الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أي وحدة؟ وأي صف؟

إكرام يوسف

2012 / 4 / 23
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان



لا أعلم من الذي اختلق تسمية "مليونية وحدة الصف" ليوم الجمعة الماضي؟ فما أعلمه أن القوى الثورية المدنية دعت منذ فترة إلى يوم 20 أبريل تحت اسم "مليونية تقرير المصير"، رفضا للتحايل على تشكيل اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور، وعلى ترشيح رموز من النظام الساقط لرئاسة الجمهورية بعد الثورة، وعلى المادة 28 من التعديل الدستوري التي تحصن قرارات اللجنة العليا للانتخابات من الطعن. لكن البعض لا يحترم ذكاء الآخرين، ويعتقد أن باستطاعته ابتزاز شباب الثورة وإحراجهم باسم "وحدة الصف" حتى يتغاضوا عن جرائم ارتكبها في حق الثورة!
وسألني شاب ملتح كان يبدو عليه الصدق فعلا فيما يقول: "هذا هو الحال الآن؟ فماذا سنفعل من أجل مصر؟ لقد أخطأنا، ونحن نمد أيدينا للمصالحة".. قلت له "اغسل يديك أولا من دماء من وقفتم تتفرجون على قتلهم، ولم تكتفوا بذلك، بل شاركتم في التحريض على القتل"!
وأوضحت له أنني بالطبع لا أقصده شخصيا، وأعلم أن في جميع التيارات أفرادا لم يشاركوا في الجرم. وكان بعضهم من المحتجين في شارع محمد محمود، ويستنكر كثيرا مما قام به أبناء تيارات الإسلام السياسي من تحريض على شباب الثورة. وبعضهم أدرك ـ أخيرا ـ ان التصويت لصالح التعديل الدستوري المعيب كان خطأ، وأن من صوتوا برفضه لم يكونوا "كفارا"! وقلت أنني أعني من لم يتركوا رمزا ممن ارتبطت اسماؤهم بالثورة إلا وشهروا به، إما بالتشكيك في وطنيته واتهامه بالعمالة للخارج، أو بالطعن في الشرف الأخلاقي ـ خاصة الفتيات ـ فدعموا جهود الثورة المضادة في تنفير المصريين من ثورتهم! وأضفت " عندما يتدى اليساريون أو الليبراليون حدود الأدب في الحوار مع الإسلاميين، فأقصى ما يفعلون أن يتهموهم بالظلامية والرجعية، أما من يدعون انتماؤهم للإسلام السياسي فالخوض في أعراض الخصوم، أول ما يلجأون إليه! ولم يتركوا ثائرا أو ثائرة إلا سعوا لوصمه بما فتح الله عليهم به من موبقات.. فعلى أي أساس يكون التصالح وهذه الاتهامات قائمة؟ وهل نتصالح ومازال طعنكم في شرف الفتيات اللاتي تعرضن لكشف العذرية قائما؟ ومازال إفككم في حق "ست البنات" ساريًا؟ وكيف نتناسى الاتهامات لشهداء ومصابي أبناء الوطن في ماسبيرو ومحمد محمود وأمام مجلس الوزراء بأنهم بلطجية يريدون تخريب البلاد؟".
عندما يصر من شاركوا في التحريض على شباب كان يتعرض للقتل والإصابة أمام أعينهم، على تناسي ما سبق بحجة وحدة الصف، فهذه استهانة بذكاء الآخرين، وإهانة لدماء سالت، ستظل آثارها في أيدي القتلة كما في أيدي من ساندوهم بالتحريض. ومن الذي يضمن لنا ـ إن قبلنا التغاضي عن هذه الاتهامات وهذه الدماء ـ ألا يعيد هؤلاء الكرة، بمجرد انقضاء الغرض، وعودة الأمور إلى مجاريها بينهم وبين حلفائهم؟
فلا معنى إذا ولا ضمانة لأي وحدة للصف، ما لم يعتذر من قاموا بشق الصف أولا عما فعلوه علنا، وفي بيانات مكتوبة تضمن الولاء بالتعهدات القادمة وعدم الرجوع عنها وفق أساليب التملص المعتادة: أولا، إنكار حدوث الموقف أو التصريح أصلا، ثم التحجج بأن "كلماتنا اقتطعت من سياقها، أو تم تحريفها"، وصولا إلى "ماقاله فلان يعتبر موقفا شخصيا منه وليس موقف الجماعة"!
