء الضريبي المتوالي) أو بصورة غير مباشرة، والمتجسدة في تحويل الطاقات البشرية المؤهلة والمكونة إلى يد عاملة مجانية في إطار السخرة، وفي تكرار كاريكاتوري لتجنيدها بدعوى التدريب والتخلص منها بعد أشهر لتجنيد فوج جديد، بل لم يتورع الكثير عن تجنيد المتدربين من أجل التشغيل في "الورق" لمراكمة الإمتيازات، خاصة الضريبية.... وغيرها من الممارسات التي تشير إلى انعدام الحس الأدنى للمواطنة وشراكة المصير.
ولم يسلم القطاع العام والشبه العام من هذا الوباء، وما يعاش في أحد قلاعه الأساس كمجموعة "المكتب الشريف للفوسفاط" ووحداته الإنتاجية والخدماتية يقدم أبلغ صورة لما يمكن أن يبلغه هذا النمط من حيث استباق تفويت الخدمات والأعمال لتكوين شركات انتفاع وإنجاز أشغال الصيانة والنقل والتسويق تحت ستار المناولة بالداخل والخارج.
وفي المقابل، يتم التضييق على المقاولات والاستثمارات العصامية والجديرة بالمواطنة عن طريق تثقيل كاهلها بالضرائب، أو خلق مبررات قانونية (وهذا فيه الكثير من القول) لإغلاقها، أو تقديم إغراءات لشرائها، وأحيانا بتفجيرها من الداخل عن طريق تسخير "أبواق" المنظومة الريعية المغربية لتفريق المساهمين ولو من عائلة واحدة في حالة المقاولات ذات البنية العائليةّ، بهدف ترسيخ جذور المنظومة "الريعية" أكثر، وما حدث لشركة "بــيــبــان للحلويات" بالحسيمة على سبيل المثال خير دليل. (سنعود لهذا الموضوع بتفاصيل أكثر لاحقا).
وبالإضافة إلى معضلة "الريع" التي نراها تشكل خطورة أكبر من التهريب والاتجار في الممنوعات على الإقتصاد الوطني، نلاحظ تزايد قوة الرأسمال الخاص في القطاعات الإجتماعية المركزية، سواءا تعلق الأمر بالمدرسة أو الصحة، أو خدمات الماء والكهرباء، انطلاقا من القناعة الإديولوجية الجديدة بالنسبة للدولة (ليس للدولة أي شيء مهم تفعله في هذه القطاعات، ويجب بالتالي أن تتخلى عنها للقطاع الخاص) وكذلك للاعتبار الاقتصادي بكون الدولة لم تعد تتوفر في جميع الحالات على وسائل مواجهة الحاجيات المتنامية لتلك القطاعات، مما يحتم عليها البحث لدى المواطن الذي يسير زبون أداءات مباشرة، مساهما بذلك في استرجاع التحملات التي يتسبب فيها التدخل العمومي في هذه القطاعات الحيوية.
هكذا ستشمل هذه الاعتبارات بسرعة كبيرة تدخلات عمومية كانت تعتبر خدمات أساسية، وبالتالي تشكل جوهر شرعية الدولة، خاصة وأن الدخل الفردي في البلاد ضعيف جدا، واعتبارا لعدم وجود أي طابو في فترة تحديد موارد الدولة ومحاربتها لعجز ميزانيتها، قامت الدولة بمكر، أولا بتقليص مساهمتها في تسيير الخدمات العمومية الأساسية من قبيل : تطهير السائل والصلب، الطرق، توزيع الماء والكهرباء، النقل العمومي...الخ، قبل فتح المجال لخوصصته بمبررات تطرح أكثر من علامة استفهام خاصة في ظل الوضعية السوسيواقتصادية العامة للدولة، المتسمة باستغلال الرأسمال الخاص للأرض والإنسان، الشيء الذي ينتج عنه احتكار 10 بالمائة من السكان لــ 90 بالمائة من الخيرات الإقتصادية وهو ما يعني تعميق الهوة أكثر بين الشرائح الإجتماعية، مما يفقد للبرامج الإجتماعية وعلى رأسها "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية" مصداقيتها.
فقد تم تبرير المقاربة الجديدة للدولة في مجال خوصصة الماء الصالح للشرب بندرة الموارد المائية للبلاد، وهو ما يفرض اعتماد أنماط تسيير جديدة، والتي لا يمكن أن تدرج ضمن النطاق العمومي وغير المبيع، وإنما في دور السوق وبالتالي في الرأسمال الخاص، وهوما يمثل أكثر من مجرد عنوان لتفاقم الوضعية الإجتماعية في المغرب الحديث، إذ يمكن أن يعتبر رمزا في التاريخ الجديد للبلاد الذي يمكن أن نؤرخ له ما بين 10 و 12 سنة، وذلك بالنظر إلى أن خوصصة هذا القطاع تعطي لنعت "الإجتماعي" الملصق بالعهد الجديد و لـــ "الإجتماعية" الملصقة بالملكية المغربية (وهي الصفة التي تمت دسترتها في وثيقة فاتح يوليوز 2011) معنى غير واقعي لأنها تفند من لدن الكل ما يمكن أن يتضمنه السوق من عناصر غير اجتماعية متدخلة في أي مورد حيوي.
هذا، وقد تمت خوصصة العديد من القطاعات الأخرى، الشيء الذي سمح للرأسمال الأجنبي –الفرنسي على وجه التحديد- بوضع يده على قطاعات رئيسية في العديد من مناطق البلاد، وبالتالي التوفر على سلطة سياسية بشكل قد يمس بطريقة أو بأخرى بالسيادة الدولتية فيما يتعلق بإدارة الخدمات العمومية بالنسبة للساكنة.
إن هذه المقاربة الجديدة للدولة التي شكلت خوصصة القطاعات الحيوية عنوانها البارز، وكذا المراهنة على القطاعات الضعيفة القيمة، أو ذات الحساسية المفرطة للتقلبات الدولية من شأنها أن تكرس أكثر البعد البنيوي لهشاشة الإقتصاد الوطني في ظل غياب سياسة اقتصادية قائمة على انبعاث قطاعات مندمجة في روح العصر وتحدياته قائمة على الاستثمار في الإنسان وطاقاته الخلاقة من أجل إقلاع حقيقي للإقتصاد الوطني الذي هو قاطرة التحديث والعصرنة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الخميس 2-5-2024 بالصاغة


.. الرئيس السيسي يوجه تحية لليد المصرية وعمال مصر لجهودهم في تأ




.. كل يوم - - كل يوم - يفتح ملف الدعم أيهما أفضل للمواطن العيني


.. النائب أيمن محسب: الدعم النقدي هو الأفضل للفقير والدولة والط




.. كل يوم -د. أحمد غنيم : الدعم النقدي لن يؤدي لمزيد من التضخم