الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاسلاميون برجوازية ملتحية

محسين الهواري

2012 / 4 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


الاسلاميون برجوازية ملتحية
يستطيع كل متتبع لمسار الانتفاضات الشعبية التي عرفتها المناطق المغاربية والشرق أوسطية، ودون الحاجة الى نظرات تقويم البصر، ادراك تعطش الجماهير المضطهدة طبقيا الى الانعتاق والتحرر. فعندما احتل العمال والفلاحون والطلبة والمعطلون شوارع سيدي بوزيد وتونس وطرابلس والقاهرة لم تصرخ حناجرهم منادية بسيف معاوية أو بخلافة هارون الرشيد أو بامامة علي، بل صخرت عقولها وقلوبها للمطالبة بالعدالة الاجتماعية وبالقضاء على الاضطهاد الطبقي بأبعاده الاقتصادية والسياسية والاديولوجية.
فالبوعزيزي لم يهدي جسده دفاعا عن مبادئه جراء منعه من اطلاق لحيته، بل لحرمانه من حقه المقدس في الشغل، حيث لم يجد من يقاسمه همومه سوى عربته التي ابت الا أن تكون رفيقته في زمن لا يرحم. لكن ما يثير الدهشة والارتياب هو صعود قردة خاسئين للسلطة، كانوا حتى الأمس يكفرون"المنتحر"، ويدعون زورا وبهتانا معارضتهم "لبلاد النصارى" في صورة كاريكاتورية غاية في الاتقان، ليتحولوا بقدرة قادر الى مخلصي هذة الشعوب وكأنهم المهدي المنتظر الذي طال انتظاره. والكل أعد بمطابخ البيت الأبيض والاليزي كما تعد الأفلام الهوليودية.
سيظن البعض عند قراءته الأولية لعنوان المقال أنني بصدد التهجم على الاسلام، فهو كغيره من الأديان يستحق منا كل الاحترام، لكننا لن نسمح لأنفسنا بالصمت على تحالف تجار الأديان مع أباطرة الحروب ورأس المال. ولسنا بحاجة للرجوع الى تجربة استخدام الامبريالية بسياساتها الاستعمارية لمريديها الاسلاميين الذين حركتهم وتحركهم عن بعد كأسلحة ايديولوجية لمحاربة المد الشيوعي، بل سنكتفي بتحليل بسيط لهذه التحالفات الرجعية بين الامبريالية والتنظيمات الظلامية بهدف تقديم هدايا مسمومة وبرامج مخدرة للشعوب تحت يافطة التحرر. فمتى كانت الامبريالية التي دمرت وقضت على شعوب بأكملها داعمة لحركات التحرر الوطني. وكيف يمكن فهم زواج المتعة بين من كان البارحة ينادي بمحاربة الكفار والنصارى ومن كان يتهم أصحاب اللحي العملاقة بالارهاب والهمجية. وكيف يمكن النظر الى الهجوم على ليبيا وسوريا والسكوت على جرائم البحرين والسعودية واليمن والسعودية وقطر عرابة الامبريالية بالمنطقة.
ان هذه الاحتجاجات العارمة جاءت في ظل افلاس النظام الرأسمالي مما انعكس سلبا على أنظمته التبعية بالمنطقة. فعندما خرجت الشعوب المغاربية منادية باسقاط الأنظمة العميلة، لم تكن تقصد حسني مبارك أو زين العابدين بن علي بل أنظمة سياسية فرخت الجوع والبؤس. لكن الامبريالية استطاعت بالياتها المعروفة توهيم الشعوب بأن تحررها سيأتي من خلال قطع رأس الأفعى لا غير، مستعينة في ذلك بورقة القوى الظلامية التي لا تختلف عن اسيادها الامبرياليين من حيث جوهرها البرجوازي الا بالعباءة. فدولة قطر معتمدة على امكانياتها الطاقية وعلى درعها الاعلامي تحاول قدر المستطاع وبتوجيه صهيوني كبح هذه الانتفاضات الشعبية من خلال دعمها للاسلام السياسي، وبالتالي العزف على الوتر الحساس للشعوب.
لكن هذه اللعبة سرعان ما بدأت تنكشف من خلال التصريحات الصادرة عن الأنبياء الجدد المهادنة للغرب. والكل رأى كيف طرد أمير قطر من موريطانيا بعد أمره للرئيس الموريطاني بدعم الاسلاميين، وكيف يعمل على تسخير اعلامه لتوجيه الرأي العام لدول قدمت التضحيات الجسام، لتجد نفسها في الأخير رهينة استعمار و استبداد جديدين سيعودان بنا لا محالة لأيام محاكم التفتيش.
ان المعانات والتهميش الذي عانت منه شعوبنا لم يكن بوازع أخلاقي أو ديني بل لسيادة نظام سياسي ينبني على علاقات انتاج رأسمالية تتمحور حول استغلال الانسان لأخيه الانسان، ومسخرة لأجهزتها القمعية لوءد أي صوت يصرخ ضدا على العبودية المأجورة. لقد كانت الشعوب تحاكم وتسجن وتنفى وتعدم بقوانين طبقية وضعية و بوسائل عصرية، لتجدنفسها الان تعيش نفس الجوهر الطبقي لكن بقوانين أخرى سماوية تحمي الغني وتعذب الفقير تحت مبرر أن الاله فرق بين عباده في الأرزاق، الا أن هذا القمع الطبقي سيأخذ تحت حكم الظلاميين أبعادا أكثر وحشية من خلال قطع اليد "للسارق" ورجم "الزاني والزانية" على حد تعبيرهم الرجعي، وتطبيق حكم الردة على "الزنادقة المرتدين"، كما سنحيا على ايقاع توطيد ممارسات غارقة في الرجعية كتقوية مفهوم الذعارة الشرعية والمنظمة -مثنى ووثلاث ورباع وما ملكت أيمانكم- الى غيرها من الممارسات والمفاهيم التي حسبناها في عداد الأموات، الا أنها تستعيدالآن عافيتها بغرفة الانعاش.
ان الصراع على الأرض وليس في السماء، فمشكل العامل مع مستغله ، أو بتعبير أدق، فالصراع قائم بين رأس المال والعمل المأجور. صراع بين من يملك وسائل الانتاج ومن يملك قوة العمل لا غير. ان الأزمة التي تعاني منها الجماهير الشعبية مبنية على التناقض ما بين طبيعة الملكية الخاصة و طبيعة العمل الاجتماعية، وليس بسبب ابتعادها عن التدين والأخلاق واتباعها تبرج و"فسوق الغرب الكافر". أتساءل مع هؤلاء الأنبياء الجدد، ألا تعتبر المقاتلات التي دمرت ليبيا كافرة، ألا تعتبر بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
فاذا لم تستوعب الجماهير الشعبية بأن صراعها لا يقف عند الجزء البارز من الجبل الجليدي بل يتعداه الى أجهزته السياسية والاديولوجية. لأن الانتخابات التي تفرز لنا قطعانا من العبيد لتصادق على المخططات الطبقية لأسيادها البرجوازيين ليست شكلا ديمقراطيا، لأن أرقى أشكال الديمقراطيات البرجوازية تعطي الحق للشعب في اختيار مضطهدين ومستغلين جدد كل أربع أو خمس سنوات لا أقل ولا أكثر. فالجماهير الشعبية لا تحتاج الى مفاهيم جوفاء ومجردة بل الى خيراتها المادية.
نقول لهذه البرجوازية الملتحية أن مستقبلها سيؤول الى مزبلة التاريخ، لأن دورها الذي يتناغم مع مصالحها الطبقية لن ينطلي على عقول الجماهير الشعبية، لأن هذه الأخيرة أذكى ممن يهتم بتربية اللحي بدل تغذية العقول. كما نذكرها بأن تحرر الشعوب وانعتاقها يتأتى بواسطة فوهات البنادق وليس من خلال أفواه الخونة والجبناء.
بقلم م الهواري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو يُظهر ما فعلته الشرطة الأمريكية لفض اعتصام مؤيد للفلسط


.. النازحون يعبرون عن آمالهم بنجاح جهود وقف إطلاق النار كي يتسن




.. مسؤول عربي لسكاي نيوز عربية: نتنياهو ولأسبابه السياسية الخاص


.. ما آخر التطورات وتداعيات القصف الإسرائيلي على المنطقة الوسطى




.. ثالث أكبر جالية أجنبية في ألمانيا.. السوريون هم الأسرع في ال