الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحب والعاصفة 10

حوا بطواش
كاتبة

(Hawa Batwash)

2012 / 4 / 21
الادب والفن


بعد لحظات، سمعت صوت الباب يفتح ودخلت فادية الى الغرفة.
"ما الذي أصابك؟" قالت وهي تغلق الباب من ورائها. "لماذا تبكين؟" استغربت مني.
جلستُ على فراشي وأنا أمسح دموعي وقلت بصوت متقطّع: "لا أحد يفهمني في هذا البيت. لا أحد يعيرني أي اهتمام. لا أحد يهمّه ما أحسّ. ليت أمي كانت هنا! ليتها كانت معي الآن!" وأجهشتُ بالبكاء من جديد.
"ألهذا تبكين الآن؟!" سمعتها تقول ببرودة عجيبة. "أنت تعلمين جيدا أن بكاءك هذا لا ينفعك بشيء. فالبكاء لن يعيد أمك من القبر، ولن يعيد أباك أيضا كي يغيّر وعده لعمك او يغيّر شيئا مما حدث بعد وفاته. عليك أن تتقبّلي الأمور كما هي. كوني واقعية ولو مرة واحدة في حياتك. نصحتك من قبل وكنت أعني ما أقول. عليك أن تتقبّلي فكرة زواجك من ابن عمك رامز كأمر واقع لا محالة."
قلت وقد انطلق غيظي المكتوم: "أنا لا أحبّه! بل لا أطيقه! أنا أبغضه أشدّ البغض ولن يتغيّر شعوري نحوه مهما فعل. لا أريد الزواج منه!"
قالت وهي تشحذني بعينيها: "تعلمين ما مشكلتك؟ أنك لا ترَين الأمور بنظرة أبعد من لحظة وقوعها. أنت تؤجّلين الموضوع منذ أكثر من سنة فقط كي تحلّ عن ظهرك. أنت بذلك تتغافلين عن الموضوع ولا تحاولين معالجة الأمر بالمنطق والعقل، ألا ترين ذلك؟ ماذا يفيدك التأجيل؟ التأجيل لا يعني حل المشكلة."
عرفت في داخلي أنها محقّة. إنني أتغافل عن المشكلة ولا أحاول حلّها من جذورها. ولكن كيف أفعل ذلك؟
تابعت فادية كلامها بعد توقف، وقالت وكأنها سمعت نداء قلبي: "يجب أن تبدئي بالتفكير في ابن عمك بتفاؤل وايجابية. صحيح أن رامز ليس وسيما جدا او جذابا، ولكنه ليس سيئا. وسيكون زوجا مرضيا لك."
"مستحيل أن أفكّر به كزوج! هذا ليس الحل."
"وما الحل اذن؟"
"الحل أن أرفض الزواج منه!"
أجفلت عيناها وصاحت بي: "هل جننت؟"
"ولِم لا؟" قلت. "انا لدي الحق في اختيار شريك حياتي الذي يعجبني. ورامز ليس الشخص المناسب لي."
فقالت وعلى وجهها سحابة حمراء من الغيظ: "هنادي، انت تعبثين بنفسك دون وعي. ذلك لن يفيدك."
"لِم لا؟" سألت.
فردّت جازمة: "لأن أخاك لن يقبل الا برامز."
صرختُ وقد هاج هائجي: "وانا لن أقبل برامز! لن أقبل به! لا أريده! لا أريده!"
"خفّضي صوتك! عمك ما يزال هنا."
"فليسمع اذن! لم يعد يهمّني! كفاني صمتا!"
رأيتها تقطّب وجهها في تقزّز، الا أنها لم تضِف شيئا وخرجت من الغرفة.


