الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يحمي القضاء ضحايا تعسف السلطة الادارية ؟

علي شفيق الصالح

2012 / 4 / 22
دراسات وابحاث قانونية


هل يحمي القضاء ضحايا تعسف السلطة الادارية ؟
دعوى إلغاء القرارات أفضل وسيلة للردع
د. علي شفيق الصالح
من المؤسف أن بعض المدراء ورؤساء المؤسسات الحكومية عندنا يتصرفون تجاه الموظفين والمراجعين بلا رحمة وبتعالي يتنافى مع قيمنا الحضارية كأن هذه الدوائر ملك لهم, رغم كل التطورات والتحولات العميقة التي حصلت في السنوات الماضية.
وهذه الظاهرة ناتجة عن تقاليد ومفاهيم خاطئة ورثناها عن فترات تخلف وظلم أو افراز طفرات اقتصادية ولدت في المجتمع طباعاً شاذة وخلقت قناعات لدى كثير منا بعلو مكانة الادارات على الناس, وبأنه لا يحق لنا الاعتراض على قراراتها وإجراءاتها حتى لو خالفت الشرعية.
لقد نسينا بأن الزمن قد تغير, بل ونسينا باننا ورثة أول حضارة يحاسب فيها المسؤول كما يحاسب أي فرد في المجتمع, وما وجود "ولاية المظالم" قبل ألف وأربعمائة سنة الا دليل على الرغبة في المساواة والتصدي للظلم, فقد كانت تعتبر نوعاً من القضاء العالي لمواجهة جور الولاة وذوي الجاه والنفوذ.
وتنقل لنا الروايات وكتب التاريخ العديد من القصص التي تؤكد على أن القضاء كان عبر تاريخ حضارتنا يتمتع باستقلال تام وعلو في الكلمة لا يدانيه في ذلك أحد, وبأن الكل كان يحاسب بميزان واحد ويمنع اصحاب النفوذ من الحصول على ميزة على حساب العدالة.
وفي هذا العصر نجد أن الدول المتحضرة تحرص على حسن اختيار مدراء الادارات ورقابتهم, ووضع الضمانات اللازمة للحد من تعسف الادارات لأمر في نفس أو شفايه لغل, وبالأخص تشديد الرقابة القضائية عملاً بالحكمة التي تقول "العدل أساس الملك".
وأفضل وسيلة لرقابة القضاء هي تسهيل عرض المتضرر قضيته وهمومه على المحاكم بدعوى نطلق عليها دعوى تجاوز السلطة أو كما تسمى بلغة الفقه والقضاء دعوى "إلغاء القرارات الإدارية", التي عرفتها حضارتنا قبل مئات السنين , وكانت بداية ظهورها بالشكل العصري في فرنسا على إثر الثورة الفرنسية وإنشاء "مجلس الدولة" عام 1791م.
أن صاحب الشأن يستطيع بهذه الوسيلة المطالبة من القاضي إلغاء القرار اذا ثبت وجود أسباب نظامية تجعله غير مشروع يستحق الالغاء وهي: عدم الاختصاص, او عدم التقيد بقواعد الشكل, أو وجود مخالفة للأنظمة أو الخطأ في تطبيقها أو تأويلها, أو إساءة استعمال السلطة, وهذا هو الردع بعينه.
خذ على سبيل المثال, صدور قرار اداري تعسفي بنقل موظف الى مكان آخر يضره بقصد توقيع عقوبة مبطنة عليه, أو رفض الجهات الادارية منح رخصة بناء أو جمعية أو صحيفة يومية رغم توفر كل الشروط في طلب أصحاب الشأن, أو قيام دائرة التجارة بإصدار تعليمات تسويق سلع فيها منفعة لفئة من التجار على حساب فئة أخرى بدون مبرر. في هذه الحالات وأمثالها يحق لأصحاب الشأن رفع دعوى الالغاء.
هذه الدعوى منتشرة وأصبحت مألوفة عند عموم الناس في كثير من دول العالم وتعفيها القوانين من توكيل محام ومن الرسوم القضائية حماية للمشروعية في البلاد, ونجد يومياً صداها في الصحف خاصة حينما تتعلق بقضايا اجتماعية تخص عموم الناس, كالانتخابات والخدمات الصحية والتعليم والنقل.
وتطبق كل الدول العربية هذه الدعوى رغم الاختلاف في الشروط المفروضة عليها, ففي مصر مثلاً نصت عليها قوانين مجلس الدولة المتعاقبة منذ عام 1946م, وفي السعودية نص عليها والنظام السابق لديوان المظالم الصادر عام 1402هـ ونظامه الحالي لسنة 1428 هـ, وفي العراق نص عليها تعديل عام 1981م لقانون مجلس شورى الدولة, وفي المغرب تسمى دعوى الشطط في استعمال السلطة ونص عليها القانون الصادر عام 2000م.
ورغم كل النصوص النظامية التي نفاخر بها أمام المنظمات الانسانية وحقوق الانسان, فان انتشار دعوى إلغاء القرارات ما زال محدوداً. يا ترى لماذا هل العيب فينا ؟
قد يكون ذلك صحيحاً, ولكن قبل ذلك يجب أن لا ننسى القيود التي تحد من فائدة هذه الدعوى, ولا ننسى أن المواطن عندنا غالباً ما يجهل وجودها, ولا يعرف المسكين الا القليل عن طبيعتها ودورها الكبير في انصافه, وصدق من قال أن الانسان يخاف من المجهول.
والادهى من ذلك أننا كثيراً ما نسكت على الظلم خوفاً من انتقام المسؤولين ! وأكثر من هذا نحن نعيب على كل من يخاصم دائرته أمام القضاء وننبذ تصرفه, رغم انه يخاصم قراراً غير مشروع وليس شخصاً معيناً.
بل نحن نصد عنه وكأن المسكين ارتكب عملاً محرماً, ونتساءل ألا يخجل وهل هذا مجنون؟ كيف يرفع دعوى في المحاكم على مكان رزقه؟ ناسين أن هذا حق منحه القانون للمواطن ليحميه ويحمينا كلنا حتى لا يعم الظلم في المجتمع.
كما ننسى بأن الظلم قد يكون ناتجاً عن وجود مساعدين يستغلون غفلة المدير ويجهل سيادته ذلك حتى يفاجأ بأن قراره قد أصبح تحت مطرقة القضاء, وصدق الشاعر الذي قال : إن كنت لا تدرى فتلك مصيبة أو كنت تدرى فالمصيبة أعظم.
أرجع فأقول الحق مع الناس أحياناً لأنها تخاف البطش من الذين يستحلون الظلم ويجعلون من الدوائر وسيلة لانتفاعهم الشخصي, لذلك لا بد من حماية المجتمع منهم, ولا بد بالخصوص من تسهيل اجراءات دعوى الالغاء أو تجاوز السلطة, ونشر التوعية, وضمان تنفيذ الأحكام القضائية الخاصة بها, لأنها أفضل وسيلة للردع وتشكل نموذجاً رائعاً لحقوق الانسان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل كانت المثلية موجودة في الثقافات العربية؟ | ببساطة مع 3


.. Saudi Arabia’s authorities must immediately and unconditiona




.. اعتقال 300 شخص في جامعة كولومبيا الأمريكية من المؤيدين للفلس


.. ماذا أضافت زيارة بلينكن السابعة لإسرائيل لصفقة التبادل وملف




.. لحظة اعتقال الشرطة أحد طلاب جامعة ييل الأمريكية المتضامنين م