الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصير السودانين بعد الانفصال

أحمد سوكارنو عبد الحافظ

2012 / 4 / 19
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


لا شك أن السودانيين كانوا ينظرون إلى استقاء 9 يناير 2011م على أساس أنه حدث تاريخى جلل والذى بموجبه تحدد مصير الجنوب السودانى بالتحول كليا إلى دولة مستقلة ذات سيادة. وهذا بالفعل ما تحقق فى 9 يوليو 2011م حيث وافق 99% من الناخبين على انفصال جنوب السودان. أما مصير منطقة ايبى الغنية بالبترول فقد بقى عالقا حتى إشعار آخر. وتجدر الإشارة أن هذا الاستقاء تحقق حسب اتفاقية نيفاشا التى وقع عليها الطرفان، الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان، فى 9 يناير عام 2005م، وهى الاتفاقية التى أنهت حربا دامت لمدة 21 عاما. والسؤال الذى يدور فى رؤوسنا هو: ما مصير الدولتين السودانيتين: دولة السودان فى الشمال والدولة فى الجنوب.

لعل الدولتين تختلفان من حيث الموارد الطبيعية كالبترول والمعادن. اللافت للنظر أن 85% من البترول السودانى يقع على أراضى الجنوب. لذلك فإن اتفاقية نيفاشا نصت على ضرورة تقسيم عائدات البترول مناصفة بين الحكومة والحركة الشعبية وذلك خلال الست سنوات التالية لتوقيع الاتفاقية. والى جانب البترول فإن الجنوب غنى أيضا بالمصادر المعدنية كالذهب والنحاس والكروم والرخام والجرانيت. ونتيجة لانفصال الجنوب واستقلاله فإن الشمال فقد مليارات الدولارات سنويا مما يمثل خطرا على استقرار البلاد التى قد تتعرض لأزمات اقتصادية عاصفة. لقد حاول الجنوبيون تبديد هذه الهواجس من خلال التصريحات والأحاديث الرسمية، كالحديث الذى أدلى به الزعيم الجنوبى، سلفا كير، فى 9 ديسمبر 2010م حيث أكد أن بترول الجنوب سوف يستمر فى التدفق من الجنوب إلى الشمال سواء لإغراض التكرير أو التصدير غير أن عوامل كثيرة محلية ودولية سوف تدفعه إلى النكوص عن الوعود التى قطعها.

كما إن الدولتين سوف تواجهان مشكلات عديدة تم تأجيلها الى ما بعد الانفصال. فمثلا عدم ترسيم الحدود قد يؤدى إلى اشتعال الصراع الدائم بين المزارعين ورعاة الماشية فى عدة مناطق، منها منطقة ايبى حيث تقع حقول بترول هيجليج خارج حدودها وهذه المنطقة شهدت فى الفترة السابقة توترات عديدة بين المزارعين المنتمين لقبائل الدينكا ورعاة الماشية من قبائل المسيرية التى تهاجر كل عام إلى الجنوب لرعى الماشية. فبينما تعتبر قبيلة الدينكا أن منطقتهم جزء من الجنوب فإن قبيلة المسيرية تعتبر منطقة ايبى جزءا من كوردفان، أى منطقة تابعة لدولة الشمال. وهذه القبيلة ذات الجذور العربية سبق أن هددت باللجوء إلى العنف إذا لم تشارك فى تقرير مصير المنطقة. الجدير بالإشارة بأن الطرفين تبادلا الاتهامات وانخرطا فى مناوشات عديدة، آخرها فى مارس وابريل 2012م حول حقول البترول التى تقع فى الجنوب. لعل الموقف بات خطيرا وقد ينزلق إلى حرب شاملة بين الطرفين إذا لم يتدخل المجتمع الدولى لتهدئة الأجواء.

من الملاحظ أن وسائل الإعلام فى بلادنا التى تلجأ دائما لنظرية المؤامرة تؤكد مرارا وتكرارا أن الأمريكيين لعبوا دورا فى انقسام السودان غير أن الحقائق تشير إلى عكس ذلك حيث إن الأمريكيين لم يكن يرغبون فى انفصال جنوب السودان. والدليل على هذا الطرح يأتينا من وزير النفط السودانى لوال اشويك دبنق (من الجنوبيين) الذى صرح فى لقاء مع جريدة الشرق الأوسط فى 30 أغسطس الماضى أنه عرف خلال زيارته للولايات المتحدة الأمريكية أن الأمريكيين يفضلون سودانا موحدا لأن انفصال الجنوب وتحوله إلى دولة مستقلة سوف يجعل الدولة الجنوبية تواجه مشكلات وأزمات داخلية مما سيؤثر على استقرار ووحدة الدول المجاورة فى منطقة القرن الإفريقى.

لعل معظم الأزمات الداخلية فى دولة السودان الجنوبية ترجع إلى التركيبة السكانية لأهل الجنوب، وهى تركيبة تضم ثلاث مجموعات رئيسية هى النيليون (وأشهر عشائرها الدينكا والنوير) والنيليون الحاميون (ومنها قبائل البارى والمندارى) والمجموعة السودانية (وأشهر قبائلها الزاندى). وهذه التركيبة تنذر بخطر الصراعات القبلية بعد استقلال الجنوب. فالجماعات الإثنية والعشائرية فى الجنوب طالما تقاتلت فى الماضى وتحمل عداءا مستحكما لبعضها البعض. لقد أودت الصراعات الداخلية فى الجنوب خلال السنتين السابقتين بحياة آلاف المواطنين. وحتى قبل إجراء الاستفتاء المصيرى فإن جيش التحرير شهد تمردا فى صفوفه، فبعد انتخابات ابريل 2010م التى أسفرت عن انتخاب سلفا كير رئيسا لحكومة الجنوب فقد أعلنت أكثر من جبهة تمردها وانشقاقها من جيش التحرير. لعل اختفاء الهدف الذى يلتف حوله الجنوبيون وهو استقلال الجنوب سوف يؤدى إلى تفاقم الخلافات والصراعات الداخلية، خاصة إذا فشلت الحكومة الجنوبية فى توفير الخدمات الأساسية وفى وقف انتشار الفساد.

ومن المؤكد أن هذه الأزمات الداخلية لا تشهدها الدولة الجنوبية فحسب بل تعانى منها الدولة الأم فى الشمال. فمن المتوقع أن تؤدى إقامة دولة السودان الجنوبية إلى تشجيع الحركات المسلحة فى بؤر أخرى لمواصلة الكفاح لتحقيق أهداف مماثلة. فالجماعات المسلحة فى دارفور تطالب بدولة مستقلة فى الوسط تتعدى حدودها إقليم دارفور على اعتبار أن حدود دولة السودان الشمالية تبدأ من مناطق الجعليين والرباطات والشايقية وتنتهى عند مناطق قبائل النوبة كالدناقلة والمحس والسكوت والحلفاويين. وهذه الأزمات الداخلية باتت تلعب دورا فى توتر الأجواء بين الدولتين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تهاجم أردوغان.. أنقرة توقف التبادلات التجارية مع تل


.. ما دلالات استمرار فصائل المقاومة باستهداف محور نتساريم في غز




.. مواجهات بين مقاومين وجيش الاحتلال عقب محاصرة قوات إسرائيلية


.. قوات الأمن الأمريكية تمنع تغطية مؤتمر صحفي لطلاب معتصمين ضد




.. شاهد| قوات الاحتلال تستهدف منزلا بصاروخ في قرية دير الغصون ش