ارتميت على فراشي وأخذت أبكي بحرقة. بكيت على نفسي وعلى أمي وأبي وأخي وأختي وعمي وشادن وسامر وحتى رامز. بكيت على الدنيا بأكملها، تلك الدنيا التي تحنّ علينا حينا وتقسو علينا أحيانا أخرى، تفتح لنا أبوابها حينا وتغلق أمام وجوهنا أبوابا أخرى بإحكام أحيانا أخرى. تألّمت لحالي وأحسست بمرارة الحياة كما لم أحسها من قبل.
بعد ساعة طويلة، حين خرجت من الغرفة اصطدمت بوليد لدى المطبخ. أشحت بوجهي ومضيت الى داخل المطبخ دون قول شيء.
"هنادي،" سمعته يناديني برفق. "أظن أن علينا أن نتحدّث."
قلت بفتور: "ألا يجوز أن ينتظر الحديث؟ أريد أن آكل شيئا ثم أخلد للنوم."
"هل أنت دائما هكذا؟ تدعين كل شيء ينتظر؟ تعالي الآن الى غرفة الضيوف." قال بشيء من الحدة.
فعلت كما طلب وجلست قبالته على الأريكة دون أن أرفع عينيّ اليه.
بادرني قائلا: "ماذا بعد يا هنادي؟ أما طال انتظارنا؟ ها قد طلب عمك يدك منك أنت شخصيا. فبماذا تردّين؟"
"أنا لا أفهم ما سبب هذه العجلة؟ لا أفهم ماذا تريدون مني؟! لماذا لا تتركوني وشأني؟!"
"إهدئي! ماذا دهاك؟"
"أنا آسفة يا وليد. ولكنني أظن أنه من الأفضل أن نؤجّل هذا الحديث الى يوم آخر، فأنا لست بمزاج يسمح لي بالنقاش."
قمت من مكاني وعدت الى غرفتي دون أكل.

* * *

في وقت متأخّر من نفس الليلة اتّصلت بي شادن الى جوّالي لتطمئنّ على حالي. فقلت لها إنني لست على ما يرام وإنني أفضّل أن نتحدّث في الغد. فقالت إنها ستأتي لزيارتي قبل الظهر.
لم يكن أحد سوانا في البيت. جلسنا على الأرجوحة نرتشف بعض الشاي.
"ما بك يا هنادي؟ تبدين قلقة." قالت.
لم أرد في الحال. أخذت نفسا عميقا وأنا أفكر طويلا.
"لقد طلب أبي يدك لرامز مساء أمس، أليس كذلك؟" قالت.
أومأت برأسي علامة الإيجاب. ولكن، لم أنطق بشيء. لم أعرف كيف أشرح لها ما في قلبي.
سمعتها تقول لي: "ان كنت ترفضين زواجك من رامز فهذا من حقك."
"من حقي؟!"
"لا أحد يمكن أن يجبرك على الزواج منه دون قبولك."
"وكيف لي ألا أقبل؟ إنها رغبة المرحوم أبي. فهل أخالف رغبته؟"
"الزواج لا يتم بهذه الطريقة. الزواج عرض وقبول."
"شادن، نحن نعرف بعضنا منذ أمد بعيد. لقد ساعدنا بعضنا مرات كثيرة في حياتنا. ولكن هذه المرة، أحسّ بأنني ضائعة... تائهة... لا حول لي ولا قوة. أرجوك أن تساعديني. أحسّ أنني في ورطة تجرفني الى غياهب لا مفر منها."
"هدّئي من روعك يا عزيزتي. كل مشكلة ولها حل."
"وما الحل يا شادن؟ أنا لا أستطيع أن أتزوج من رامز. لن أستطيع أن أكون له زوجة صالحة. إنه مثل أخي."
"أعرف يا هنادي. أنا أفهمك جيدا. ولا داعي لأن تبرّري نفسك أمامي على الإطلاق. صحيح أن رامز هو أخي. ولكن الحق يقال. أنت لا تحبينه. ولست ملزمة على حبه رغما عن أنفك."
"وماذا أفعل؟ أرشديني، أرجوك."
فكّرت وقتا طويلا ثم قالت: "لا يوجد حل سوى أن ترفضي زواجك منه."
"وهل سينفعني ذلك؟"
"سيكون هناك غضب في البداية ثم يزول. ليس من المنطق أن تتزوجي رجلا لا تحبينه مهما كانت الظروف."
كم كانت حكيمة! لقد قالت لي الكلام الذي أردت سماعه منها بالضبط. ولكن... أية عاصفة تنتظرني اذا فعلت ما قالت؟!

يتبع...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حوار من المسافة صفر | المسرحية والأكاديمية عليّة الخاليدي |


.. قصيدة الشاعر العقيد مشعل الحارثي أمام ولي العهد السعودي في ح




.. لأي عملاق يحلم عبدالله رويشد بالغناء ؟


.. بطريقة سينمائية.. 20 لصاً يقتحمون متجر مجوهرات وينهبونه في د




.. حبيها حتى لو كانت عدوتك .. أغلى نصيحة من الفنان محمود مرسى ل