الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بلاغة الإضمار في-تلك الحياة -للقاص المصري شريف عابدين

مصطفى لغتيري

2012 / 4 / 23
الادب والفن


بلاغةالإضمار في"تلك الحياة "للقاص المصري شريف عابدين
مصطفى لغتيري
راهنت الكتابة الإبداعية و تراهن على التجريب، لأنه يتيح لها الانفلات من براثن التكرار و النمطية ، و يفتح لها آفاقا جديدة على مستوى الأشكال و المضامين..و قد نجحت القصة القصيرة جدا كجنس أدبي حداثي و حديث من خلال منجزها النصي في ربح رهان التجريب إلى حد كبير ، فنصوصها الجيدة تبدو موغلة في الرهان على تجديد أساليبها و مضامينها ، حتى أن القصص المنتمية إلى هذا الجنس الأدبي لا تكاد تتشابه ، بسبب اجتراح طرق جديدة في الحكي ، و هذا ما يجعلها مستغربة بالنسبة للذائقة الأدبية التقليدية ، التي اعتادت تنميط الكتابة و قولبتها في معيير محددة ، و سجنها ضمن نماذج معينة ، لا تبغي عنها عوضا.
من خلال مجموعته القصصية "تلك الحياة" يحاول القاص المصري شريف عابدين الدلو بدلوه في مغامرة إبداعية تجريبية ، تروم نهج طرق مختلفة في الكتابة لا تكاد تشابه مع أبدعه كتاب القصة القصيرة جدا من مجاميع قصصية.. و قد أثارني تحديدا في نصوص المجموعة ما يمكن أن نطلق عليه "بلاغة الإضمار "، فالقصة عند شريف تضمر أكثر مما تظهر ، حتى أن قارئها يشعر بأن شيئا ما ينقص القصة ، و لا بد من توفره كي تكتمل شكلا و مضمونا..و لعل تكرار هذه الخصيصة في نصوص المجموعة يؤشر على أن هذا النهج اختيار ارتضاه الكاتب لنفسه، يقول القاص في قصة "عودة" ص 15
مرتجفا يهذي
"سوف أمضي مثلما مضى
و أرتدي عباءة التراب
.. يهرول الفتى بحثا عن العباءة.
يعود مسرعا فلا يجد
سوى التراب.
إن المتأمل في هذه القصة و غيرها من قصص المجموعة سيلاحظ كثافة الاختزال ، التي تميزت بها النصوص ، و جعلت معانيها لا تمنح نفسها بسهولة ، بل يتأتى ذلك بعد تفكير عميق ، و إضافة تفاصيل يحتاجها القارئ لاكتمال المعنى ، وهذا الأمر ينطبق بكثير من الصدقية على قصة "حدس " ص 51 ، التي تحتاج إلى كثير من الحدس لاكتناه معناها المضمر ، يقول القاص
الصبح كان واعدا ، أغراه باليوم الجميل.
حين ارتفع ستار اليوم استاء.
في اليوم التالي
تطلع في وجه الصبح
...وجده ملثما.
و قد وظف القاص الكثير من التقنيات التي تخدم هدفه ، المتمثل في عدم تقديمه معنى جاهزا للقارئ ، بل يدعوه إلى المساهمة في بنائه من خلال ملء الفراغات التي تخترق نصوصه ، و قد عبر القاص عن ذلك بكثير من نقط الحذف التي لا يكاد نص من نصوص المجموعة يخلو منها ، حتى أنها في بعض الأحيان تأخذ شكل سطر كامل أو جملة كاملة، و من ذلك ما جاء في قصة " صراع" ص 41
حين هممت بقطفها استعطفتني
صارحتها بعشقي لرحيقها
همست مشفقة
لست وحدك
...............؟؟
قبلما تلفظ أنفاسها
تأوهت
فهاجمتنني
...أسراب النحل
وقد ساعد في هذا الإضمار عدم إحالة الضمير في كثير من القصص على شخص أو شيء معلوم ، بل يظل المحال عليه غامضا ، لا يمكن الجزم بهويته ، و هذا مما يحفز القارئ على الانغماس في لعبة التأويل ، يقول القاص في قصة "خلاص" ص30
أهال كل ما لديه
في الهوة السحيقة.
لم تكن لتمتلئ
سوى بما بقي:
...جسده.
و حينما تكون القصة واضحة و مكتملة في المعنى و المبنى ، فإنها غالبا ما تحتوي على حمولة إيديولوجية كبيرة ، و لعل ذلك ما يدفع الكاتب ليكتبها صريحة و واضحة ، حتى يبلغ الرسالة التي تشغل باله ، هذا عكس ما عليه الأمر إذا ما اهتمت القصة بالمصير الفردي الوجودي و النفسي للشخوص ، و من أمثلة ذلك ما جاء في قصة "أرزاق ص43 ، التي يقول القاص فيها
بحجة الحفاظ على الزهور،
سمح الحاكم للشعب بالتنزه فقط أيام العطلات.
اصطف الناس في طوابير طويلة عند أبواب الحدائق.
باع الفقراء أماكن أدوارهم للعشاق
و اشتروا بقيمتها خبزا.
أما بالنسببة للنماذج الأولى ، و التي يعانق فيها القاص الهموم الفردية ، فيمكن إيراد قصة "تلوث " كنموذج لذلك ، و قد جاءت في الصفحة 87، يقول القاص
كان كلما سمع لفظا نابيا
جرى و غسل أذنيه.
و كلما رأى منظرا مسيئا
جرى و غسل عينيه
نعته قومه بالكفر
و جرى الأطفال خلفه ، يقذفونه بحجارة الشارع.
فمضى نحوهم ينظف أيديهم بجلبابه.
و الدماء تسيل من رأسه.
و إذا كنا قد توقفنا في قراءتنا هاته عند خصيصة الإضمار في نصوص شريف عابدين ، فإن ذلك لا يعني أن المجموعة غير غنية بالثيمات و الأساليب التي يمكن أن تثير شهية النقاد للتعاطي مع هذا الأثر الجميل ، الذي يوفر كثير من المتعة لقارئه و يحفز الذهن على توظيف ملكة التأويل لبناء معانيه القريبة و البعيدة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