الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عذبني غِريد الجنوب - فؤاد سالم -

عادل الخياط

2012 / 4 / 21
الادب والفن


عذبني غِريد الجنوب " فؤاد سالم "

عادل الخياط

" سلاما عليك أيها المُعذب الأبدي , سلاما على أوجاعك , سلاما على صبرك إزاء المِحن , سلاما على روحك الجميلة أيها الجميل البصري "
...........................



في سنوات التسعينات وفي مخيم رفحاء الصحراوي , كُنت أستمع لإذاعة صوت القاهرة في صومعتي . كان الشهر هو نهاية آذار , نهاية آذار ترتبط بمخيلتي بميلاد الحزب الشيوعي العراقي , تلك الذكرى التي كانت تبعث هيامات من النوع التي يصعب ملامستها شاعريا أو التعبير عنها , كذلك فإن نهاية آذار تقترن بوفاة الفنان عبد الحليم حافظ الذي ملأ الدنيا وشغل الناس في تلك الحقبة ولم يزل , وأكرر " لم يزل " , حيث كان الإستماع لصوت القاهرة يُعبر عن ذلك الإنطباع بحرفية , كان المتحدث يقول ما معناه : عبد الحليم حافظ لم يدع حيزا للمطربين الذين تلوه أن يقولوا شيئا في المجال الغنائي , فلقد غنى القصيدة والموشح الأندلسي وغنى الشعبي الصعيدي وغنى الأغنية المدنية بكل ألوانها وهكذا تطول قائمة التوصيفات لما غناه ذلك الفنان الملامس للمشاعر البشرية بشكل يفوق الوصف ! ومن ثم يختم المتحدث حديثه عن إحصائية مبيع إسطوانات عبد الحليم ليقول : أنها لا تزال تحتل المرتبة الأولى في إهتمامات المصريين رغم رحيله لما يقرب العشرين عاما !

الرحيل المفاجئ والغض لهذا الفنان الذي أذهل الدُنيا والناس في عوالمنا العربية .. الرحيل المفاجئ لم يكن كذلك , ف حليم كان يُعاني الكثير من الأمراض أبرزها " البلهارزيا " .. أما الغض فهو أن حليم عند رحيله لم يزل في مُقتبل العُمر .. وعلى أيٍ , فالحديث عن حليم بحث آخر .. الآن نود التحدث عن " عبد الحليم العراق " الفنان " فؤاد سالم " غير ان صلة الربط هنا هي أن فؤاد سالم يُضاهي "بل يتجاوز عبد الحليم " في هذا الحيز الفني , فؤاد سالم عندما تستمع له في أغنية " حُلم أخضر " التي هي من ألحان الفنان " محمد جواد أموري " أقول عندما تستمع لهذه الأغنية لا يتوارد إلى سمعك أن المؤدي هو " فؤاد سالم " يتوارد إليك إن المؤدي هو شخص خارج إطار التاريخ , شخص من قبيل أي مطرب عراقي يُؤدي منلوج الأغنية العراقية ! بمعنى من الممكن أن تستشف صوت فؤاد سالم في أية أغنية من أغانيه , لكن في أغنية حُلم أخضر يضيع عليك التشخيص في تحديد شخصية المطرب الذي يؤدي تلك الترنيمة : هل هو فؤاد سالم أم حسين نعمة أم فاضل عواد أم .. وهنا هي القُدرة العجيبة في تلك التلونية الغريبة في صوت فؤاد سالم , بمعنى صوت وأداء يحتوي كل أداءات وأصوات الأغنية العراقية.. أما عبد الحليم فلا أعتقد إنه يمتلك تلك التغييرية العجيبة في طبقات الصوت . في كل تاريخ عبد الحليم , حتى في فترة تلاقح الكلاسيكية الموسيقية المصرية كان صوت عبد الحليم بارزا عن جميع المطربين المصريين , إلى حد أن عبد الحليم أعتبر ظاهرة أو ثورة في الغناء المصري لتفرد صوته عن بقية المطربين .

صوت فؤاد سالم ومقدرته الفنية في المجال الغنائي لا تختزله سطور مقتضبة , ولو أردنا البحث في هذا السياق , فنعتقد إن الناقد الموسيقي هو الأجدر في تلك الفضاءات , اما نحن فنتحدث على قدر معرفتنا لأصالة الفن الموسيقي , وفي ذات الوقت نحن نفهم أن أي صنف فني هو " كاريزما " وليست أية " كاريزما " ثمة كاريزما ذوقية ربما تتعدى حتى الناقد الفني وبالطبع الناقد الموسيقي من ضمن تلك التوليفة , فهذا المُبدع هو مجموعة سمات , الفنان فؤاد سالم مجموعة من الطرب الأصيل والإنسان الكوني في الحب والعشق , صوت مُفعم بإحساس غير خاضع للمفردة مهما بلغت جمالية تلك المُفردة , صوت مرادف للنبض الوتري الموسيقي الذي يتجاوز قدرة حتى المُتفحص الذكي في هضم إيحاءاته الرمزية ! ولذلك لا بد من القول :

إن فواد سالم أخطأ عندما وصف إغنيتيه " عراق " للسياب , والأخرى " دجلة الخير " للجواهري , بأنهما وسامين على صدره . لا أدري لماذا تسرب هذا الإعتقاد إلى عقلية فؤاد سالم ؟ هل لكون الأغنيتين لشاعرين كبيرين - السياب والجواهري - ؟ أم إنه يعتقد إن غناء القصائد يُعتبر شيء أكاديمي - كما يقول هو - ويُعطي ملمح بارز للمطرب مثلما يُغني كاظم الساهر قصائد لنزار قباني ظنا منه إنها تعطيه إمتيازا ملحوظا ؟! فإذا كان التصور على هذا التأسيس , فما قيمة ترانيم عبد الحليم وفيروز وعبد الوهاب ويوسف عُمر والقبنجي والغزالي , والكثير غيرهم في سياق الأغنية بلغة العامة , والمعروف أن جُل الأغاني هي بالشعبية أو بالشعر الشعبي ؟ ولن نحتار , لنقول لـ " فؤاد سالم " إن أغنية " مِثل روجات المشرح " وغيرها الكثير أهم من قصائد الفصحى التي تعتقد إنها أوسمة على الصدور .

لكنا الآن ليس بخصوص تنويعات الرأي والإعتقاد الآخر , نحن الآن بخصوص سلاما لهذا المبدع البصري , علها تكون شفيعا لآلامه المتوفزة أبدا !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان التونسي حكيم بالكحلة: تغيير مصيري من الهندسة المعماري


.. الفنان التونسي حكيم بالكحلة: والدي لم يدعم قراري بترك الهندس




.. صباح العربية | رهف ناصر تتحدى الحرب بالموسيقى وتغني للأمل


.. تجمع ضخم لعشاق سلسلة أفلام -حرب النجوم- في بوينس آيرس




.. وداعًا للعلمى والأدبى .. التعليم تكشف ملامح الثانوية العامة