ويحلو للبعض أن يستغل مقولة "الثورة لم يكن لها قيادة" متجاهلين أن قادة الثورة الحقيقين، أول من رددوا هذه المقولة، حرصًا على رد الفضل لجماهير ساندتهم وسارت وراءهم حتى إسقاط المخلوع. وتجاهل هؤلاء حقيقة أن الثورة لها قياة بالفعل، لكنها قيادة جماعية، ولم تكن قيادة فردية. وإلا فمن الذي حدد أماكن التجمعات في مختلف محافظات مصر يوم 25 يناير 2011؟ وموعد التحرك؟ ومن حدد خطوط السير لكل مظاهرة؟ ومن نظم حركة الميدان وشكل اللجان الشعبية؟ فهي كلمة حق، تلقفها من يحاولون اختلاق أدوار لأنفسهم في قيادة الثورة، أو طمس أدوار الثوار الحقيقيين، ثم محاولة تشويههم، لضرب فكرة الثورة بالأساس.
ولا شك أن القوى الثورية، سوف تخطئ، في حق الثورة والوطن إذا خضعت لهذا الابتزاز، وتغاضت عن حقوق لا تملكها بدعوى "عفا الله عما سلف"! فعند الحديث عن توحيد الصفوف، ينبغي أولا تحديد هذه الصفوف بدقة، ووضع الأسس التي يقوم عليها هذا التوحيد؛ لضمان ألا يطعنك أحدهم في الظهر أو في الجنب، ويقدمك قربانًا لمصلحة جديدة!
ثم، من قال أصلا بضرورة وحدة التيارات السياسية والفكرية المختلفة؟ إن هي إلا شعارات عاطفية لدغدغة عواطف البسطاء! والصحيح أن الثورات في خضم النضال اليومي، تراكم الوعي لدى الجماهير، والخبرة لدى التيارات السياسية؛ وتعقد تحالفات مرحلية حول حد أدنى مني الأهداف المتفق عليها، وبمجرد إنجاز الهدف، تعقد تحالفات أخرى وفق أهداف أخرى!
فالمطلوب إذا، ليس وحدة هلامية، تميع التمايزات السياسية قربانا لصنم اسمه "وحدة الصف"، وإنما إدراك أن الثورة مازالت مستمرة، وأمام استكمالها شوط ليس هينا. وليعلم من هرعوا إلى جني المغنم قبل أوانها، أن عراقيل كثيرة مازال يتعين التعاون على إسقاطها. ولن يتم ذلك إلا بتحالف القوى الراغبة حقا في التغيير وإسقاط النظام ـ وليس ترميمه ـ ضمن جبهة وطنية، يتفق فيها الجميع على هدف الحد الأدنى. وفي بداية الثورة كان الهدف الذي التف حوله الفرقاء السياسيون هو اسقاط المخلوع. وتحقق هذا الهدف بمساندة الجماهير التواقة إلى الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. ولولا أن البعض لم يكن ثوريا بطبيعته؛ فلم يفهم أن ماحدث ليس سوى مرحلة أولى من مراحل الثورة، وسارع إلى محاولة "التهام" المكاسب، لسارت الثورة قدما نحو إنجاز بقية مهامها. لكن انتهازية البعض، والجهل السياسي المقترن بقصر النظر وتعجل النتائج، أدى إلى عرقلة الخطى، وتقدم قوى الثورة المضادة لاحتلال مواقع، تركها البعض سواء جريا وراء مكاسب رخيصة أو لتصفية حسابات.
باختصار، حققنا أهدافا هائلة، علينا أن نسعى للبناء عليها. وحتى يتم هذا البناء على أساس سليم، يتعين تحديد المواقع بدقة، وعقد تحالفات مبدأية بناء على أهداف مشتركة.. ويقتضي التحالف أن يعيد كل منا النظر في مواقفه ومواقف حلفائه السابقة.. وعدم تجاهل الأخطاء أو التغطية عليها بحجة حماية وحدة الصف.. فحقيقة الأمر أن الصف ليس واحدا، وإنما هي صفوف مختلفة تختار ـ في لحظة معينة ـ الوقوف في خندق واحد لإنجاز مهمة بعينها.. وعلى الجميع أن يدقق جيدا عند اختيار حلفائه، حتى لا يخدع نفسه، ثم يعود للبكاء على اللبن المسكوب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السنوار ونتنياهو يعيقان سياسات بايدن الخارجية قبيل مناظرة ان


.. خامنئي يضع قيودا على تصريحات مرشحي الرئاسة




.. يقودها سموتريتش.. خطط إسرائيلية للسيطرة الدائمة على الضفة ال


.. قوات الاحتلال تنسحب من حي الجابريات في جنين بعد مواجهات مسلح




.. المدير العام للصحة في محافظة غزة يعلن توقف محطة الأوكسجين ال