الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظرات في القصة القصيرة (4)

طالب عباس الظاهر

2012 / 4 / 19
الادب والفن


نظرات في القصة القصيرة
طالب عباس الظاهر

(4)


القصة القصيرة ترتكز على المخيال بالأساس، سواء أكان واقعياً، أم فنطا زيا، أم رمزياً، لكنه ينبغي أن يكون موضوعياً في طرحه، ليكسب المعقولية في التناول، والجدوى في الخوض، ومن ثم المقبولية في التلقي، بالرغم من كون الأمر برمته، لا يخرج عن كونه تمرداً على رتابة سير الحياة، وتحرراً من قسوة قيود الواقع، وانطلاقاً نحو فضاءات الخيال.
بيد انه ينبغي أن يكون تمرد وتحرر وانطلاق واعٍ مؤطر بالموهبة، إزاء أصعب فنون الادب ـ باعتراف الأدباء أنفسهم ـ لأن القصة هي عملية موازنة دقيقة بين التكثيف الرؤيوي في الشعر، وبين انسيابية الطرح في الرواية، فالقصة لا هي في حقيقتها مطولة شعرية، ولا هي مقطع من رواية .. لكنها يجب أن تكون هادئة في سردها، تملك بنية شاملة لجميع عناصرها، عبر انتقاء دقيق .. متناسق، يعمل جاهداً على أن يكمل بعضه البعض الآخر ويسانده، من أجل تصاعدية البناء نحو الخاتمة، غير قابلة للحذف منها، كما لا يمكن الإضافة عليها، ولو لكلمة أو جملة أو سطر فقط.. ناهيك عن إمكانية تسقيط أجزاء منها كما في الكثير من القصص، دون التأثير على بنيتها السردية أو متنها الحكائي.
وقد يصعب ايجازها في تعريف دقيق او حتى حشرها في النظام الحكائي، والتتابع الحدثي، والرصد لانفعالات الشخصية، من دون المس بحقيقة تكوينها الفني وتحجيمه، والأفضل تركها تمثل نفسها، في انطلاقة الفن في نسغها الفني، وعكسها للقيم الجمالية المضمرة في الذات الإنسانية.
ومن دون أدنى شك، وبإيمان راسخ نبوّب لقناعتنا، بعدم جدوى الفرض اياً كان نوعه ودوافعه.. من حيث كونه فرضاً لحواضن مسبقة، لقياس القصة من خلالها أو صنع الأطر ضمن الإنشاءات والرغبات الذاتية، فلن يوصف مثل ذلك التصرف ـ على اي حال ـ سوى بالغفلة والسذاجة، خاصة لما هو خارج عن طبيعتها كفن مستقل، سواء بالعقلنة او الاستعارة الجاهزة لنظريات الغرب لملء الفراغ ، وتوسل تطبيقاتها الحرفية، وإقحامها في قراءاتنا النقدية النادرة، قياساً إلى المنتج القصصي، وإن حقيقة الخلل ليس في النظرية، بقدر كونه يكمن في التطبيق بكونها - أعني تلك النظريات الغربية- قد ولدت بناء على حاجة التأصيل لمفردات واقع غير واقعنا، وضرورة تكيفها مع مناخات غير مناخاتنا؛ أي إنها غريبة عن مولدات قصتنا بصورة عامة، وبعيدة كل البعد عن همومنا الثقافية، ومشاكلنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وفي غيرها من جوانب الحياة الأخرى ومشاكلها، من دون بذل الجهد الكبير من اجل إجراء –على الأقل- بعض التعديلات اللازمة عليها؛ لتتلاءم مع قصتنا .. عبر التعكز على الحقيقة التاريخية القائلة، بنسبتها إليه، أي القصة، ومن ثم انتقالها إلينا، إذ إن الأدب العربي لم يعرف القصة القصيرة كجنس أدبي مستقل، إلا مع بدايات القرن العشرين، على العكس تماماً من فن الشعر.. الضارب بجذوره بعمق واقعنا الثقافي القديم.
بيد ان ذلك لا يبرر الانسياق صوب التقليد الاعمى للمنجز الغربي بهذا الخصوص، وكذلك لا يبيح التمسك المتزمت بالموروث، بالرغم من تمنطق الطرفين بسلاح النقد، وتحصنهما بدرع التأدب، للرجم بحماسة المنفتحين أو بحسرة المتباكين على ماضي الأدب العربي، وإذا سلمنا بوجوب استجابتها وتأثرها بمثل تلك الأطروحات الخارجية، بشكل مباشر أو غير مباشر، من خلال إقحام نفسها بالقليل الذي تدركه، والكثير الذي تجهله؛ فذاك دليل كاف على عدم نضجها، وتأخر إمكانية امتلاكها لشخصيتها الأدبية المستقلة، ويؤشر بذات الوقت لبداية خروج عن حظيرة الفن الجميل، والانضواء تحت يافطة اي مسمى آخر، إلا القصة.. بأصالتها المطلوبة، ومن ثم تحويلها الى هجين ادبي ـ كما في كثير من النماذج مما تطرحه الساحة الثقافية الآنـ يستعير من القصة الإسم فقط، لكنه بالحقيقة يضيع في فراغات التنطع والوهم والخزعبلات...!
فالقصة تؤشر رحلة بحث كاتبها في الحياة والإنسان والوجود، وتحاول أن ترسم مكابداته الروحية، وفق لحظة ابداعية محددة إلى بعدٍ تكويني جديد، يتسامى عما هو آني مقيد، لما هو تجاوزي مفتوح على آفاق الكون الآخر .. المجهول في داخله وفي دواخلنا، لنتحصن بفهم أفضل لكل ملابسات أحداث هذا الوجود وتناقضاته وتعقيداته.
إذن، لنعظم الابتكار في نفسه، مهما كان ضئيلا، ونحتقر التقليد مهما ساق في تضخمه من الأسماء والمصطلحات الأجنبية الرنانة، التي غدت ـ مع الأسف الشديد ـ عند بعضهم الدليل الوحيد على الجودة .. باحتمالات سعة الاطلاع، ونفخ الآخرين ليهبوه سمنة خادعة، لكنها لا تعدو كونها مرضية، فعمر التقليد لا يولّد إبداعاً، ولكن من المحتمل أن تؤدي بعض هذه الإرهاصات البسيطة إلى الإبداع الحقيقي، رغم تواضع طرحها، وعزوفها عن التدافع مع زمرة المتدافعين، لحجز موقع لأقدامها تحت بؤرة الأضواء.

[email protected]













التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انهيار ريم أحمد بالدموع في عزاء والدتها بحضور عدد من الفنان


.. فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي




.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح


.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص




.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض