الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غازات الحكومة ..هديّة للشهداء

أم الزين بنشيخة المسكيني

2012 / 4 / 20
كتابات ساخرة


غازات الحكومة ..هديّة للشهداء ..
أم الزين بن شيخة ..
لوحة سريالية لم يحدث لرسّام أن تخيلها ..و ألوان الرمادي بكل لطائفه و أطيافه تتلوى في سماء المدينة ..رقصة للغازات البرازيلية لا تتقنها راقصات البطن الشرقي و لا راقصات الثور الاسباني ..ركح للتمثيل التركي خانق للحريات مسيل لدموع الفتيان و الفتيات..حتّى أشجار الشارع الرئيسي بكت يومها من هجرة العصافير لها ..يوم تذهل المدينة عن أهلها يومها تجد الثورة نفسها وحيدة وجها لوجه أمام قنابل الغازية المسيلة للدموع و للجراح و لأرواح الشهداء ..احتفال وثني مريع و قرابين استقبلت بها الحكومة المؤقتة أرواحا عائدة لتوّها من دماء الثورة..اختنق الجميع على ضفاف الشارع الكبير و سقطت الثورة مغشيا عليها ..لا شيء بقي واقفا ..و لا أحد كان مطمئنّا الى عيد الشهداء ..و انقلب العيد الى حلبة للعدو الريفي ..و ترى الجميع يفرّون بجلودهم و الغازات تلاحقهم من كل صوب و حدب ..و تخال نفسك في حصار غزّة ..و تنسى أنّ ههنا شعب ..بل حشرات مقلقة و ذباب و براغيث مزعجة علينا مطاردتها و خنقها ..و تنسى أنّك جئت هنا لاحياء ذكرى الشهداء ..لا أحد تذكّرهم بما يليق بهم ..لأنّ الجميع كانوا حينئذ مشاريع شهداء ..أو شهداء مع تأجيل التنفيذ ..مع العلم أن لا أحد منهم كان يتمنى نفسه شهيدا ..لأنّ هذه الرتبة صارت محلّ تجاذبات حزبية و محلّ ريبية ميتافيزيقية حتى أفلاطون غير قادر على الحسم في شأنها ..خرجوا و بعضهم يصطحب أبنائه الصغار ..كانوا يخالون أنفسهم أبناء دولة ديمقراطية ..خاب أمل الكبار و ذُعر الصغار و ارتسمت في أذهانهم صورة قبيحة عن المستقبل ..
خرجوا يستعيدون أرواحهم الضائعة في كواليس الأحزاب ..و يبحثون عن حلم جديد ..فاستقبلوهم بالعصيّ و الهراوت و القنابل المسيلة لدموع الشهداء و هادمة اللذات و الثورات ..و حين أمسكت احدى القنابل بيدي و قرأت هويتها و تاريخها أدركت و أنا أتقاسم مع أصدقائي حالة اختناق حكومي ، أنّ مستقبل الأمن بخير مادامت ترسانة القمع جاءت الينا لتوّها وفق مقاييس انسانية و اتفاقيات كونية ..الى حدّ أنّنا صدّرنا الثورة الى الغرب فمنحتنا في مقابل ذلك وسائل قمع مابعد ثورية ديمقراطية لتضمن العدالة الانتقالية ..غازات سماوية لا تصلّي .بل قد تكون كافرة أصلا ، جلبوها خصّيصا من بلاد السافرات و الحداثيات لضمان أمن حقوق الانسان ..لكنّهم خنقوا الانسان و لم يتبقّ غير الحقوق بلا هويّة معلقة بين قنابل الغاز و مزايدات الأحزاب البنفسجية و "ماتراك" وزارة الداخلية ..قُبلات غازية على جبين كل شهيد و سماوات تسّاقط اختناقا ..و الضباب يلفّ المدينة و السياسات و الجيوب الفارغة ..و الشارع يبكي من فرط التداول على أرضه ..و حالة من الغثيان الكوني ..أبناء السماء جاؤوا يجرحون السماء ..و أبناء الأرض سقطوا أرضا ..من يبكي من ؟ هرب الجلاّد أم عاد الجلاّد ..من يشتكي لمن ؟ مسرحية بكائية و ضحك هستيري و عدمية يائسة من وسائلها الفاشلة سلفا في المصالحة بين أهل السلف و أهل الخلف ؟ يا بلادا لا بلاد لها ؟ و يا شعبا يُمنع من أن يكون شعبا يأتي متى ينبغي له ان يأتي و في الشارع الذي وُلد فيه بوصفه شعبا؟ مات الشهيد ثانية بيننا ..فهل تصدّق أنّه أقسم ألاّ يموت هذه المرّة من أجلنا ..لأنّنا لسنا في حجم دمائه ؟لا شيء تغيّر غير ازدهار عدد الجياع..و احتراق ما تبقى من القلوب اليائسة ..لكن ما همّ الجياع و السياسة ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